غروندبرغ : نعمل على إطلاق الاسرى وتحسين القطاع الاقتصادي والمالي         مركز بحري دولي يحذر من سلاح يمني جديد         مركز بحري دولي يحذر من سلاح يمني جديد        صنعاء تعلن فتح طريق البيضاء ـ الجوبة ـ مارب من طرف واحد      
    جدل وأصداء /
عدن أزمة اليمن.. معك نازل

2010-05-26 13:50:43


 
 كتب/ نبيل الصوفي   مرت ذكرى يوم اليمنيين، الـ22 من مايو. وكمراقب من بعيد أتمنى أن ينجز إعلان الرئيس علي عبدالله صالح استعداده تشكيل حكومة إئتلاف وطنية نافذة حقيقية في جدار الدوشة السياسية التي لم تخرج منها اليمن منذ توحد شطراه.   وكصحفي فقد حملت لي ذكرى الوحدة إعلانا إيجابيا على لسان الرئيس أيضا تمثل في ايقاف المعارك اليومية بين الصحافة والقضاء، فلقد تحول الأخير الى خصم للصحافة من حيث المبدأ حيث يتعامل معها كأي نشاط تقليدي مقدور عليه، ونأمل أنه وبحق جرجرتنا أن يجتهد القضاة في تقعيد حرية الصحافة في إرث التقاضي سواء المرافعات أو في نصوص الأحكام.   بعيدا عن السياسة والصحافة فلقد مرت الذكرى كما العادة وسط صمت اجتماعي وثقافي، مع أن البلاد تعيش وسط عواصف عميقة تتجاوز صراعات السياسيين الى ماهو أخطر من ذلك بكثير. ولن يجدي مع مثل هذه التعقيدات الاتفاقات السياسية او الحلول الادارية.   باعتقادي أن هذا الصمت هو عودة للتذكير أن اليمن الموحد لايزال مفتقدا لأي مضمون اجتماعي لدولته.. والدولة هنا ليست السلطة بل كل المكونات التي تشكل مجتمعا إسمه يمن.  لقد قامت الوحدة بين شطرين لهما سياسات اجتماعية نقيضة بالمرة، لكن وباستثناء جدل بسيط بشأن قانون التعليم قبل هزيمة الاشتراكيين، فإن اليمن الجديد حكم مباشرة بسياسة الشمال الاجتماعية، ليس بسبب الحرب وهزيمة الحزب بل لأن هذه السياسة الشمالية هي جوهر رؤى تحالف القبائل والإسلاميين في الشمال والجنوب معا. ولذا مرت التعديلات القانونية التي تخص الأسرة والمرأة مثلا دون أي مراعاة لتأثيراتها السلبية على مجتمع قد تجاوزها.. وهذا ليس إلا جزءاً بسيطاً مما آقصد به السياسات الاجتماعية. يمكن الحديث عن حقوق المرأة غير السياسية، فالعدنية التي كانت تملك نفسها في التوثيق القانوني كشخص عاقل بالغ، قبل أغلب دول العالم العربي، هي اليوم مثلها مثل بنت المحويت لايمكنها ان تملك بطاقة شخصية أو جواز سفر مالم يوقع رجل من رجال العيلة على الموافقة.   هذا الاستسلام لهذه السياسة الشمالية، استفاد من حجم الصورة السلبية التي رسمها انصار الصراع الايدلوجي عن ارث الدولة الجنوبية الذي نرفضه في عدن ولكن نمجده في القاهرة أو ابوظبي مثلا.. حتى تحولت عدن الى ضاحية، مع انه كان يمكنها أن تقود تطورا اجتماعيا في اليمن كله.  وحين أتحدث عن المرأة فلا أقصد هنا فقط الاختلاط أو حق الملبس مساواة بأخيها الرجل ووفقا لضوابط عليهما معا بل أتحدث عن تطوير القيم التي تحمي المرأة وتساعدها على الخروج بأمان واحترام للحياة العامة. على سبيل المثال لاتعرف عدن هذه الوقاحة التي تعاني منها صنعاء ضد امرأة تسير في الشارع، بغض النظر كانت لابسة خماراً أو حتى طربالاً، مقابل أنك لو لاحظت كيف تسير البنت في شواع عدن جامعة بين أناقة المظهر (بالعباية) والتصرف بكل مسئولية مع نفسها أولا قبل الشارع.   في صنعاء ترى ارتباكا حتى على البنت القادمة من عدن، ومقابل "ياكريمة" و"بنت الحارة" و "الحفاظ على اختلاف في التعامل بين طرفين مختلفين جنسيا وعمريا"، الذي تعرفه أو كانت تعرفه عدن وجمهورية اليمن الديمقراطية غالبا، فإن كل بنت في شوارعنا بصنعاء وأغلب مدن الشمال تعامل كمشروع "ضعيف يمكن السطو عليه"، وسواء كان هذا السطو عبر تركيز مراية التاكس آو عيون الرجل عليها لكأنها قطعة لحم أمام كلب جائع، أو عبر إدانة حضورها في الشارع العام أساسا. لاوجود لبنت الحارة في صنعاء، بل ولا بنت الجيران،   الكل عينه مفتوحة على الكل، لاوقار لرجل كبير في السن في تعامله مع بنت تصغر أصغر بناته.. فالكل مشروع فراش بل وكلما كانت البنت اصغر كانت عيون الرجل الاكبر أكثر قبحا.. وللاسف هذا في مدننا اكثر منه في قرانا ممايعني انه ليس تقاليد يمنية بقدر ماهو تشوه المشروع الاجتماعي للدولة التي هي من تشكل المدن.   صدقوني لن تدركوا الفرق مالم تراقبوا الشارع بهدوء وبدون اصرار او مكابرة، وشرط أن تتخلصوا من النظرة الشمالية للمرأة والشارع (اتحدث هنا عن رؤية منتصر حرب 94 من الشماليين والجنوبيين والقبايل والاسلاميين من كل اليمن، ولكني سأسميها النظرة الشمالية والحمدلله أني لست جنوبيا ليعتبر كلامي مناطقيا).   خلاصة القول أن عدن -لو كان لدولتنا عقل منشغل ببلاد ليس الصراع السياسي فيها الا زاوية من التحديات-، كان يمكنها أن تقود تحولا في اليمن كله بسبب السياسات تجاه المرأة ومايعكسه حضورها بشأن تحديث التعليم، وتحسين ثقافة الأسرة صحيا مثلا، وتربية الابناء، وتحسين نظافة وأكل اليمنيين.  لقد كانت عدن تفعل ذلك قبل اكثر من خمسين سنة ومن عمل والده فيها ابان الاستعمار مثلا يمكنه تذكر الفرق الذي كان يطرأ على من يعمل في هذه المدينة ولو كان ينام في الشارع، ولاعلاقة للغنى والفقر بالمسألة فهاهم القادمون من السعودية مثلا ورغم ثراء مظاهرهم حين يعودون لايعودون بأي تغير اجتماعي او ثقافي الا ان كان للأسوأ.   حينما ننتقد سياسة الخطاب العام، عدم الاهتمام بدور الترفيه، محاصرة حضور المرأة في الحيز العام وهو يسبب غياباً للأسرة أصلا، فإننا لانتحدث عن قشور.   حين نقول مثلا أن يمن مابعد 94 كأنها مملوكة لمنجدي مجالس القات، فهي أكثر من تنتشر، فإننا نتحدث عن عمق الجذور الاجتماعية للأزمة الراهنة التي يعد عنف الحراك الجنوبي احد مظاهره.، ولانتحدث عن شكليات.   لانتحدث عن الضالع أو أبين، مع أن حتى هذه شهدت تغييرات لاهتمام دولة الحزب قبل الوحدة بالشأن الاجتماعي وليس كدولة الشمال الذي تعد وزارة الشئون الاجتماعية فيه عديمة الوظيفة، فاقدة الاهلية، ضعيفة القدرات لمواجهة مثل هذه الوظيفة، والاعلام لايمكن أن تتصدر اي شأن اجتماعي صفحاته، لا اتحدث عن اخبار الجريمة بل عن قضايا المجتمع الأكثر تمثيلا.   اقول لانتحدث عن الضالع، لكن لو كانت عدن في وضع اجتماعي مختلف لكانت الضالع بقت عند حدودها المعقولة للتأثير، لكن الصراع بين الحراك وخصومه اليوم يعمل بذات الآليات ولن يحقق الا نتيجة واحدة ايا كان المنتصر، وهذا لن يخدم لا الوحدة ولا التشطير.   إن غياب الاهتمام بالسياسات الاجتماعية يعيدنا إلى الصراع وراء أجندات هزمت اليمن موحدا ومشطرا، فجميعنا نقدم خطابا هزيلا لايمكنه بأي حال من الأحوال لي عنق التدهور الذي نتج عن إهمال تناقض سياسة الشطرين   الاجتماعية، وهو الاهمال الذي أصبح المسئول الأول عن عنف الخطاب السياسي بين اليمنيين بشأن الوحدة والتشطير.   لقد قدمت فرقة خليج عدن مسرحية (معك نازل)، كلما اعدت مشاهدتها اقول: كيف يمكن دفع اليمنيين لاعتبار هذا العمل بياناً اجتماعياً يجب الوقوف عنده للخروج من صراعات الدحابشة والانفصاليين.   هي تقول لنا أن عدن لو صحت فإن اليمن ستكون بخير، ولكن صحوة عدن ليست وفقا لمنهج الحراك ولا لماتريده السلطة، إنه عودة لإحياء العوامل التي كانت بها عدن أكثر حداثة اجتماعية من كل دول العالم العربي أفضل حتى من القاهرة فضلا عن دبي التي لم تكن قد خلقت بعد. ونحن بحاجة لمكافحة سطوة فكر ونظر منتصر الحرب وهو هنا -كما انبه مرة ثالثة، ليس فقط قوى الشمال بل قوى التحالف التقليدي من الشمال والجنوب. وهي قوى تنظر لدبي بانبهار لكن قديم عدن عندها ليس سوى "اشتراكية" مع ان الحديث عن حياة تأسست قبل الاشتراكية والحق يقال ان الاشتراكي طورها وواصل دعمه الايجابي لها قبل ان يعود هو لحظيرة التقليدية سالما غير غانم. والأمر يتجاوز الناس الى الارض.. لقد ?كان كل شبر في عدن بل واليمن كلها هوية لآلاف الناس..? ?يغنونها صباح مساء..? كانت صنعاء ركناً في العاطفة الانسانية للعدني..? وتهشيم هذه المعادلة هي أقسى واسوأ لعنات حرب ????م.. وللأسف هي المجهول والمسكوت حتى عن الحديث عنه..? اول لقاء صحبة ماجد المذحجي بالصديق وضاح حريري.. كنت اقرأ تصريح ناصر النوبه انه ثابت ثبات جبل شمسان.. دون شعور ذهب صوتي الاستنكاري عن وايش يعني شمسان الي أذن وضاح على انه ضد شمسان وهو كان ضد التطرف.. فكانت ردة فعله قاسية.   كنت انتقد الثبات على طريقة الجبال.. وكان وضاح يسمع من صوتي هذه التربية الشمالية المستخفة بالمكان.. ولم يكن مخطئا..? ذكرني بجبل عيبان ظنا منه اني ساتراجع فقلت له: وايش يعني عيبان.?   ومن يومها وانا اشعر بالخجل.. ان حرب ?? سلمت اليمن لمن لااهتمام لديهم بالهوية من اساسه.. لايعرفون معنى المكان بالمرة..? عززت عندي القدرة على ادراك الفارق.. سيدتان:? الاولى "نسيم" التي علمتني الكثير عن هذا المعنى..? وغالب آفكار هذا المقال هو من نقاشي معها..   الثانية: الأخت انتصار سنان..? الاولى من حضرموت، والثانية من اب.. لكنهما لحظهما او لسوئه عاشتا العمر   في عدن الاشتراكية..?عدن التي تراها انتصار  بعين أجزم أن لاشمالي يرى بيته بمثلها..?عدن التي هي في عيون نسيم وذاكرتها جدران الروح..?حين نتحدث عن عدن.. ارى في عينيها دمعا صافيا..? تتحدث عن تفاصيل حياتها هي كإنسان.. عدن الأم.. عدن الأخ.. عدن الشارع الذي يمنحك الأمان أيا يكن مستواك وشكلك..? عدن السلوكيات الراقية.. عدن الجبل الذي احتضن حبيبات الطفولة.. ?عدن البحر الذي يغسل روح زائريه من الهم..?عدن الحارة التي هي البيت.. ابن الحارة او ابنتها.. ملكة في مكانها..?لم تكن عدن للنظام الاشتراكي صندوقاً انتخابياً ولا معتقلاً كما فهمنا نحن خصوم الصراع الايدلوجي..?هي كانت حبات العمر لساكنيها..?بالنسبة لنا نحن معاشر سكان الجمهورية العربية اليمنية فلقد حرمتنا الوحدة من عدن التي ربما كانت اعادت لنا اليمن التي خسرناها طويلاً.      nbil21972@hotmail.com   




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign