امريكا تقر بصعوبة المعركة في خليج عدن ,, وتتحدث عن اشتباك بحري واسع        انسحاب مذل لحاملة الطائرات الامريكية " ايزنهاور من البحر الأحمر        صنعاء تشن عمليات هجومية ضد سقناً امريكية واسرائيلية في خليح عدن والمحيط الهندي        صنعاء تنهي الجدل الدائر حول شحنات المبيدات الزراعية      
    جدل وأصداء /
تعقيب على قراءة د. ناصر للمناهج التعليمية

2010-09-29 15:40:57


 
كتب/ابراهيم ناجي الصايدي   رغم التأكيد والموافقة الكاملة على ما طرحه الدكتور ناصر حول دور المؤسسة التعليمية في صناعة المستقبل إلا أنني أستأذن الدكتور والقارئ الكريم في التعقيب على بعض النقاط الواردة ضمن كلام الدكتور. 1- يلاحظ استغراب الدكتور مما ورد من أفعال يقوم بها عمر من (تسكع) و(تنصت)  - بحسب وصفه - لتفقد أحوال الناس وقراءته لها بأنها أفعال استثنائية في (دولة جبائية) وتأكيده على أن الحكام قبله وبعده حتى (مطلع العصر الحديث) لم يكونوا يشعرون بأن عليهم واجبا تجاه الناس وأن وظيفة الدولة في تلك العصور كانت مقصورة على جباية الضرائب وحفظ الأمن. والذي يبدو واضحا في طرح الدكتور تأثره الواضح بالنظرة الغربية والقراءة الدونية للتراث الإسلامي السياسي وهو ما يظهر في توصيفه لدور الحكام والدولة في العصر القديم. رغم أنه من المعروف أن فترة حكم النبي (ص) والخلفاء الراشدين من بعده كانت أروع ما جاء في التأريخ من العدل والمساواة والقيم الإنسانية الحضارية وأنها لم تكن استثناء أبدا بل كانت هي الأصل، وما أرجحه أن هذا الطرح من قبل الدكتور هو عبارة عن قراءة علمانية لتراثنا لا ترى أن الرسول مارس دور الحاكم وأن الإسلام بوصفه دينا سياسيا قد أسس لأرقى نظم الحكم على الإطلاق، ولتوضيح الصورة أكثر لمن هم على مثل رأي الدكتور نقول: أ . توفي الرسول (ص) بعدما وضع الأسس الكاملة لقواعد الحكم والنظام السياسي الإسلامي القائم على سيادة الشرع وإعطاء السلطان للأمة في ظل خليفة واحد لجميع المسلمين له وحده حق تبني الأحكام بوصفه نائبا عن الأمة في تطبيق الشرع. ولا عبرة أبدا بما ورد في تأريخ المسلمين من إساءة لتطبيق الشرع لأن التأريخ ليس مصدرا من مصادر التشريع، ولأن نظام الحكم الإسلامي ليس نظام بني أمية أو بني العباس أو العثمانيين وإنما هو ما جاء في ما أرساه النبي وما ورد في الكتاب والسنة وإجماع الصحابة والقياس. ب . لم تكن الدولة الإسلامية - أبدا - في فترة حكم النبي والخلفاء الراشدين دولة جبائية، بل على العكس من ذلك كان واضحا دورها في إزالة أي ظلم اقتصادي وعملها على إشباع حاجات الناس الضرورية، وأقرب مثال على ذلك ما ورد في قصة عمر وتوزيعه للأموال القادمة من بلاد فارس على الجميع، وما قرره عمر ومن قبله أبو بكر من إعطاء رواتب للرعية حتى وصل الأمر بعمر لوضعه راتبا لمن بلغ الفطام من الأطفال ثم تعديله هذا القانون بقانون آخر يعطي حقا حتى لمن لم يبلغ سن الفطام من الأطفال، كما فرض راتبا أيضا لكبار السن والعجزة من الذميين، فهل يكون هكذا الخال في الدولة الجبائية. ت . يؤكد الدكتور أن الدولة الإسلامية لم تكن - حسب التفكير والوعي والثقافة الحديثة - دولة مدنية. وللرد على ذلك باختصار نحاول أن نرى هل تنطبق معايير الدولة المدنية على الدولة الإسلامية أم لا؟ فمن صفات الدولة المدنية الحديثة أنها دولة مرجعيتها القانون أما الدولة القديمة (وأنا هنا أتمشى في بحثي مع وصف قديمة وحديثة رغم عدم اقتناعي بدقته) مرجعيتها الحاكم بمعنى أن تتحول الدولة في وظيفتها إلى مؤسسة من المؤسسات وأن تنفصل في سلطتها عن شخص الحاكم واكتسابها للطابع القانوني وليس الشخصي. وهنا نسأل: هل كان للرسول (ص) بوصفه حاكما أو لخلفائه الراشدين من بعده أي مميزات تجعلهم فوق القانون وتعطيهم القداسة والعصمة، وهل كان سلطان الدولة مرتبطا ولو بحال من الأحوال بأشخاصهم، أم أنهم كانوا متساوين مع رعيتهم في جميع الحقوق والواجبات، وهل كان سلطان الدولة مرتبطا بالقانون المستند إلى قناعات الأمة أم بشخص الحاكم. ألم يقل أبو بكر في أول خطاب له (وليت عليكم ولست بخيركم... أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم)، ألم يقل أحد رعية عمر له عندما قال: (أيها الناس أسمعوا وأطيعوا): (والله لا نسمع ولا نطيع) بعدما ظن أن هناك مخالفة في توزيع الأموال من قبل عمر. إن الواضح من هذا الكلام أن السلطة كانت للقانون الذي هو شرع الله وأن الحاكم لا سلطة له ما لم يطبق هذا القانون. ومن صفاتها أنها دولة مؤسسات وليست دولة قبيلة أو حزب واحد، دولة دستور وليست دولة أشخاص، دولة موضوعية قانونية وليست دولة ولاء شخصي، والدستور هنا ليس بوصفه نصا مكتوبا وإنما بوصفه قانونا أساسيا وعرفا عاما للدولة يسلم له جميع أفراد المجتمع ، وأظن أن هذا كله يتجلى أوضح ما يكون في عهد الرسول والخلفاء الراشدين حيث لم يكن للقرابة أي ميزة ولم تكن تعطى المسؤولية إلا لمن كان من أهل الكفاءة، وقد حاول الإسلام إبعاد أي شبهة توحي بعكس ذلك وما موقف عمر في رفضه لإدخال ابنه ضمن من زكاهم ورشحهم للخلافة إلا أحد الأمثلة على ذلك. ومن صفاتها أخيرا أنه سيود فيها مبدأ تساوي المواطنين، وهنا أتمنى على الدكتور أن يأتيني ولو بمثال واحد للمواطنة المتساوية كما كانت عند المسلمين. لقد قام عمر بن الخطاب بمعاقبة ابن أعظم ولاة الدولة وهو عمرو بن العاص لاعتدائه على أحد الرعية غير المسلمين. 2- إن الخلل في أداء المؤسسة التعليمية يتجلى في عدد من الجوانب المنهجية والتربوية فهناك على سبيل المثال أخطاء ترد في المعلومات المعطاة سواء في الـتأريخ والتربية الوطنية أو حتى التربية الإسلامية، وهناك الأخطاء في البناء التربوي والتوعوي لشخصيات الطلاب، ليس بالاستدعاء نفسه كما ذكر الدكتور وإنما بالسياق الذي تستدعى فيه. كما أن ما تقوم به المؤسسة التعليمية ليس عملا فرديا منعزلا وإنما يتم ضمن منظومة كاملة تسعى لتكريس هذه الثقافة في المجتمع بالقول والفعل مثل الجمعيات الخيرية وأئمة المساجد وحتى بعض الأحزاب السياسية المعارضة، وإصلاح هذا لن يكون عملا فرديا أو حتى حزبيا وإنما بأن تتبناه الدولة ضمن رؤية واضحة وسعي مخلص لبناء وعي الأمة تجاه هذه المواضيع التي لن ترتقي أممنا إلا بإصلاحها. 3- إن هذا الحديث عن ضرورة قيام المؤسسة التعليمية بدورها لن يكون إلا في وجود رؤية واضحة وصمن نظام تعليمي متكامل، وما ذكره الدكتور من أن يكون الاستدعاء من التراث لصالح ما يصب في هذا كلام صحيح، وهذا ليس بنوعية ما يستدعى وإنما بالسياق الذي تستدعى فيه. فقصة عمر التي استشهد بها الدكتور مثلا يصلح تماما استدعائها ليس في سياق مكرس لفكرة الطاعة العمياء والمهدية والقدرية وأمثالها وإنما في يساق يوضح مدى التزام الحاكم بواجباته تجاه الناس. وكم نحن بحاجة شديدة للإقتداء بهذه المرأة الواردة في القصة التي هضمت واستوعبت واجبات الحاكم وحق الناس عليه وقالت عن عمر (أيتولى أمورنا وينام عنا). وهناك الكثير من النصوص والمواقف في تراثنا التي تؤسس لفكرة العدل والمساواة ومحاسبة الحاكم. 4- من أهم ما ورد في كلام الدكتور حديثه عن النهضة الفكرية وضرورة وجوده، وهو ما نشدد عليه كون النهضة الفكرية والارتقاء بوعي الأمة ومفاهيمها وطريقة تفكيرها هو الضمان الأكيد للوصول إلى نهضة حقيقية في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والعلمية والعسكرية وأي تقدم في هذه المجالات دون الاستناد إلى نهضة فكرية حقيقية فإن مصيرها إلى الزوال لا محالة.




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign