الزبيدي يهدد بطرد العليمي من عدن        صنعاء تدشن العام العاشر باوسع هجوم بجري وجوي ضد اهداف امريكية واسرائيلية       صنعاء تدشن العام العاشر باوسع هجوم بجري وجوي ضد اهداف امريكية واسرائيلية       صنعاء تدشن العام العاشر باوسع هجوم بجري وجوي ضد اهداف امريكية واسرائيلية     
    جدل وأصداء /
د.ناصر:الأزمة السياسية اليمنية ومفاعيل الثورة التونسية..قراءة مقارنة في الأسباب والآثار والتداعيات المحتملة

2011-01-26 14:22:05


 
كتب/د.ناصر محمد ناصر   ما يميز الثورة التونسية عن غيرها هو أنها بدأت باحتجاج شعبي، ثم تطورت بوتيرة متسارعة إلى أن تمكنت في ظرف 27 يوماً من الإطاحة برأس النظام، ولم تقف عند هذا الحد بل إن زحفها مستمر على ما بقي من بقايا النظام. فيا ترى ما هي نقاط الضعف في النظام السياسي التونسي الذي جعلته يتهاوى كهرم ثلجي في يوم قائض؟ وما هي أوجه الشبه والاختلاف بينه وبين النظام السياسي اليمني؟ وهل ما حدث في تونس قابل للتكرار في اليمن؟ للإجابة على هذه الأسئلة دعونا نحاول إجراء قراءة مقارنة للتجربتين من خلال المحاور التالية:   1- التعليم والوضع المعيشي: يبلغ عدد سكان تونس 10.5 ملايين نسمة يتوزعون على مساحة 162 ألف كم2،  فسكانها أقل من نصف سكان اليمن، ومساحتها تعادل نحو 30% من مساحة اليمن، إلا أن من الملاحظ أن معدل دخل الفرد فيها يساوي 4600 دولار سنوياً، وأن نسبة الواقعين تحت خط الفقر فيها لا تتجاوز 02.8%، مقارنة بمعدل دخل الفرد في اليمن الذي لا يتجاوز 1.171 دولاراً، و 17% معدل من يعيشون تحت خط الفقر. كما أن التعليم في تونس إلزامي إلى سن 16 عاماً، وبها 13 جامعة و179 معهداً منها 24 معهداً للدراسات التكنولوجية، ويصل الإنفاق على التعليم إلى 21% من حجم الموازنة العامة للدولة البالغة 13.7 مليار دولار، وما تضخه الجامعات التونسية وحدها إلى سوق العمل سنوياً يصل إلى 60 ألف خريج. وهذا خلاف ما هو عليه الحال في اليمن، فرغم أن عدد الجامعات في اليمن يفوق عدد الجامعات التونسية، إلا أن هدر الموارد البشرية في اليمن لا مثيل له على مستوى المنطقة برمتها، فمن بين خمسة ملايين طالب وطالبة هم عدد طلاب مرحلتي التعليم الأساسي والثانوي، لا يصل منهم إلى الجامعة سوى 240 ألف طالب وطالبة، ولا يتخرج من هؤلاء سوى 26.5 ألف، منهم 3700 من الجامعات الخاصة. وهذا هو بيت القصيد فيما سبق كله، فالمعادلة التي أطاحت بالنظام التونسي هي الوعي + البطالة+ الفساد، بينما المعادلة التي تبقي على ركود الحالة اليمنية هي الأمية + البطالة+ الفساد، وفي هذا فرق مفصلي لا لبس فيه، فخريج الجامعة لا يسهل عليه أبداً أن يقبل بعمل يدوي لا يتناسب مع مؤهله، وسيظل في حالة حرب مع النظام إلى أن يصل إلى مبتغاه، بينما خريج الثانوية العامة قد لا يجد صعوبة في القيام بأي عمل، ويبدو أن المسألة مدركة بالنسبة للنظام السياسي اليمني الذي خرب التعليم الجامعي، والذي أقفل محبس الدفع التعليمي منذ نهاية حرب عام 1994م، فمعدل القبول في الجامعات اليمنية لا يقل عن 70%، بينما كلية التربية البدنية في اليابان تقبل معدل 55%، المسألة هنا لا علاقة لها بالطاقة الاستيعابية في الجامعات اليمنية، التي يمكن مضاعفتها وبالموارد المهدرة من قبل رؤساء وإدارة تلك الجامعات، المسألة هنا مدروسة ولها بعد سياسي يتمثل في إدراك النظام لخطورة استمرار حقن سوق العمل سنوياً بطوفان من خريجي الجامعات المتسلحين بالوعي، فقرر إقفال هذا الرافد وهذا التيار الدافع والخطير وتجفيفه عند مصبه ومنابعه.   2- المؤسسة العسكرية: إذا نظرنا إلى المؤسسة العسكرية التونسية عبر التاريخ الحديث للجمهورية التونسية منذ الاستقلال إلى اليوم، سنجد أن تلك المؤسسة كانت بمنأى عن السياسية، فتونس لم تشهد منذ استقلالها سوى رئيسين اثنين الأول قادها منذ الاستقلال وهو الحبيب بورقيبة، والثاني هو زين العابدين بن علي الذي أطاح بسلفه في عام87م، بقوات الأمن حيث كان بن علي وقتها وزيراً للداخلية. فلم يشترك الجيش التونسي في أي تغيير، ولم يكن له ضلع ولا رأي في الحياة السياسية بشكل عام، وصحيح أن النظام التونسي الذي أطاحت به الثورة، كان نظاماً شبه أُسريٍ، إلا أن نفوذ الأسرة الحاكمة تمدد في ميدان الاقتصاد، وظل محصوراً في الحرس الرئاسي، وقوات الأمن، ولم يمتد أبداً إلى الجيش، فظل الجيش بذلك مؤسسة وطنية مستقلة. وبالتالي فلا وجه للمقارنة بين تونس وبين اليمن في هذا الميدان، فكل التغييرات التي حدثت في اليمن منذ عام 1948م كانت بفعل الجيش، ولولا المؤسسة العسكرية لما رأينا انقلابات عسكرية في اليمن، ولما رأينا ثورة من حيث الأساس، وربما بقيت أسرة بيت حميد الدين تحكم اليمن إلى اليوم. كما أن استقلالية المؤسسة العسكرية عندنا بات في ذمة التاريخ منذ عام 78م، فهذه المؤسسة تم اختطافها من قبل الأسرة الحاكمة، وأصبحت مجرد أداة لحماية حكم ونفوذ ومصالح الأسرة، ولم يعد لها لا من قريب ولا من بعيد أي دور وطني يذكر، أو أي إرادة خارج إرادة الأسرة. والمحصلة مما سبق هو أن حركة الجماهير لم تصطدم بقوة ونفوذ الجيش في تونس فسارت إلى أبعد مدى ممكن لها وهو الإطاحة برأس النظام والإتيان على بقية أركانه، ولو أن المؤسسة العسكرية تدخلت لأجهضت الثورة، وهذه نقطة حاسمة في نجاح الثورة التونسية، ولا يعني إجهاضها نهاية المشكلة بالنسبة للنظام الحاكم هناك، وإنما كان بوسع عملية الإجهاض أن تؤجل التغيير، وأن تعطي بن علي فسحة ومتسعاً من الوقت لقيادة التغيير، والانسحاب والخروج من السلطة بكرامة. وبما أن الشعب اليمني لا يملك هذه الميزة فالمؤسسة العسكرية اليمنية هي عبارة عن هراوة غليظة في يد الأسرة الحاكمة وفي مواجهة الشعب، ومن ثم فإن ما حدث في تونس، في هذه النقطة بالذات وعلى وجه التحديد، أمر غير قابل للتكرار في اليمن. فالحالة اليمنية أكثر تعقيداً، وعلى اليمنيين ألا يتوقعوا من مؤسستهم العسكرية المستلبة إلا كل ما هو سيء.   3-  الثقافة السياسية والمؤسسة الحزبية: يعتبر الهرم الاجتماعي التونسي من أفضل وأصح ما هو موجود في العالم العربي، فسكان تونس كلهم تقريباً من المسلمين السنة، ولا توجد بينهم تباينات مناطقية، وقد خضع هذا الهرم لعملية تحديث عميقة وناجزة في عهد الحبيب بورقيبة لا تقل أهمية وتأثيراً عن تلك التي قادها مصطفى كمال أتاتورك صانع تركيا الحديثة، وبالتالي لم تعد هناك اليوم في تونس حركة أصولية قوية تمزق المجتمع بين قطبي التحديث والعودة إلى الموروث الديني، حتى زعيم حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي عندما سئُل عقب الإطاحة ببن علي عما يريد، ديمقراطية أم شريعة، رد بأن الشريعة ستعطي الديمقراطية أساساً دينياً، ولن تكون بديلاً عنها، فالكل تقريباً هناك مجمع على الدولة المدنية، وهذه نقطة حاسمة إذ لا يمكن أن تحدث نقلة نوعية نحو الدولة المدنية في أي مجتمع دون حل هذا التعارض، فالتناقض الجوهري ليس بين الأنظمة الدكتاتورية والدولة المدنية كما يظهر على السطح اليوم في اليمن وفي العالم العربي ككل، وإنما بين الدولة المدنية وقوى الموروث الديني. وهذا يعني أننا في اليمن على وجه التحديد ما زلنا قبل مرحلة الولوج إلى المشكلة، فالمؤشرات الثقافية عندنا ترجح أن يعقب الدكتاتورية العسكرية دكتاتورية دينية، فأقوى حزب معارض عندنا لا يستطيع التفريق بين العمل السياسي والعمل الدعوي، ولا ندري هل هو حزب سياسي أم جمعية دعوية. أما فيما يتعلق بالبنية الحزبية فمن الواضح أن الشعب التونسي الذي صنع التغيير لم يكن مؤطراً في مؤسسة حزبية معارضة، فاندفع تلقائياً ولم تكن هناك معارضة ترسم له حدود حركته، والنقطة التي يجب عليه أن يتوقف عندها، فأخذ الاندفاع مداه إلى أن أتى على النظام برمته، وهذا غير متوفر في اليمن فالمؤسسة الحزبية المعارضة عندنا وأحزاب اللقاء المشترك على وجه التحديد باتت تشكل قيداً غليظاً أمام حركة الشريحة الأكثر وعياً في المجتمع اليمني، فقد شاركت في انتخابات عام 2003م، وشاركت انتخابات عام 2006م، ولم تلتفت لحركة المجتمع اليمني لا في صعدة، ولا في المحافظات الشمالية التي انتفضت في صيف عام 2005م، ولا في المحافظات الجنوبية، بل سارت في ركب النظام وخلقت له استقراراً اجتماعياً وسياسياً زائفاً عبر الشرعية الصورية التي قامت بإضفائها عليه في مراحل مختلفة، غير عابئة بمعاناة الجماهير المعدمة والمقهورة، وإن كانت في الشهور القليلة الماضية قد اتخذت بعض الخطوات الايجابية، إلا أنها لا تزال إلى اليوم تسير في مؤخرة الركب. ولا ندري متى ستتحرك ولا أين يمكن أن تحط بها الرحال في المرحلة القادمة.   والمحصلة هي أن الثورة التونسية قد رفدت قوى التغيير في اليمن، فالنظام الذي اندفع عقب الانتخابات المصرية في مسار التجاهل المطلق للمعارضة، أُسقط في يده وعاد اليوم إلى مربع المعارضة يتوسل مشاركتها، ومن الواضح اليوم أن النظام بات يتحسس الأرض تحت أقدامه خشية أن تميد به، خصوصاً بعد أن قررت دول الاتحاد الأوروبي بصفة مبدئية تجميد أرصدة الرئيس التونسي المخلوع وبقية أفراد أسرته، وهو الأمر الذي شكل فجيعة غير مسبوقة لأقطاب الأسرة الحاكمة في صنعاء، والمنتفعين من حولها، فما جمعوه ونهبوه طوال عقود قد يذهب سدىً في صباح يوم عاصف. لكن هذا لا يعني أن التغيير عندنا سيكون بسهولة وسلاسة التغيير في تونس، فنحن في اليمن أمام معادلة غاية في الصعوبة، فالنظام القائم الذي لم يعد بقاؤه اليوم ممكنا، لا يزال مسلحاً بتدني وعي الأغلبية، ولا يزال مسلحاًً بالجيش والأمن، وبمخاوف الانفصال في الجنوب، وبالمذهبية في الشمال، كما أن التغيير الناجز هو من الصعوبة بمكان، ولا تتوفر لا مؤشراته الاجتماعية ولا الثقافية، وهو ما يضع قوى المعارضة والشعب اليمني ككل أمام تحدٍ كبير وغير مسبوق، وأمام مسؤولية تاريخية. فما هو على المحك اليوم ليس بقاء النظام وحده وإنما بقاء اليمن نفسها، فالطعنات التي تسددها القوى الانفصالية والمذهبية ليست في ظهر النظام وإنما في ظهر اليمن، وفي ظهر حركته الوطنية التي لا تزال جنينية. فالتغيير بات اليوم ممكناً، ولكن بأي ثمن وبأي تكلفة؟ هذا هو السؤال الذي لا ينبغي أن نخطئ في الإجابة عليه أبداً.     Dr.Naserf3 @Yahoo.com  




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign