الصحافة البريطانية تكشف عن مضمون عروض امريكية مغرية لصنعاء        كهرباء عدن ....ماساة الصيف المتكرره تحت جنح الفشل والفساد الحكومي        غروندبرغ : نعمل على إطلاق الاسرى وتحسين القطاع الاقتصادي والمالي         مركز بحري دولي يحذر من سلاح يمني جديد      
    كتابات /
في ذكرى التصالح والتسامح التاسعة.. تحية إلى شعبنا العظيم

13/01/2015 13:13:45


 
بقلم الرئيس/ علي ناصر محمد
عندما انطلقت فكرة التصالح والتسامح قبل تسع سنوات لأول مرة من جمعية أبناء ردفان في مدينة عدن الجميلة والباسلة، بدأت صغيرة ومتواضعة، لكنها ككل الأفكار النبيلة سرعان ما أخذت تكبر وتلقى الاستجابة، بالرغم من المعارضة والرفض من قِبل البعض الذين قاوموها، ووقفوا ضدها، وحاربوها بكل ما استطاعوا حتى لا ترى النور، أو تُقتل في المهد، إلا أن الفكرة انتصرت وملأت الآفاق بالرغم من كل الصعاب والعراقيل، ولا تزال تكبر وتتسع عاماً بعد عام، وتعتبر انتصارًا لشعبنا العظيم في الجنوب الذي اكتوى بنيران الصراعات السياسية، التي كانت تتخذ في الغالب الصراع الدموي (كما هو الحال في الشمال) وغيرها من دول العالم الثالث. كان الشعب أول من تلقف هذه الفكرة وأدرك أهدافها ومغازيها النبيلة فاستجاب لها ووقف معها وجعل منها أيقونة حياة؛ لأنه رأى فيها عملاً عظيماً لا يسعى فقط إلى وضع حد لصراعات الماضي الأليم منذ ما قبل الاستقلال الوطني في 30 نوفمبر 1967م، وحتى لحظة انبثاق فجر التصالح والتسامح، بل أيضًا دفن ذلك الماضي الأليم والمرير إلى الأبد، بل وأكثر من ذلك أدرك أن ذلك يعطيه القوة والمناعة للتغلب على الأوضاع المزرية التي صار إليها بعد حرب صيف العام 1994م الظالمة التي شُنت على الجنوب، وما نتج عنها من آثار ونتائج مدمرة على الجنوب وشعبه وعلى الوحدة كمشروع نهضوي، وكان التصالح والتسامح الأرضية التي نبت منها بعد ذلك الحراك السلمي الجنوبي الشعبي ونقل القضية الجنوبية العادلة إلى طور جديد وإلى مركز الصدارة على المستوى الإقليمي والدولي، وما الاحتفالات السنوية، وآخرها اليوم 2015، إلا تجسيد لهذا التلاحم الشعبي الوطني. إن شعبنا في الجنوب الذي جسّد مبدأ التصالح والتسامح في كل أنشطته من ذلك التاريخ يستحق ليس الإشادة فحسب بمواقفه وبتضحياته العظيمة التي يجترحها في كل ساعة عبر حراكه السلمي الشعبي وبصموده في الساحات من أجل الانتصار لقضية الجنوب العادلة، بل أكثر من ذلك يستحق من قياداته في الداخل والخارج أنْ ترتفع إلى مستوى المسؤولية الوطنية التاريخية الملقاة على عاتقها في هذه اللحظة التاريخية الفاصلة فتكون عند مستوى ثقة شعبها بها، وعليها أنْ تبرهن بالأفعال قدرتها على توحيد صفوفها بالاتفاق على وحدة الهدف والرؤية والمرجعية السياسية، وإلا فإن التاريخ لن يسامحنا جميعاً على إضاعة الفرص واحدة تلو الأخرى. وليس غريبًا على شعبنا الأبي في الجنوب أن يكون هذا موقفه من فكرة عظيمة ونبيلة كالتصالح والتسامح، فلقد برهن هذا الشعب عبر كل مراحل ومنعطفات التاريخ أنه شعب عظيم يمتلك إرثًا وطنيًّا من الكفاح والبطولات واجتراح المعجزات في أصعب وأقسى الظروف، ولعل من المناسب الإشارة بهذا الخصوص إلى تاريخ قريب عندما وقف شعبنا مع ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، وانتظم في صفوف الفدائيين، وجيش التحرير، وحرب التحرير الوطنية، حتى خروج الاستعمار وبزوغ فجر الاستقلال الوطني 1976م، وحين وقف هذا الشعب الأبي مرة أخرى ببناء دولة وطنية قوية ومهابة عبر توحيد الجنوب في كيان سياسي واحد ليس فيه مكان للثأر والطائفية، وحين وقف هذا الشعب ذاته مع قيادته ودولته الوطنية عندما كانت اليمن الديمقراطية تواجه ظروفًا اقتصادية ومالية صعبة بسبب الحصار المفروض عليها يومها خرج إلى الشوارع يطالب بتخفيض الرواتب، وتنازل بكل إرادته عن جزء من لقمة عيشه لكي يخفف عن الدولة بعضاً من أعبائها المرحلية، ولا نظن أن ذلك قد حدث في أيّة دولة على مر التاريخ فيما نعلم، يومها علّق بعض الدبلوماسيين في عدن عندما رأوا هذه المشهد التاريخي النادر قائلين :الناس في كل الدنيا تخرج في مظاهرات تطالب بزيادة الرواتب.. لكن أن يخرج شعب إلى الشوارع مطالبًا بتخفيض رواتبه فذلك ما لم نسمع به حتى رأيناه هنا في العاصمة عدن.!، وهذا الشعب نفسه هو الذي وقف خلف قياداته في قضية الوحدة اليمنية حتى تحققت عام 1990م. ذلك هو شعبنا العظيم والأبي، أفلا يستحق هذا الشعب الذي ينتظم منذ ثمان سنوات في الساحات، الميادين بالملايين تعبيرًا عن إيمانه بعدالة قضيته الجنوبية، ويسقط منه الشهداء والجرحى والمعتقلون في كل يوم تقريبًا عبر مسيرته الكفاحية الطويلة، وعبر حراكه السلمي الشعبي الجنوبي، ألا يستحق هذا الشعب الذي يُبرهن عن أصالة صبره وصموده من قياداته أن تكون على نفس القدر من المسؤولية والتضحية فتتداعى إلى مؤتمر وطني جنوبي يبحث في توحيد الرؤية والقيادة والمرجعية السياسية، وفي الوقت نفسه يبحث في سبيل حل القضية الجنوبية حلاً عادلاً يرضى عنه شعبنا في الجنوب؟، ولكن بعيدًا عن الاوهام حلاًّ واقعيًّا يأخذ بعين الاعتبار المصالح الحيوية المشروعة للشعب في الجنوب وفي الشمال على حد سواء، وفي الوقت ذاته يستعيد مشروع الوحدة المختطفة من وحدة بالقوة والضم والإلحاق، ويعيدها إلى جذرها الأول كمشروع سياسي وطني نهضوي للشعب اليمني كله شمالاً وجنوباً. نرى أن فكرة الفيدرالية من إقليمين، التي خرج بها المؤتمر الجنوبي الأول في القاهرة نوفمبر 2011م هي الأنسب والخيار الواقعي ليس فقط للقضية الجنوبية العادلة، بل للأزمة اليمنية بشكل عام، ولنا في التجارب الوحدوية والدول الاتحادية الناجحة خير مثال كتجربة الإمارات العربية المتحدة، وتجربة إقليم كردستان في العراق، وتجربة الولايات المتحدة الأميركية، وتجربة الاتحاد الروسي وغيرها من التجارب الانسانية المعاصرة.. ونحن مع الخيار الذي يرتضيه شعبنا في الجنوب. في ذكرى التصالح والتسامح التاسعة، وانطلاقاً من أهدافه النبيلة ورسالته العظيمة التي برهنت الأيام والأعوام على صحتها وجوهر معدنها الأصيل وبناء على المشهد السياسي الراهن شمالاً وجنوباً وإفرازاته على مدى العقود الأخيرة، أقول: إن اليمن شمالاً وجنوباً في حاجة إلى مصالحة وطنية تاريخية تنقله من حالة الحروب والصراعات الدموية، ومن حالة الكراهية والخوف، ومن حالة الاستقواء، إلى حالة أخرى مغايرة تقوم على التصالح والتسامح، وعلى شراكة وطنية سياسية حقيقية، وعلى المواطنة المتساوية، ومصالحة وطنية تاريخية نعالج من خلالها بكل صراحة وشفافية قضايا الخلاف، مع الاعتراف بالتعدد وبالآخر، مصالحة تاريخية تنقل اليمن شمالاً وجنوباً إلى حياة جديدة. آن الأوان لكي نصنع تاريخًا جديدًا بتحقيق مصالحة تاريخية ووطنية تضع حدًّا للصراعات وحروب ومآسي الماضي الأليم، وتضع اليمن - شمالاً وجنوباً - على عتبة المستقبل، وتخرجه من دائرة الفقر والمرض والتخلف والكراهية والإرهاب إلى دائرة التطور والتنمية والأمن والاستقرار، وبناء الدولة المدنية الحديثة، ونعتقد بـأن ذلك الأمر ممكن التحقيق دون أنْ نقلل من حجم التحديات والصعوبات والعراقيل، لكن نبل الهدف وعظمة المهمة يستدعي المسؤولية بنفس القدر، وهممًا عالية بذات المستوى.. ولا يوجد ما هو مستحيل أمام الشعوب إذا امتلكت القيادة والإرادة الحرة، واتبعتها بالفعل.. والكرة الآن في مرمى النخب السياسية اليمنية في الشمال وفي الجنوب لالتقاط هذه اللحظة التاريخية غير المسبوقة، فهل هي على مستوى وقدر هذه المسؤولية التاريخية الوطنية بامتياز.




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign