غروندبرغ : نعمل على إطلاق الاسرى وتحسين القطاع الاقتصادي والمالي         مركز بحري دولي يحذر من سلاح يمني جديد         مركز بحري دولي يحذر من سلاح يمني جديد        صنعاء تعلن فتح طريق البيضاء ـ الجوبة ـ مارب من طرف واحد      
    جدل وأصداء /
عن محاولات استنساخ النموذج السعودي الوهابي في اليمن!

2010-05-12 14:54:49


 
 كتب/محمد العبدلي   لم تشكل الدولة السعودية يوما ما في تاريخها نموذجا لأي من دول العالمين العربي والاسلامي كنموذج يحتذى في الحكم ،كما ان هذا النظام -الموصوف بالرجعية قديما ومازال- لم يشكل ايضا في اليمن نموذجا ملهما إلا في اذهان من كان للسعودية فضل في بروزهم و حصولهم على شكل من اشكال السلطات الدينية او الاجتماعية وهم هنا بدرجة اساسية المشايخ باختلاف توصيفاتهم الدينية والاجتماعية. لم تمض ايام كثيرة على دعوة اليمن المهدد بالتفكك الى الاتحاد العربي في مسرحية سرت الكوميدية حتى تلقفتها المؤسسة الوهابية فرع اليمن بزعامة الزنداني و الحزمي وغيرهم ممن لايستطيعون النظر الى مشكلات البلد والعالم ابعد من خطوط العرض المتوزعة بين السرة والركبة, وجاء الترحيب من قبل هذه المجموعات بهذه المبادرة في وقت نالت الكثير من السخرية - بشكلها وظرفها الحالي - من نخب العالم العربي الحقيقية بل و الحاكمة ايضاَ . وبسرعة أكبر كان التجاوب من دار الرئاسة، حيث التقى الرئيس بهؤلاء ( العلماء !) والقوا عليه بسلسة من المطالب تتركز جلها في تعزيز وصايتهم على الدين وعلى المجتمع. اذا فهي فرصة جاءت بوقتها وكيف لا يغنم هكذا فرصة من يرى حكمه يؤول يوميا وبسرعة كبيرة نحو السقوط ويجد بارقة امل في مجموعة من المشائخ الذين لاتعنيهم قضايا الحريات والمشاركة في السلطة والثروة ومقتضيات العدالة والدولة المؤسسية بقدرماتعنيهم طموحاتهم في شكل من اشكال السلطة تمكنهم من التحكم في ايقاع حركة المجتمع وخنق المرأة وكأن خلقتها- وفق ماتفصح عنه تصرفاتهم- كانت ترفا في هذه الحياة. اذا فهي صفقة تعطي الطرف الاول التحكم في مقاليد الدولة على ان يكون للطرف الثاني سلطة التحكم بايقاع المجتمع وحركته وهذا أقصى ما قد يطلبه خيالهم المريض بهوس الجنس و مؤامرات الخارج بافساد الداخل الذي برأيهم قد وصل الى درجة من المثالية ولم يعد يهدده إلا ماطرحوه في مسجد الرئاسة من قضايا هي ابعد ماتكون عن اهتمامات الناس ومصالحهم إلا ما أتى منها على الهامش -وبقدر ما يكسر العين- كمطالبتهم برد المظالم وانصاف المظلومين . هذه النوع من التواطؤ يعيدنا الى المرحلة التي تأسست فيها الدولة السعودية بداية القرن الماضي بين آل سعود و قدماء الوهابيين.... لأولئك الحكم والسلطة السياسية ولهؤلاء السلطة الدينية والاجتماعية مع تبادل خدمات الدفاع بين كلا الطرفين إزاء أية اخطار او تهديدات من اية جهات او نخب طامحة للتغيير في الشكل المفترض لمؤسستيهما . في اللقاء المشار اليه في جامع الصالح بدأت تتشكل بوادر هكذا طرح وهو الجامع الذي انشئ أصلا في سياق مشروع يجري اعداده بوتيرة عالية لترويض المجتمع وقياس نبضه إزاء تحويل البلد الى الشكل الملكي يأخذ نموذجه من الجار القريب. فالحاكم الذي يتعرض لضربات موجعة لمشروعه في الجنوب وأخرى -وان بطرقة عنفية- في الشمال ومابينهما معارضة يزداد نشاطها ومدعومة باحتقان شعبي يتنامى بمتوالية عالية افقيا وعموديا سيلتقط تلك الاشارة من الوفاء والتجاوب الحميم من الجهة الاخرى التي هددت بالخروج في مسيرة مليونية من اجل ماذا؟؟ من اجل عدم الحؤول بينهم وبين لحوم الفتيات التي لايريدونها إلا طرية رغم خرفهم و لايستسيغونها إلا بريئة عديمة الشخصية لاتستطيع المناقشة والتفكير ليتم تشكيلها وفق مواصفاتهم الخاصة . اذا فلتكن مسيرة مليونية! ... من أجل عدم تحديد سن الزواج ولامانع (بل هنا واجب) ان تتوج بالدعاء بالتوفيق والمؤازرة لولي الأمر كعادتهم وعلى طريقة( ينعي ولده ويصلح الساعات ) كجزء من رد الجميل لهذا الولي الصالح الذي يستمع الى نصحهم ويؤيدهم في الدفاع عن بيضة الاسلام الهشة التي لن تكون متماسكة إلا بتمكينهم من الوصاية على افهام الناس وعقولهم وأخيراً اجساد بناتهم الطرية. هم هنا يسعون لشكل من اشكال السلطة قد يستدركون من خلالها ويدعمون خطابهم القديم والبائس الذي انفض الناس من حوله ويتعرض يوميا الى الاضمحلال بفضل الثورة المعلوماتية التي تهدد بالقضاء على آخر مايمتلكونه من افهام وتصورات ورؤى بالية يقدمونها على اساس انها الدين والدين منها براء وبعيد كل البعد عن جوهره بحسب ما نرى ونتأكد كل يوم, وبفضل هذه الثورة نزعت القداسة لاي كان فردا كان ام فكرا, فكل شيء خاضع للتحليل والنقد ومن ثم اعادة الاكتشاف وبالتالي تحقيق اليقين وبطريقة تستبعد فيها الوصاية والسلطات المرجعية ايا كان شكلها. لذا نرى عداء هؤلاء (وأولئك أيضاً) لكل معطيات العصر وادواته الجديدة والتحذير منها ومحاولة السيطرة قدر الامكان عليها.  سنتذكر هنا سعيهم الحثيث لانشاء هيئة للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بعد ان بدأت تتقلص في بلادها الأم ويحاول هؤلاء استنساخها في اليمن, ولكن ولان احدا من المجتمع والدولة لم يتجاوب معها تسعى اليوم الى تعزيزها بشكل من اشكال السلطة والوصاية على المجتمع وبحماية من الدولة في سبيل تمكينها وتحقيق حضور لها. اذا فهو شكل من اشكال التحالفات السياسية في جوهره , رغب الطرفان في احيائه ولكل اسبابه الخاصة و على أمل ان ينتج عن ذلك كبح لاي نوايا او رؤى تحديثية وليبرالية قد يتبناها من هم في السلطة الحاكمة اومن اقاربهم بحيث تتعزز السلطة الاخرى المقابلة و يحدث شرخ بينها وبين واجهتهم التنظيمية (حزب الاصلاح) الذي تضم قوائمه القيادية والقاعدية كثيراً من حملة هذه الافكار في ظل غياب مشروع تثقيفي حداثي تجديدي للاصلاح يستوعب الاجتهادات القيمة لمفكرين اسلامين مستنيرين وجدوا في غياب الحريات على جميع المستويات الحلقة المفصلية في سلسلة هوان الأمة, بل ان إعمال شروط الحرية واستحقاقاتها مقدم على تطبيق الشريعة حسب الرأي الجرئ للشيخ يوسف القرضاوي وغيرهم الكثير الذين خرجوا بافكار هامة حول هذا الموضوع. بقي ان ننظر الى ماحصل في سياق المحاولة التي اقتضتها بعض الشروط والظروف بالنسبة لطرفيها, فمن المعلوم ان الشروط التاريخية اختلفت وان الاسرة السعودية ارتبط وجودها بوجود الدولة السعودية وهو الأمر غير المتحقق في الحالة اليمنية الذي مر بمراحل نضال طويلة ضد أي احتكار للسلطة مبنية على اية دعاوى , كما ان هذه المجموعات الماضوية المستعدة للتحالف مع الحاكم لن تستطيع احتكار كل الخطاب الديني بفضل وجود مدارس عديدة ستقف في وجهها ابتداء من المدرسة الزيدية التي وقفت بقوة دون حدوث التوسع السعودي الوهابي بداية نشوء الدولة في اتجاه اليمن ومرورا بغيرها من المدارس الدينية الكثيرة التي تختلف تجاربها التاريخية وظروفها الحالية عن هذه المدرسة, غير ان الحقيقة الاكيدة هنا ايضا ان الساسة المستبدين قديما وحاضرا لم يجدوا طريقة مثلى لتطويع المجتمع وتدجينه خيراً من النخب الدينية ولنا ان نتلفت إلى من حولنا في عالمنا العربي لنرى كيف يوظف الخطاب الديني ورموزه في سياقات القمع والتدجين على ان تكون الفائدة في النهاية للاستبداد ورموزه. فهل سيتمكن المجتمع اليمني من افراز قوى مقتدرة جديدة ومتنورة متحالفة ومتصالحة معه وتنشد الخلاص له في مواجهة هذا التحالف الشيطاني بين ادعياء الدين وانتهازيي السياسة؟ * لندن




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign