الصحافة البريطانية تكشف عن مضمون عروض امريكية مغرية لصنعاء        كهرباء عدن ....ماساة الصيف المتكرره تحت جنح الفشل والفساد الحكومي        غروندبرغ : نعمل على إطلاق الاسرى وتحسين القطاع الاقتصادي والمالي         مركز بحري دولي يحذر من سلاح يمني جديد      
    كتابات /
أسباب التطرف ودوافع الإرهاب

09/12/2014 22:35:18


 
صالح محمد مسعد(أبو أمجد)
يعتبر التطرف موقف فكري في الأساس، وهو شعور وجداني وسلوك عملي، بل وفعل وجودي يقوم على الغلو والاعتداد بالذات, انه مضاعفة لوجود الأنا تجاه الآخر والاستهانة بتفكيره وقدرته وإقصائه أمام الادعاء بامتلاك الحقيقة المطلقة. والتطرف من هذا المنظور هو خروج عن المألوف وعدم القبول بالتعايش المشترك.
التطرف عكس الاعتدال والتوسط، وهو الانجرار من الموقع المعتدل إلى الأبعد، أن تكون في أقصى طرف ما نحو اليمين أو اليسار في موقفك يعني ضمنا أنك غير راض بالأوضاع القائمة، وهي، ولا يعني التطرف كلفظ هو الإرهاب فقط، ولكن كمصطلح نعني به الغلو وتجاوز النسبة المعروفة والمعتادة المعمول بها، وكذلك الميل إلى طرف دون الآخر، وللتقريب نقول مثلا تطرفت الشمس إلى الغروب أي غربت، وقبل أن نتناول التطرف كمصطلح للإرهاب كموقف فكري في الدين نرى استعراض التطرف من لفظه الدلالي في الجانب العملي في الشأن العام بمحدداته المختلفة السياسية والاجتماعية والاقتصادية.
إن الموقف المتطرف يولد موقفا متطرفا آخر بحسب القانون الثالث لعالم الفيزياء البريطاني، إسحاق نيوتن، لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه، وفي مثال عملي لطالب في المدرسة, عندما أراد المدرس أن يشرح للطلاب هذا القانون من باب الفعل وردة الفعل فكانت بيده كرة, وأثناء الشرح سأل الطالب المدرس: توضيح القانون المذكور, فما كان من المدرس إلا أن ألقى الكرة في وجه الطالب فسقط الطالب وعادت الكرة باتجاه معاكس, قام الطالب فجأة فأخذ الكرسي وألقاه على رأس المدرس وبهذا حدثت ردة الفعل, في الحالتين رجوع الكرة في الاتجاه المعاكس واندفاع الطالب بالاعتداء على المدرس وهذا فعل إجرائي عملي لقانون طبيعي يمثل ردة فعل لحدث قبلي أي سابق, مثلا في البيئة الغير نظيفة أي التي لا تسود فيها القيم والعقلانية المتزنة فإنها قابلة لان تصبح بيئة رخوة للإرهاب ..القرون الوسطى في أوروبا والتي أصبحت مضرب المثل في الجهل والتطرف الديني, إلى حدود أنهم اخترعوا للمخالفين لهم في الدين محاكم التفتيش, وتفننوا بتعذيب الإنسان المخالف لآراء وتعليمات الكنيسة, ومارسوا فيها أسوأ أنواع التعذيب وأقساه, حيث ابتكروا غرفا خاصة تعد فيها كلاليب حديدية ومناشير وأدوات تعليق رأسا على عقب للمخالف بحيث لا يخرج الضحية أو المخالف منها إلا إلى القبر. ولذلك ساد التسلط الديني الرهيب في ظل التخلف الإنساني العجيب, وهذا على سبيل المثال قاد أوروبا إلى الإغراق في الإلحاد المادي, إلى حدود أنهم قضوا على فكرة التعالي الروحاني, ولكن هذا الفعل الإلحادي تراجعت حدته وبدأت الأصوات تتعالى ضده وتستنكره وتمضي في اتجاه مقاومته, كونه نتج عن تطرف, وأصبح الناتج تطرفا مضادا, وهكذا يعني أن التطرف الإلحادي هو نتاج أو ردة فعل على التفكير العقدي المتسلط, وطبيعة التفكير العقائدي المتصلب أنه يزيد صاحبه انغلاقا وتطرفا ودوجمائية.
هناك تفسيرات عديدة لظاهرة التطرف, لا يمكن أن نحصرها بظاهرة أو دوافع محدودة, والتطرف قد يخلق من البيئة, فالإنسان ابن بيئته, والمحيط والوسط الاجتماعي والجغرافي تكون مساهمة بنصيب في ذلك التطرف.
وفي واقع الحال هناك نظريات عديدة تفسر ظهور التطرف, منها الاعتقاد عند بعض علماء النفس, بأنه نتاج عوامل بيولوجية وليست تربوية, بمعنى أن لدى الفرد استعدادات بيولوجية قابلة لان يكون هذا الفرد متطرفا, والظروف والبيئة وغيرها ما هي إلا عوامل مساعدة لإظهار السمات الكامنة في المتطرف, ربما يكون هذا عاملا للتطرف. وعلى ضوء تطبيقه في الواقع, مثلا: نستدل أن الذين كانوا يقفون ضد الوحدة في العام 1990م ويخرجون الحشود والمظاهرات الحاشدة رفضا للوحدة, ثم أصبحوا اليوم يتمسكون بالوحدة ويعضون عليها بالنواجد, لا يكون هذا إلا من باب التطرف, يعني أن الموقف ضد الوحدة ثم التشبث بها هو سلوك متطرف وفي كلا الحالتين هو مسلك الإنسان الذي لديه الاستعداد التكويني أو العامل البيولوجي الكامن, بل أصبح مثل هؤلاء يديرون المتطرفين وينفذون عبرهم أهدافا خاصة، وبهذا يظهر تطرفهم.
أيضا هناك عوامل أخرى نتصور بأنها تخلق التطرف وتساعد على انتشاره منها:
1- الفقر والبطالة في المجتمع, غالبا ما تكون البطالة بين الشباب, وهذا أمر تؤكد الدراسات صحته, في حين أن كثيرا من المتطرفين هم نتاج هذه البيئة, ويتم الاستقطاب من هذه الأحياء الفقيرة المزدحمة التي تعتبر بيئة مناسبة لكسب الجهاديين, كما أن هذه البيئة المزدحمة التي لا تجد اهتمام الحكومة ولا رعايتها تخرج الأعداد الكبيرة من العاطلين عن العمل الذين يبحثون عن مخرج يساعدهم في الحصول على أبسط مقومات الحياة.
2- في الدولة الفاسدة والفاشلة التي تطحنها المشاكل المختلفة ويعيش مجتمعها في صراعات ونزاعات وحروب, وعدم استقرار كما هي اليمن والتي أصبحت بيئة مولدة وحاضنة للإرهاب .فالشباب فيها يبحث عن خلاص وغالبا ما يجده في عباءة الوعاظ أو السوق المفتوح لرجال الدين المحرضين للتمرد على الواقع بواقع متطرف، يعني بعبارات الجهاد, وأن الخروج من هذا الواقع لا يكون إلا بالجهاد لمعالجته, وهو أشبه بالعلاج بالكي.
3- نشوء وارتقاء التطرف عند الناس بسبب الازدواج الأخلاقي فمن الطبيعي أن يتسبب اتساع الهوة بين القيم السائدة والقيم المعلنة إلى الحيرة والقلق عند الإنسان نتيجة الازدواج بين القول والفعل, فيصبح الشخص أكثر عدوانية بعد شكه في مصداقية من حوله, فمثلا: يتعلم الطالب في المدرسة أو المسجد أن الكذب حرام والرشوة والسرقة والظلم والغدر والخيانة وغيرها فعل مشين وقد حرمها الله في نهيه وأمره, ومع ذلك يجد الكثير من هذه الأشياء سائدة ومتعمقة في المجتمع, على سبيل المثال يجد عمارة شاهقة شيدها صاحبها من الوظيفة العامة والمجتمع يعرف ذلك بأنها من المال العام, وقد كتب في أعلاها هذا من فضل ربي, أو ما شاء الله أو غيرها, هنا ينشأ ألم الصراع الداخلي في النفس, ثم لاحقا يحاول هذا الشخص التخلص من هذا الازدواج بين الحقيقة والواقع, فلا يجد غير الخروج على القيم المعلنة ليستريح في داخله, فلا يولد عن ذلك سوى التطرف بأشكاله المختلفة والمتباينة.
من الطبيعي أن المتطرف سيؤدي به تطرفه إلى الإرهاب, وبتأويل ديني, فالمتطرف يثني ويلوي النصوص والآيات القرآنية في اتجاه ميوله وأهوائه ويسخرها لتفكيره الجهنمي, ومن الطبيعي أن كل صاحب دين يعتبر أن دينه هو الدين الحقيقي لان المتطرف عندما يؤمن بعقيدة أو أيدلوجية, يرى أن الآخرين في مخالفتهم له إنما هم كافرون بالحقيقة التي يعتنقها. وهكذا يصبح لديه كل مخالف كافر, وبالتالي عدو ومن ثم وجب الاستعداد لمحاربته, فالدواعش كل واحد منهم مستعد لامتشاق السلاح دفاعا عن إيمانه مقابل كفر الآخرين, فتصير المعادلة كل مخالف كافر, فهو عدو, ومن ثم يجب محاربته, ولشدة الحماس يفرض التطرف بعدم التعامل مع الكافر. فكيف يتم ذلك وكل صاحب دين مخالف لدين المتطرف يعتبر كافر في نظره, وكل المسيحيين وأصحاب الديانات الأخرى كفار والحكومة وجيشها وأمنها وكل من يتعامل رسميا في الدولة مع الآخر غير المسلم يعتبر كافر في نظره وعقابه القتل, وفقا لفتوى الإمام محمد بن عبدالوهاب النجدي, الذي يقول فيها :من لم يكفر الكافر فهو كافر, أو من لم يبغض الكافر فهو كافر، مع أن المتطرفين يستخدمون كل الأدوات والوسائل التي هي من صنع الكافر ابتداء من صنبور الماء الذي يتوضأ منه المسلم للصلاة إلى لقمة العيش, إلى السيارة التي يتم تفخيخها لقتل الكافر, والمستوردة منه, فإذا توقفت العلاقة والتعامل مع هذا الكافر بالفعل ستنتهي حياة المتطرف قبل أن يقدم على الانتحار بالتفجير لقتل الكفار وهنا يكون هذا المتعصب الذي تحول إلى متطرف ثم إلى إرهابي قد أصبح همه تدمير الحياة التي أرادها الله لحكمة في خلقه.
ليقول لنا هؤلاء الإرهابيون كيف يفسرون النصوص التي تقول : "وجادلهم بالتي هي أحسن" أو التي تقول : "لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين" أو التي تقول : "ولو كنت فظا غليظ القلب لانفظوا من حولك", أو كيف يفسر لنا هؤلاء أن الرسول صلى الله عليه وسلم رهن درعه ليهودي وهو أداة حرب, وتوفى الرسول وعليه دين صاع من الحبوب لذلك اليهودي؟.
في الأخير تعتبر اليمن بيئة حاضنة للإرهاب نتيجة للتخلف وتزايد نسب الفقر والبطالة ومركزة الثروة بيد أفراد أو رموز محددة أو طبقة معينة وشيوع الرشوة والمحسوبية, والتعبئة الدينية المغلوطة, وانقلاب القيم كل ذلك يؤدي إلى نزوع بعضهم إلى التطرف في مواجهة أجهزة الدولة, ومن الأسباب الأخرى أيضا ظلت بعض العناصر والرموز العسكرية والدينية تناور بهؤلاء الإرهابيين وتستخدمهم لتحقيق أغراض آنية بالإضافة إلى وجود بعض المشايخ والوجهاء ونتيجة للتخلف يعتبرون عناصر الإرهاب جماعات دينية يجب مناصرتها ومؤازراتها واستخدامها أيضا ورقة رابحة تجلب لهم المزيد من الأموال نتيجة الضغط على الحكومة عبر تفعيل هذه العناصر.
المشكلة الكبرى في اليمن تكمن في قبيلة متعفنة بمشايخها المتكلسة مع رجال دين متعصبة ومتمذهبة وبين ثلاثة الأثافي ينبت وينمو ويزدهر هذا التطرف والإرهاب.
ومن الله الهدى نسأل
صالح محمد مسعد (أبو أمجد)
7/12/2014م




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign