المبعوث الاممي يدعو لعدم ربط الحل السياسي في اليمن بقضايا اخرى        تعثر خطة الرد الاسرائيلي على ايران        اعتراف امريكي بريطاني بنجاح الهجمات اليمنية البحرية والجوية        صنعاء ,, انفجار اسطوانة غاز يتسبب باندلاع حريق هائل في سوق شعبي     
    جدل وأصداء /
الدعيس :وتكشُّفت سوءة الزّعامات العربية..!

2011-05-04 13:39:15


 
كتب/د. محمد ناجي الدعيس   ..تأكد للغالب أن ذهنية ما يُسمى بالزّعامات العربية القائمة قد برمجت نفسها وعلّبتها على أساس أنها تحكم للأبد ولا تُحكم فهي من تُعطي المكرمات لمواطنيها من وظيفة وتعددية وديمقراطية بل وحتى الانتماء والولاء ــ جميعها شكلية ــ، وليست حقّاً يكفله الدستور لكل مواطن.. تلك الذهنية أعطت أصحابها الحق في ممارسة الاستبداد والتحكم والإقصاء في أبشع صورها والتي عفى عليها الزمن، شوهت هذه الممارسات أنظمة الحكم وقواها العربية التي تعمل بمنظور تلك الثقافة المتكلسة لعقود.. فما هو الحل أمام تلك السدود المقفلة؟ كان الحل بالدرجة الأولى هو إما أن تقوم بإصلاحات جذرية حقيقية أو أن تتخلي هذه القوى التي تدير الشؤون العربية عن هذه الثقافة المنكفئة وتسلّم بالتداول السلمي للسلطة، إلا أنها مع الأسف تهاب التغيير وترفض كل جديد يخدم شعوبها، وتناست الإيمان بضرورة التغيير طال الزمن أم قصر.. إنّ ابتلاء الشعوب العربية بمثل هذه الذهنية وثقافتها جعلتهم غير فاعلين في محيطهم منذ فترة طويلة، إلا أن القوى الثورية لشباب التغيير العربي الحالية ــ وليست السياسية ــ قد تستطيع أن تسهم بدورٍ مهم في رسم خارطة شبكة ذهنية جديدة للزعامات العربية القادمة تتفق ومطالب المرحلة ومتغيراتها، زعامات قادرة على بلورة مشروع ديمقراطي حضاري حقيقي يستوعب كل الأطياف المجتمعية، ويعترف بالآخر ويُلغي مفهوم الإقصاء من قاموسه، ويعترف ــ أيضاً ــ بحقوق الناس المتساوية بما فيهم الأقليات، ذهنية قائد تواكب مفردات المرحلة من كل زواياها كما يتطلب الأمر لا من زاوية المنفعة الذّاتية.. فمن المعروف أن الأفراد والمجتمعات الناجحة هم الذين استطاعوا أن يسيطروا على ثوانيهم الزمنية، و توظيفها لجودة أداءاتهم وتطوير منتجهم ليس في جزئية يومهم وحسب، بل وعلى مستوى اليوم والأسبوع..الخ، وتكون روعة نجاحهم في الجمع المتوازن بين الانتماء والولاء وبين تطوير الذّات من أجل مهنة ووطن..! ويسمى ذلك مجتمعٌ يدير الوقت.. أما في وطني الحبيب الكبير عموماً واليمني خصوصاً أثبت قادته بأن الوقت هو من يديرهم لعقودٍ مضت.. وفي ذلك سُئِل أحد السلف : من هو الإنسان؟ فقال "هو بضعة أيام كلما انقضى يوم انقضى بعض منه " فإذا كان انشقاق يوم جديد قال " يا ابن آدم أنا فجرٌ جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة " .. فهل يحق لمن يسفك دم الشباب في ساحات الحرية والتغيير بعدن وصنعاء وتعز وأبين..الخ، أن يفاخر بذلك الفعل؟! أم هي عقدة النقص التي يحاول القاتل أن يثبت رجولته وزعامته من خلال القتل من وراء حجاب؟ تلك الأفعال لا تمت بصلة إلا لأنصاف رجال، أي شرعية تتباكى على دَسْع كهل ــ شيبة ــ ولا تحرك ساكناً لازهاق 14 نفس شابة في نفس المكان لا ذنب لها سوى أنها أرادت الحرية لها ولأبناء القتلة، امتدت لها أيادٍ  لم تكن جبانة وخائنة للوطن فحسب، بل وكافرة بكل حقوق المواطنة المتساوية، أيادٍ عاشت بعمى  بصيرة وحب ذاتهم فقط،.. فماذا يؤمل من قادة هم كذلك؟ هل تلك الحياة مقبولة لدى الخاصة من الناس قبل العامة؟  وماذا لو كان آبائنا يعلمون أن بعض أبنائهم  سيوصلون الوضع إلى هذا الحال؟ هل كانوا سيزكون بأرواحهم للثورة أم وأد أبنائهم أولاً؟! وهاهي ثورات شباب التغيير ترفض الإجابة النظرية على تلك الأسئلة لتكشف بالممارسة عن سوءات أولئك القادة بما فيهم المتعلمون أو من كنّا نعدهم القدوة لما يحملوه من معرفة نوعية..   ودعوني أكون أكثر صراحة في القول أن ما يحدث الآن من قمع في الوطن العربي الجديد ضد ثورات تجديدية سلمية هو مثال حيّ على تكاتف قوى ظلامية وبعض من ينسبون أنفسهم إلى القوميين وغيرهم، هم يمارسون اليوم أبشع الوسائل الإرهابية لضرب ركائز هذه الثورات المطالبة بقيام دولة عربية مدنية حديثة، لأن قيام دولة ديمقراطية حقيقية تعني تهديد كيان ووجود هذا الفكر القمعي المتكلس من داخله وتشكل ضربة موجعة أمام بقائه حياً.. وبرغم أن من سمّوا بالقادة هم الآن في إقامة جبرية في قصورهم ــ لا يبرحونها إلا كما يبرح الحارس فناء المنزل إن لم يكن الأخير أفضل حالاً منهم ــ خوفاً وذل من وصول ثورات التغيير إليهم.. برغم أنني اعتقدت ــ لا أعلم إن كان حسن ظن أو سذاجة ــ أن السلطة اليمنية ستتخذ وقاية إستباقية لثورة شباب التغيير تختلف عن تونس ومصر وليبيا.. تراعي المصلحة الوطنية العليا وما قد يتكبده الاقتصاد من خسائر باهظة ــ كما توهتنا بها عقود ــ بحيث تصيغ أنموذجاً فريداً يؤصل الحكمة اليمانية في انتقال السلطة بطريقة سلمية ضمن آلية عملية تترجم من خلالها مدى الحرص على مكونات وطن، وأن الطرف الآخر  يُعد جزء من القضية لا جزء من الحل، والذي استطاع ــ الطرف الآخر ــ توظيف الثورة ليصبح شبحاً يخيف السلطة.. أفٍّ لسلطة خوفها من المعارضة يجعلها تخيّب كل الآمال والتوقعات ليس عندي بل وكل المجتمع محلي وإقليمي ودولي، كان آخرها رفض التوقيع على مبادرة الأشقاء الخليجيين وهم من يقفوا في صف السلطة لا في صف الثوّار كما هو واضح من بنود المبادرة.. جميعنا والعالم يعرف أن المبادرة قدمت لرئيس الجمهورية اليمنية لا لرئيس حزب المؤتمر.. فلماذا يستخف بقايا النظام بعقل ست دول خليجية ويقول لأمين مجلس التعاون الخليجي عبداللطيف الزيّاني حينما جاء إلى اليمن من أجله للتوقيع على المبادرة ويقول أنا سوف أوقع بصفتي رئيساً للمؤتمر ليعود الضيف من حيث أتى بخُفي حُنين؟!.. هل بلغ حب الكرسي إلى هذا الوضع المشين والذي جعله يعتقد أن الذكاء فيه أصلاً وأصل الغباء في كل من حوله؟ً.. ولم يكفي تلك الإساءة لدول الخليج بل يتطاول وبعض أدواته المهترئة الفكر ــ الطّلقاء ــ وما تحمله من ماضٍ مُخزي في الهجوم اللا أخلاقي عبر وسائل الإعلام الرسمية على دولة قطر التي حاولت عن حب إخراج البلد من أزمات سابقة وبناء مشاريع استثمارية لم تجف بعد رطوبة جدرانها.. يجب أن يتحمل القادة نتائج صنيعهم أمام شعوبهم برباطة جأش كما تحمل الشهيد صدام حسين نتيجة قراراته بصرامة منقطعة النظير.. لماذا تظهر لنا السلطة فساد من استقالوا منها الآن وهم بالأمس كانوا في كنفها؟ .. إلى متى سيتمر نزق الخطاب السياسي وجنون حذقه المزعوم يفضح سوءة الممتهن وأخلاقياته داخلياً وخارجياً؟.. بينما الشباب مثّلَ أنموذجاً فاق التوقعات جميعها أكان محلياً أم إقليمياً ودولياً فاستحق الفرادة والسمو، وقد يعود الفضل بعد الله إلى السلطة التي ماطلت وناورت الأمر الذي سمح للشباب تعلّم أشياء كثيرة لم تكن في حسبانهم كالتثقيف والتوعية للنضج السياسي والمناورة والقبول بالآخر والصبر، عرفوا جيداً أن سببا طول الفترة يكمن في عدم وجود دولة مؤسسات يمنية وقوة الفساد المستشري، إطالة الفترة جعلهم أكثر توحداً وسلمية تحت إطار وطني واحد كلمة وعملاً وأن اللجوء للعنف ما هو إلا لغة ضعيف الحُجّة وقليل الحيلة، وتكشف للشباب أشياء معيبة ومهينة عن السلطة لم تكن معروفة، كل ذلك جعلهم أكثر إصراراً للصمود السلمي مهما طال زمن ثورتهم حتى يتحقق مطلبهم لأنهم قد نذروا أنفسهم لإنقاذ وطن.. أحد الشباب قال ذكّره المشهد المتكرر في كل جمعة بميدان السبعين بقصة هامان مع فرعون حينما غضب الثاني من الأول فأمر حاجبه بمنع هامان من الدخول عليه، وعند ما جاء هامان يريد لقاء فرعون، منعه الحاجب بحجة أن فرعون يَخْلُق الإبل فأزاح هامان يدي الحاجب ودخل وباشر فرعون بسؤاله: لماذا أمرت الحاجب بمنعي من الدخول؟ فقال له فرعون كنت مشغولاً بخلق الإبل فقال له: على هامان يا فرعون؟! نحن نقول ذلك للقوم فقط، فأنت تعلم بأنك لا تستطيع خلق ذبابة.. طبعاً مع الفارق الزمني والمكاني..! ألا يوجد من النُّخب القليلة المتبقية بهاماتها العملاقة ــ أو نحسبها كذلك ــ أن تنصح الرجل أم أنها قصدت تركه ليغرق أكثر؟.. فلا يكون ماثلاً في المشهدين إلا غواية إبليس، ويقول الحق في ذلك مخاطباً إبليس " لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين " ويقول لداود عليه السلام وهي بالطبع لكل حاكم ".. فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذابٌ شديد بما نسوا يوم الحساب ".. وأي مخلوق يستطيع تقديم ضمانات للخروج الآمن مما نصّت عليه الآيتين ؟!.. إن فقدان قادة النظم السياسية للنزاهة ومتانة منظومته القيمية الموجبة وتبصره لمفاهيم الخطأ والصواب والخير والشر والعدالة والظلم والرذيلة والفضيلة، وعجزهم النأي عن كل عمل دنيء..  جعل الثورة أكثر إصراراً ومضياً نحو تحقيق أهدافها.. وبناء دولة بسلّة واحدة تصب فيها كل المعونات الدولية ومساعداتها لا سلّة فئة..   أختتم هذا بقراءة للأحداث القائمة في الوطن العربي لنزار قباني يرحمه الله الذي قرأ ذهنية الزعيم العربي منذ فترة مبكرة.. بقصيدته المشهورة بعنوان: لن اعتزل السلطة  " كلما فكرت أن أعتزل السلطةَ.. ينهاني ضميري.. من ترى يحكم بعدي هؤلاء الطيبين؟ من سيشفي بعدي الأعرج.. والأبرص.. والأعمى.. ومن يحيي عظام الميتين؟ ..من ترى يخرج من معطفه ضوء القمرْ؟.. من ترى يرسل للناس المطرْ؟.. من ترى يجلدهم تسعين جلدةْ؟.. من ترى يصلبهم فوق الشجرْ؟.. من ترى يرغمهم.. أن يعيشوا كالبقر؟.. ويموتوا كالبقر؟.. كلما فكرت أن أتركهم.. فاضت دموعي كغمـامة.. وتوكلت على الله.. وقررت أن أركب الشعب.. من الآن إلى يوم القيامة " ويوم القيامة هنا هي وفاة الزعيم... وعلى ذكر البقر شاهدت ذات مرة في إحدى القنوات قطيعاً من الأبقار يطارده ثلاثة أسود فاستطاع الأسود أن يستفردوا بواحد من الثيران وهاجموه وبقية القطيع يتفرج على المشهد وحين طرح الأسود فريستهم أرضاً خار الثور باستغاثة الأمر الذي جعل ثورين ينزلان من القطيع ويهاجمان الأسود فيرفع كل مهاجم بين قرنيه أسداً يزن 250 كجم ويلقيه أرضاً حتى هرب الأسود الثلاثة، ولو لم أشاهد بنفسي لما صدقت ذلك.." للتأمل فقط " .. اللهم لا شماتة..




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign