الصحافة البريطانية تكشف عن مضمون عروض امريكية مغرية لصنعاء        كهرباء عدن ....ماساة الصيف المتكرره تحت جنح الفشل والفساد الحكومي        غروندبرغ : نعمل على إطلاق الاسرى وتحسين القطاع الاقتصادي والمالي         مركز بحري دولي يحذر من سلاح يمني جديد      
    جدل وأصداء /
محددات العلاقات اليمنية السعودية

2010-02-02 17:42:04


 
  كتب/أ.د. سيف العسلي لقد تعرضت العلاقات اليمنية السعودية للعديد من الاختبارات ولكنها كانت تتجاوزها بنجاح. إلا أنها لم تحصن ضد التعرض لمزيد منها في المستقبل. فإذا تحقق النجاح في الماضي فإنه لا يمكن الاطمئنان إلى تحققه في المستقبل ما لم يتم تحصين هذه العلاقة. إن تحصينها يتطلب التعرف على محدداتها وأخذها بعين الاعتبار من قبل حكومتي وشعبي البلدين. ما كان أحد من السعوديين يرغب في اندلاع فتنة الحوثية لأنها كلها ضرر. وأيضا ما كان أحد من اليمنيين المخلصين يتمنى أن تطير شرارة هذه الفتنة إلى أي دولة أخرى وعلى وجه الخصوص إلى المملكة العربية السعودية. إذ أنه يمكن القول بأنه لا فائدة منها على الإطلاق حتى للذين أشعلوا نارها سواء في الداخل أو الخارج. فنتيجتها محسومة سلفا أي هلاك أتباعها ولكن بعد أن تسببوا بإهدار دماء الأبرياء من أبناء القوات المسلحة والامن والمدنيين وتدمير البنية التحتية والإضرار بالاقتصاد الوطني، فالمؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويكره له ما يكرهه لنفسه. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن المملكة العربية السعودية دولة جارة وبالتالي فإن لليمن مصالح استراتيجية كبيرة فيها. وما من شك بأن تحرش أتباع الفتنة الحوثية بها سينعكس سلبا على هذه المصالح بشكل مباشر او غير مباشر. إذ لم يكن لغالبية اليمنيين والسعوديين يد في اندلاع هذه الفتنة فإنه ينبغي عليهم أن يقللوا من سلبياتها قدر الإمكان وأن يستفيدوا منها كذلك قدر الإمكان. فكما يقال رب ضارة نافعة. إن عليهم أن يعملوا على إرساء العلاقات اليمنية السعودية على أسس استراتيجية بعيدة المدى متوازنة ومفيدة للجميع. إن ذلك يتطلب الاستفادة من دروس التجارب السابقة وعدم تكرار ما قد يكون قد ارتكب من أخطاء. فذلك من وجهة نظري كفيل بعدم تكرار ما يحدث الآن في صعدة. فالعلاقات بين البلدين قد حددتها الجغرافيا قبل أي شيء آخر، ولذلك فإن وصف العلاقات بين البلدين بالأخوية يصدق عليها أكثر من صدقه على أي علاقات بين أي دولتين عربيتين أخريين. فالجغرافية التي تربط اليمن بالسعودية تختلف كثيرا عن أي جغرافيا تربط بين دولة وأخرى في العالم وحتى بين الدولتين وأي دولة عربية أخرى. إنها جغرافية يحددها المحيط الهندي وخليج عدن ومضيق باب المندب والبحر الأحمر ومضيق هرمز وقناة السويس. إنها جغرافية يحددها الربع الخالي وجبال السراة. إنها جغرافية يؤثر بها التبادل المشترك في المناخ والأمطار واتجاه الرياح.  ومن المؤكد أن هذه الجغرافية قد صنعت علاقات تاريخية فريدة في العالم. فالهجرات في الجزيرة العربية دائما تتجه من الجنوب إلى الشمال بعكس معظم الهجرات التي حدثت في العالم. ونتيجة لذلك فقد حدث تماه غير مسبوق في اللغة والدين والعادات والتقاليد. وقد عمل ذلك على تقوية العلاقات الاقتصادية والتي تمثلت في رحلة الشتاء والصيف. فقد كانت اليمن البوابة الجنوبية للجزيرة العربية ولا زالت كذلك، في الوقت المعاصر، لم تتغير أي من هذه الروابط فما تغير منها فقط وهو اتجاه التجارة، في الماضي كان اتجاهها من الجنوب إلى الشمال، أما في الوقت الحاضر فإن اتجاهها تحول من الشمال إلى الجنوب نتيجة لاكتشاف الثروات النفطية الكبيرة في شمال الجزيرة العربية. فلا زال اليمن هو المنفذ الآمن لتصدير هذه الثروات وذلك لوقوعه على مقربة من المياه المفتوحة ومن الواضح أن البلدين قد تجاهلا هذه الحقيقة وبالتالي فإنهما لم يفهما العلاقة الاخوية بين البلدين بالطريقة المناسبة. ولذلك فإن العلاقة بين البلدين هي وللأسباب سالفة الذكر علاقة بين أخوين بكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى. إن ذلك يعني أن هناك أخاً أكبر وأخاً أصغر. ومن المعروف أن للأخ الأكبر حقوقاً معينة وعليه كذلك واجبات معينة وأن هناك للأخ الأصغر حقوقاً معينة وعليه واجبات معينة. إن وضع العلاقات اليمنية السعودية على أسس متينة قابل للتطور والاستدامة يتطلب تحديد من هو الأخ الاكبر ومن هو الأخ الأصغر وما هي حقوق وواجبات كل منهما. فإن من يطالب بالمساواة بين حقوق وواجبات الاخوين فإنه يهدد هذه العلاقة من أساسها وكذلك فإن من يساوي بين العلاقة الأخوية والعلاقات الاخرى هو الآخر ينسف هذه العلاقة من أساسها. فحرص الأخ الأكبر على الأخ الأصغر لا ينبع من القسوة والإذلال وإنما من حرصه على مصالح أخيه وكذلك فإن تواضع الاخ الأصغر مع الأخ الأكبر لا ينبع من الذل والخوف وإنما من الاحترام له. بذلك فقط تكون العلاقة الأخوية مفيدة للأخوين. إن ذلك يعني أن هناك عملا كبيرا ينبغي على الطرفين أن يقوما به. ذلك أن الأخ الاكبر لم يكن دائما في جنوب الجزيرة ولا في شمالها. بل إنه يتنقل بحسب تغير العلاقات الاقتصادية، ومن الواضح أن المملكة العربية السعودية في الوقت الحاضر تمثل الأخ الأكبر لليمن وما على اليمنيين إلا أن يقبلوا ذلك، ومن خلال تتبع تعامل اليمنيين مع هذا الموضوع سيتم ملاحظة أنهم لم يقبلوا ذلك بشكل واضح وصريح. فأقصى مدى وصلوا إليه هو القبول بالمساواة، لكنه من غير الممكن المساواة بينهما. فإصرار الأخ الأصغر على الندية مع الطرف الأكبر قد يدفعه إلى معاقبته بشكل اكبر من معاقبة أي شخص آخر يطلب المساواة. إن وضع العلاقات اليمنية على الطريق الصحيح المفيد للطرفين يكمن في قبول اليمنيين بأن المملكة العربية السعودية هي الأخ الأكبر وتعامل السعودييين مع اليمنيين على أساس ذلك. ولا يوجد أي وقت أفضل لمناقشة ذلك من هذا الوقت الذي تمر فيه العلاقة بين البلدين بمراجعة شاملة. فلتكن هذه المراجعة على الشكل الصحيح. فمن يتتبع العلاقة بين البلدين منذ ثلاثينيات القرن الماضي سيدرك وبسهولة أن ذلك كان السبب الرئيسي في عدم استقرار العلاقة بين البلدين. إذ أنه وخلال هذه الفترة الطويلة فما أن يتم وضع العلاقات السعودية على طريق الاستقرار والاستمرار حتى يتم إخراجها منها.  فقد كان من المفترض أن يترتب على اتفاقية الطائف تحول العلاقات اليمنية السعودية إلى علاقات استراتيجية لكن ذلك للأسف الشديد لم يتحقق. والدليل على ذلك أنه لم يتم عمل أي شيء يذكر لتحقيق التكامل الاقتصادي بين البلدين الذي كان أحد المحاور الأساسية لها. وكذلك فإن البلدين لم يسعيا لتوحيد أهداف واستراتيجيات العلاقات الخارجية للبلدين والذي كان ثاني محور أساسي لها، فعلى الرغم من ذلك فقد ظل التكامل الاقتصادي بين البلدين منعدما كانت علاقاتهما الخارجية متنافسة وغير متناسقة. ولذلك فإنه يمكن القول بأنه قد تم إهدار هذه الفرصة الثمينة لإقامة علاقة استراتيجية مستدامة بين الدولتين. وقد تعرضت هذه العلاقة إلى اختبار ثان وفرصة ثانية في فترة الستينيات من القرن الماضي. فعلى الرغم من أن العلاقة بين المملكة المتوكلية اليمنية والمملكة العربية السعودية لم تكن مستقرة ولا سلسة خلال فترة أربعينيات وخمسينيات القرن الماضي فإنه بدلا من أن يترتب على قيام الثورة اليمنية تصحيح لهذا الوضع فقد تسبب ذلك بتدهور العلاقات بين البلدين. فقبل قيام الثورة اليمنية كانت تحالفات البلدين متنافرة سواء الإقليمية منها أو الدولية. وقد ترتب على الاستفزازات المتبادلة بين البلدين إلى قيام حرب أهلية في اليمن. وقد انعكس ذلك سلبا على علاقة البلدين استمرت آثارها حتى وقت طويل بعد انتهاء الحرب الأهلية. فقد كان من وجهة نظري من الممكن أن تكون الثورة اليمنية فرصة لمراجعة العلاقة بين البلدين لو استفاد البلدان من الدروس السابقة لعلاقاتهما. فقد كان للدور السعودي أثر لا يستهان به في فشل ثورة ثمانية وأربعين مما كان يحتم على الثوار الجدد أخذ ذلك بعين الاعتبار. وكذلك فإن الإمام أحمد قد تصرف في مجال العلاقات الخارجية بشكل لا يأخذ بعين الاعتبار مصالح المملكة المشروعة الأمر الذي كان يفرض على المملكة عدم تقديم الدعم لبقايا نظامه. أما الفرصة الثالثة من وجهة نظري فقد تمثلت بعملية المصالحة اليمنية في بداية سبعينيات القرن الماضي.   فعلى الرغم من الدور الإيجابي الذي لعبته المملكة في إنجاز هذه المصالحة ومن حسن النوايا التي بادرت بها المملكة بعدها فإن العلاقة بين البلدين لم تتحول إلى علاقة استراتيجية. ويمكن القول بأن اللوم الكبير يقع على الجانب اليمني في هذه المرة. وربما يمكن تفسيير ذلك من خلال حجم الحملات الإعلامية التي شوهت العلاقات بين البلدين وخصوصا في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي وكذلك ما ترتب على تحالفات الحرب الباردة من علاقات غير منسجمة. ومع ذلك فقد كان من الممكن تجاوز ذلك لو عملت الدولتان كفريق واحد في هذا الإطار. ولسوء حظ اليمنيين والسعوديين فإن الخطوات الإيجابية التي بدأت في منتصف سبعينيات القرن الماضي قد بدأت تتراجع منذ منتصف ثمانينات القرن نفسه. وقد تمثل ذلك في وضع قيود على حركة العمالة بين البلدين وعلى تراجع حجم المساعدات السعودية لليمن. وتكمن أهمية هذه الاحداث أنها أظهرت هشاشة العلاقة اليمنية السعودية وبالتالي تأثرها الكبير بتصرفات غير استراتيجية. أما الفرصة الرابعة فكانت في توقيع اتفاقية ترسيم الحدود بين الدولتين. فقد كان من المفترض أن يترتب على ذلك تهيئة الظروف المناسبة لانطلاق العلاقة بين البلدين إلى أوسع مدى وأن يترتب على ذلك تقوية الروابط الاستراتيجية بين البلدين بعد ان تم تجفيف منابع المخاوف المشتركة بينهما. لكن وللأسف الشديد وعلى الرغم من الحديث المتكرر والمسهب عن مجالات التعاون بين البلدين فلم يتحقق على أرض الواقع إلا الشيء القليل والقليل جدا. وما من شك بأن ذلك قد أشاع شعورا من الإحباط لدى اليمنيين الذين كانت التوقعات لديهم كبيرة. ويمكن القول بأن الجزء الأكبر من اللوم ينبغي أن يتحمله الجانب السعودي في هذه المرحلة وخصوصا أنه هو الجانب القادر على المبادرة في هذا الأمر. فقد كان من المتوقع أن يقدم مبادرات لحسن النوايا كما فعل في سبعينيات القرن الماضي. إنني أعتقد بأن فتنة الحوثية والتي استهدفت الدولتين تمثل فرصة نادرة جديدة ينبغي على الدولتين أن لا تهدراها مرة أخرى. وفي هذه الحالة سيصدق القول: رب ضارة نافعة. فمن رحمة الله بالبلدين أن الحوثية عدوة لهما وبالتالي فإنها لم تستطع استخدام دولة ضد أخرى. ولذلك فقد توحد جهودهما بشكل تلقائي وبدون تنسيق مسبق. ولا شك أن ذلك يوفر مناخا مناسبا لمناقشة الأسس التي يمكن أن تضع العلاقة بين البلدين على طريق التطور والاستقرار والاستدامة.




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign