إعلان بريطاني عن تعرض سفينة لمطاردة قبالة المهرة       أمبري البريطانية تعترف بفشل التحالف الامريكي في حماية الملاحة الاسرائيلية       امريكا تقر بصعوبة المعركة في خليج عدن ,, وتتحدث عن اشتباك بحري واسع        انسحاب مذل لحاملة الطائرات الامريكية " ايزنهاور من البحر الأحمر      
    جدل وأصداء /
الاكتشاف اليمني للأكسجين!

2010-08-04 09:22:16


 
 كتب/د.مصطفى يحيى بهران في الفتره من 11 إلى 13 اكتوبر، على مدى الأعوام 1998-2006 نظمت مؤسسة البحث العلمي اليمنية أهم و أنجح و أكبر مؤتمر علمي سنوي في اليمن وربما في المنطقه كلها، بمشاركة مئات العلماء من كل قارات العالم بإستثناء أمريكا اللاتينية واستراليا، حيث إنعقد المؤتمر كل عام في مدينة من المدن اليمنية الرئيسة إحتفالاً بمدن اليمن وإنعاشاً للحركة العلمية المحلية فيها، وفي مدينة سيئون العريقة كان المتحدث الرئيسي في أول أيام مؤتمر العلوم 2003 الصديق والمعلم الدكتور عبد الكريم الإرياني بصفته علمي الهوية والتفكير وليس بصفته السياسية، ففي ذلك الصباح الحضرموتي الجميل إستمع أكثر من 700 عالم وعالمة من أكثر من 30 بلداَ إلى محاضرة فريدة للدكتور الإرياني فاقت التوقعات، وتعلم أغلب المشاركون يومها لأول مره قصة الإكتشاف اليمني للأكسجين من قبل أبو محمد الحسن إبن احمد الهمداني (893م-976م). يعرف معظم اليمنيين الهمداني كمؤرخ وجغرافي وذلك ربما بسبب كتابيه المشهورين "صفه جزيرة العرب" و"الإكليل" والبعض يعرف الهمداني كرجل فلك وهذا صحيح، ولكنني اليوم أود أن أعيد تقديم هذا الرمز اليمني العظيم ليس فقط كعالم طبيعي بل كأول عالم تجريبي إكتشف الأكسجين قبل حوالي 800 سنه من الفرنسي أنتوني لفوازيه في العام 1775م، وقبل كل من السويدي كارل ويليم شيل 1772م والإنجليزي جوزيف برست لي 1774م. أعيد تقديم الهمداني في إطار الحديث عن أهمية العلوم في نظام التعليم اليمني تلك الأهمية التي يجدها المراقبون غائبة عن بلادنا اليوم. يتحدث الهمداني في الجزء الثامن من إكليله المشهور عن اعتراضه على رواية أن رجلين دخلا مغارةً وأمضيا فيها وقتاً طويلاً وهما يحملان شمعة يستضيئان بها لرؤية الطريق المتعرجة العميقة، وبيّن الهمداني أن هذا الحديث فيه زيادة غير منطقية "لأنهم ذكروا المسلك في المغارة، ثم دخولهم منها إلى هوة، وأبيات، فقَّل بها النسيم، ويعجز بها التنفس، ويموت فيها السراج، ومن طباع النَّفس وطباع السراج أن يحيا ما اتصل بالنسيم، فإذا ما انقطع في مثل هذه المغارات العميقة، والخروق (الشقوق) المستطيلة لا يثبت فيها روح ولا سراج"، ولم يقف الهمداني عند اعتراضه هذا بل توسع في إثبات رأيه مدللاً عليه بحادثة دخول "جماعة  بالمصابيح والشمع خرق قلعة ضهر، وهو مستطيل جداً، وكان احدهم اميراً يعفرياً يطلب ما في الخرق من ضنين (مال يضن، أي يبخل، به الرجل عن إخراجه ويحرص عليه)، فلما تغلغلوا حُصرت السرج في موضع انقطاع النسيم ثم طفئت، وأخذ حامله بالكظم (ضيق التنفس)، فعادوا على أعقابهم معتقدين أن الجن أطفأت السرج (جمع سراج)، والأمر ليس كذلك، ولعل هذا الخرق لاشيئ فيه، وإذا بلغت السرج موضع انقطاع النسيم انطفاء السرج" (الكلام بين مزدوجين للهمداني مع بعض التصرف والتوضيح مني لمصلحة القارئ).   لقد إستخدم الهمداني المفردة العربية "نسيم" وهي الكلمه العربية الصحيحة لوصف الأكسجين لأن الجذر اللغوي لها (الماده اللغويه) "نَسَمَ" تعني هبّ، وتنسمَ تعني تنفسَ، والإسم نسيم في رأيي يتفوق على الإسم أكسجين لأن الأخير مشتق من اليونانية بمعنى "صانع الأحماض" في حين أن الأول مشتق من معنى التنفس، ويؤكد الهمداني بوضوح أهمية النسيم للإشتعال من خلال تجربة عملية كما يلي: "أنك لو أخذت سراجاً وملأته زيتاً صافياً أو سليطاً وصيَّرت فيه ذبالة جديدة، وألقيته على ظهر مستوى السطح، ثم قلبت على السراج مكباً لا خلل فيه، وطينت على ما يتخلل من النسيم من بين خروقها ووجه السطح لمات السراج مكباً إذ انقطع عنه النسيم" (الكلام بين مزدوجين للهمداني).   إن ما قام به الهمداني من تجربة عملية لإثبات الأرتباط الشرطي بين النسيم والإحتراق يجعل منه أول عالم تجريبي عرفته هذه البسيطة، صحيح أن تاريخ العلوم لا يشير إلى هذه الحقيقة و لكن اللوم يقع علينا نحن اليمنيين لأننا لم ننقل للعالم قصة الهمداني هذه ورياداته العلمية المتعددة، فالهمداني مثلا هو أحد علماء العرب والمسلمين الذين أكدوا كروية الأرض بشكل قاطع وبحيثيات منطقية، في حين كانت عند الإغريق مجرد أفكار فلسفية، وجاء هذا التـأكيد العربي الإسلامي قبل القناعة المطلقة للغرب بكروية الارض من خلال رحلات فيرناند مجيلان حول الأرض (1519م-1521م) بمئات السنين. يقول الهمداني في كتابه "الجوهرتين العتيقتين": "إن الله قد خلق الفلك كرياً محدرجاً وجعل الأرض في وسطه كرية محدرجة"، وهذا القول رغم قصوره فيما يتعلق بالفلك ووسطية الأرض (الفلك لا حدود له ولا شكل له وبالتالي لا مركز له، أي أن الأرض لا تتوسطه) كان متقدماً على الجميع في وصفه للأرض بأنها "محدرجة"، والحدرجة لغةً هي الفتل، وهي القابلية للدحرجة بحسب الزبيدي صاحب "تاج العروس"، أي انها بيضاوية، أي ليست كروية تماماً، وهذا أصح من القول بأنها كروية وسبق نيوتن بمئات السنين، كما أن الهمداني أول من تحدث عن جاذبية الأرض فهو يقول عن الأرض في نفس الكتاب: "فمن كان تحتها فهو في الثبات في قامته كمن فوقها، ومسقطه وقدمه إلى سطحها الأسفل كمسقطه إلى سطحها الأعلى، وكثبات قدمه عليه، فهي بمنزلة حجر المغناطيس الذي تجذب قواه الحديد"، والهمداني بهذا سبق جاليليو جاليلي الذي لم يكتشف جاذبية الأرض إلا في نهاية القرن السادس عشر وبداية السابع عشر. إن من غرائب الأمور وعجائبها أنني كيمني وكعالم فيزيائي تجريبي لم أكن أعلم بقصة إكتشاف الهمداني للأكسجين إلى أن إستمعت إلى الدكتور الإرياني في ذلك الصباح السيؤني المبارك من العام 2003، برغم من كل سنوات دراستي العليا وأبحاثي العلمية قبل الدكتوراه وبعدها، وبرغم دراستي الأساسية والثانوية والجامعية في بلدي اليمن حيث لم تتطرق مناهجها لذلك، وبرغم شغفي بالقراءة إلا أنني لم اقرأ كتب الهمداني المتاحة كاملة، وبرغم إطّلاعي على الصحافة المسموعة والمرئية والمقروءة والمكتوبة داخل اليمن وخارجها لم أسمع بالهمداني كعالم، ولا أعتقد أن الأمر قد تغير منذ 2003 لأنني منذ ذلك الحين تعمدت أن أسأل عدداً كبيراً من تلاميذ جامعة صنعاء حول هذا الموضوع فوجدت أن الغالبية العظمى منهم لا تعرف قصة إكتشاف الهمداني للأكسجين بالرغم من وجود بعض الكتابات عن ذلك في الأنترنت مثل ما نقلته بعض المواقع عن محاضرة للأخ الدكتور أحمد الأصبحي في مركز منارات في ابريل 2008م، وما ندر من مقالات الصحف. إكتشف الهمداني الأكسجين قبل حوالي 800 سنة، ولم يكف كل الوقت منذ ذلك الحين حتى تصل قصة إكتشافه إلى مناهجنا وبالتالي إلى عقول شبابنا وشاباتنا كحافز لهم ليصبحو يوماً ما همدانيو عصرهم، حتى سلسلة مؤتمر العلوم ذاتها التي إعتبرها العلماء اليمنيون منارة للتغيير العلمي قُتلت بعد العام 2006 لأن الحكومة أوقفت دعمها المالي المحدود آنذاك، ومؤسسة البحث العلمي هي الآن مؤسسة ميتة عملياً، ولم يأت من يملئ الفراغ الذي تركته فما بالك بمن يقدم أفضل مما كانت المؤسسة تقدمه من خدمة للعلم والعلماء في الجمهورية اليمنية، بل إن هناك مؤسسات علمية أخرى إما قيد الإهمال أو قيد التدمير أو الاستعاضة الآن. إن هذا الوضع يوضح بجلاء كيف أن اليمن المعاصر مهمل للعلم غير مكترث به، وكيف أن مناهج مدارسنا فقيرة علمياً، فيا ترى كم من قصص الخرافة والجن تملأ هذه المناهج وتملأ عقول أطفالنا وشبابنا في حين تغيب قصة الاكتشاف اليمني للأكسجين. لقد علمنا الهمداني أن الجهل هو البيئة المثلى للخرافة في حين أن العلم هو المزيل الوحيد لهذه الخرافة، ولكن الواضح أن حكومتنا إما جاهلة بذلك أو غير مكترثة، ولا شأن لها بهمدانيي الأمس ولا تريد همدانيي اليوم، وفي الحالتين يكون بقاء نظامنا التعليمي على ما هو عليه بدون إحداث ثورة علمية تكنولوجية معاصرة فيه، يكون ذلك علامةً فارقةً ربما تدل على مستقبل مظلم وهلاك محتوم. يرفع فخامة الرئيس شعاراً عظيماً هو "أن العلم والمعرفة هما عمادا المستقبل"، ولكن تطبيق هذا الشعار هو مسئولية الحكومات المتعاقبة، لا شك أن تقدماً كبيراً قد حدث في نظام التعليم منذ قيام الثورة اليمنية المباركة، لكنه توقف! ثم تراجع في النوعية التي كانت في الأصل متواضعة، مركزاً على الكمية الشكلية العددية المفرغة من المحتوى العلمي، التي تفرّخ سنوياً آلاف أنصاف الأميين من حملة الشهادات، وترميهم بلا رحمة إلى سوق العمل بلا أمل، فلا وظيفة كريمة تريدهم، ولا خدمة مدنية قادرة على استيعابهم، فيصبحون عبئأ ثقيلاً يزداد ثقله عام بعد عام، ولا فائدة منهم ترجى سوى ملئ قاعات الاحتفالات الرسمية والظهور في التلفزيون في يوم "العلم"! إن الحكومة هي المسؤلة عن هذا التفريخ العجيب، وهي التي تتحمل أعبائه في نفس الوقت، فكلما قررت توسيع هذا النمط من التعليم "الفارغ" بإنشاء جامعة جديدة مثلاً، تعود بعد بضعة سنوات لتذوق مرارة قرارها عندما يطلب منها استيعاب مخرجات هذا التعليم غير القابلة للأستيعاب أصلاً، وكأن حكومتنا تمارس طقوس من التعذيب الذاتي، وتسعى إلى تعزيز عناصر عدم الإستقرار، لأن هؤلاء الآلاف سيصبحون وقوداً متجدداً لفوضى محققة. تحدثت في كتابات سابقة عن حل لهذه المعضلة الجوهرية يتلخص في ضرورة ضخ آلاف من العلماء من حملة الدكتوراه من أغلى وأرقى جامعات العالم في نظامنا التعليمي بمعدل حوالي ألف كل عام، ويتم إنتاج هؤلاء عبر الحصول على حوالي ألف منحة دراسات عليا سنوياً من الدول المانحة، مع العلم أن تكلفتها اقل من تكلفة الحرب على الإرهاب أو الحرب في صعدة. أجدني هنا أذكّر بما اقترحت لعل الذكرى تنفع المؤمنين. إن مستقبلنا شئنا أم أبينا مرهون بإصلاح نظام التعليم قبل كل شيء، وإن كل الاصلاحات الأخرى التي يتم الحديث عنها، لوحدها ليست إلا مرهما مهدئاً في حين أن العلم )المعرفة( هو العلاج، وبلادنا بحاجة إلى العلاج من أجل المستقبل، كما هي بحاجة إلى المهدئات من أجل الحاضر. لقد دعى فخامة الرئيس إلى عقد أول اجتماع للجنة الحوار المشكلة بالتساوي بين السلطة والمعارضة، وتجيء هذه الدعوه مع مجيء شهر رمضان المبارك أعاده الله على بلادنا باليمن والبركات، فتدعونا للتفاؤل لعل الشهر الكريم يضفي عل سياسينا مزيداً من التوافق، ويتم الاتفاق على كل القضايا السياسية بإتجاه إنجاز انتخابات ابريل 2011، وبالتالي يتوجه الجميع نحو حل المعضلات الأكثر صعوبة. رحم الله الهمداني، وهدانا جميعاً إلى الخير، وهدى حكومتنا إلى سواء السبيل.




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign