الزبيدي يهدد بطرد العليمي من عدن        صنعاء تدشن العام العاشر باوسع هجوم بجري وجوي ضد اهداف امريكية واسرائيلية       صنعاء تدشن العام العاشر باوسع هجوم بجري وجوي ضد اهداف امريكية واسرائيلية       صنعاء تدشن العام العاشر باوسع هجوم بجري وجوي ضد اهداف امريكية واسرائيلية     
    ثقافة وفكر /
قصص قصيرة ..ساقان ونصف

2010-04-07 14:51:58


 
* أشرف النولي     ليست عضلاته المقببة وحدها ما يجعل أشد الحمالين بأسا يتراجع للوراء خطوتين، عندما يطلق نحوه نظرة نارية من نظراته الثاقبة. فقباب شخصيته أضخم بكثير من قباب ذراعيه المصوبتين. فبالرغم من كونه اليوم (مندوب زامة)، فإنه يتقدمهم دائما نحو الأحمال الثقيلة بتحد، حتى أصبح الجميع ينتظره في ذلك، كما في غيره أيضا. فهو أولهم، وكبيرهم. يفصل في خلافاتهم، يصلح فيما بينهم، يعاقب مخطئهم، وينصف مظلومهم، بالإقناع أو الذراع، الجميع يهابه ويحترمه في آن.  ورث إدريس متانة البنية وقوة الشخصية عن أمه، وعظمة النفس عن أبيه. كانت أمه أيضا كبيرة العاملات في واحد من أكبر بيوت تعبئة وتصدير حبوب البن في الحديدة. لم تسمح يوما بجور عاملة على أخرى. فغربالها دائما على أهبة لشق الهواء نحو رأس أي كانت، تتبعه حفنة البن نحو الشج، تسابقها ضمة الحنان. ومع ذلك فقد كانت تقف بتضاؤل أمام أبيه، كما تعلمت في دار ذويها. فلم يعل صوتها يوما على صوته، ولم ترفض له يوما طلبا. كما لم يسبها يوما، أو يسيء إليها. نشآ وتزوجا فقيرين، فراحا يكافحان معا من أجل لقمة العيش.. يخرجان كل صباح، فيذهب إلى الميناء، وتذهب إلى حوش البن، الذي طالما لعب فيه صغيرا، ترعاه قدماها، قبل أن يتحول إلى مغربل تحت إشرافها صبيا، ثم يجمعهم دفء المساء. في سن السادسة عشرة دفعته في صدره قائلة: صرت شابا، ستذهب مع أبيك من غد، سجل اسمك اليوم لدى (مندوب الزامة)، نم مبكرا لتصحو نشيطا في الصباح. كانت قامته يومها أطول من قامة أبيه، بل كاد يداني قامة أمه. راح يومها ينظر إلى قامات الحمالين وعضلاتهم المفتولة متحسرا. ولكنه بمرور الأيام أدرك أنه كان يرضع من أبيه مراس البأس وإرادة النفاذ من قبل. وذلك اليوم، عندما انزلق حجر الطاحون، الذي كان يحمله على ظهره، ليبتر ساقه على درجات المخزن، انطفأت الشمس، أغلقت السماء أبوابها، غابت المصابيح وبقي الليل أرملا كساقه. ولكنه بعد شهرين كان يقف أمام مرآة الحلاق متأملا عضلاته الضخمة. ثم خرج من عنده سائرا بصحبة عكازيه نحو القبور. وقف على قبري والديه المتجاورين. أهداهما الفاتحة. ثم عرج في طريق العودة على نجار الحي. وبعد يومين كان متوجها إلى الميناء بساق جديدة. ساق خشبية. ما زال يتذكر تلك النظرة التي أطلت من عيني (مندوب الزامة) عندما التفت إليه قائلا: بنصف ساق يا إدريس؟؟!! ولكنه لم ينس أبدا إجابته المتحدية عليه: ليس بنصف ساق. بل بساقين ونصف.  *عن مجموعته القصصية (رسالة) الصادرة مؤخرا عن مركز عبادي للدراسات والنشر 2010م.




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign