امريكا تقر بصعوبة المعركة في خليج عدن ,, وتتحدث عن اشتباك بحري واسع        انسحاب مذل لحاملة الطائرات الامريكية " ايزنهاور من البحر الأحمر        صنعاء تشن عمليات هجومية ضد سقناً امريكية واسرائيلية في خليح عدن والمحيط الهندي        صنعاء تنهي الجدل الدائر حول شحنات المبيدات الزراعية      
    جدل وأصداء /
إشكالية التحول من لغة العنف إلى عنف اللغة

2010-07-28 09:20:23


 
 كتب/أحمد صالح محمد العنف سلوك غير إنساني، وغير حضاري، حرمته الشرائع السماوية، وأدانته القوانين الأرضية بمختلف أشكالها وخلفياتها المعرفية والأيديولوجية، ومثلما يغيب العنف عن ساحة المجتمعات المتحضرة القائمة على أسس ديمقراطية سليمة تكفل الحريات وتحقق العدالة والمساواة، فإنه يشكل حضورا فاعلا في المجتمعات المتخلفة التي تسود فيها النظم الاستبدادية القائمة على احتكار السلطة والثروة في أيدي قلة من النخب الحاكمة. إن المتتبع للحياة السياسية والاجتماعية في بلادنا يلاحظ وبقليل من التبصر أن العنف بقعة زيت متوسعة باستمرار، قد يخفت أوارها في مكان لكي يشتعل في مكان آخر، فما أن تلاشى حديث الفضائيات عن العنف في صعدة وعمران وحرف سفيان والجوف حتى عادت أخبار العنف في اليمن تتصدر كاميرا القنوات من الضالع ولحج وأبين وعدن ومأرب وشبوة،  فمن المستفيد من تنامي حالة العنف في اليمن ؟ وكيف يمكن إيقافه أو تلطيفه والحد منه؟. تجدر الإشارة ـ في البداية ـ إلى أن  العنف ليس معطى جديدا أو طارئا على البنية الاجتماعية والسياسية في مجتمعنا اليمني، فتاريخنا حافل بالعنف، بل إن تاريخنا هو إلى حد كبير تاريخ العنف والصراع كما تشهد على ذلك أسوار المدن، وتراثنا الزاخر بالحصون والقلاع والأقبية، كما أن سقوط الكثير من رموز  الحركة الوطنية في تاريخنا المعاصر في اغتيالات سياسية غامضة كما حدث مع الزبيري ومرورا بالحمدي وحتى جار الله عمر وغيرهم الكثير ممن طالتهم يد العنف والإرهاب يعد مؤشرا مهما على مدى تجذر ظاهرة العنف في تصفية الخصوم السياسيين والضيق بالآخر في منظومتنا السياسية والاجتماعية. إن الإجابة على هذه التساؤلات توجب علينا التحلي بقدر أكبر من الموضوعية، ووضع الأحكام السياسية والإيديولوجية المسبقة بين قوسين ولو مؤقتا، فمن المستفيد من تنامي ظاهرة العنف في اليمن؟؟ قد يكون لكل طرف من الأطراف المتصارعة معطياته الخاصة التي يحدد في ضوئها خسارته ومكاسبه، بيد أن النظرة الفاحصة القائمة على أسس موضوعية تشير إلى أن كل الأطراف التي زجت بنفسها في أتون الصراع والعنف لا بد وأنها خاسرة بكل المقاييس يستوي في ذلك حركات التمرد أو النظام الحاكم، فالحركات الاحتجاجية التي تلجأ إلى العنف  ـ تحت أي مبرر ـ تخسر أولا وقبل كل شيء فرصتها في طرح أفكارها في أجواء سلمية فهي تستبدل قوة الحرف وفاعلية الكلمة وتأثير الفكرة بقوة السلاح، وهو ما قد يزج بها في معركة غير متكافئة مع السلطة التي تمتلك القوة والإعلام فتفقد بذلك مقوماتها المادية بسقوط أنصارها والزج بمن تبقى منهم إلى ظلمات السجون والمعتقلات، كما أنها قد تفقد الكثير من مقوماتها المعنوية بتعرض أفكارها للتشويه والتحريف ثم محاصرتها والحد من انتشارها. وليس النظام الحاكم بأقل خسارة من هذه الحركات المتمردة حتى لو تمكن من القضاء عليها وتحقيق انتصارات ميدانية ، لأن لجوء الدولة إلى العنف تجاه أي حركة احتجاجية فضلا عما قد يولده ذلك من شطط وانفلات وتجاوزات وانتهاك للمعايير الضابطة لوظائف وحدود السلطة نفسها. فإنه بلا شك  يفرز الكثير من الظواهرَ السلبيةٍ على رأسها "الإرهاب" أو على الأقل ما يمكن أن يطلق عليه في الأدبيات السياسية والاجتماعية اسم "العنف المضاد". كما أن ممارسة الدولة للعنف يؤدَّى ضمن ما يؤدَّى إليه إلى ظهور التنظيماتِ السريةِ المسلحة وتبنِّي الكثير من الجماعات السياسية والأحزاب المعارضة لأسلوبِ العمل السري؛ حيث الابتعاد عن أيدي النظام الباطشة. ومن هنا فإن على النظام الحاكم إيجاد بدائل حوارية عن العنف  عن طريق إرساء المسلسل الديمقراطي، وتجسيد قيم العدل والمساواة، وصيانة الحقوق والحريات، وفتح قنوات الحوار مع كل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني وتمكينها من ممارسة دورها في النهوض بالمجتمع، وقبل هذا وذاك لا بد من إنشاء هيئة للإنصاف والمصالحة بغية ترميم  الأضرار والأعطاب والمآسي الناتجة عن مرحلة العنف والصراع. فهل نحن قادرون، مجتمعا ونخبا ودولة، على مواجهة وكسب هذا الرهان التاريخي الكبير؟ وعلى إنجاز "الانتقال" الناجح من دائرة لغة العنف إلى دائرة الحوار وعنف اللغة ؟ أي من حالة الرعب والرهبة إلى حالة الصراع السياسي السلمي؟




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign