صنعاء ترفع سقف التصعبد البحري مع اسرائيل إلى البحر الأبيض        صنعاء ,, مسيرات مليونية تضامناً مع غزة        مخاوف سعودية من تحقيق صنعاء المزيد من المكاسب على الارض       واشنطن تجدد اعترافها ,, معركة البحر الأحمر ليس كالمتوقع      
    كتابات /
أنصار الله.. من شعار الصرخة إلى الحكم باسم الإمامة

03/12/2014 21:37:07


 
صالح محمد مسعد(أبو أمجد)
لم يكن شعار الصرخة الذي اتخذه أنصار الله أيقونة مرفوعة على راية حركتهم المدعية بالتغيير ،لا لمجرد تمييز للهوية والطائفية فقط ،بل كشعار استباقي يمزج بين السياسة والدين ،لمنع الولاء في الحكم لغير أهل البيت أو هكذا يكون عبارة عن تبرير لفوارق يستدل عليها من خلال حكم النخبة التي وهبت العصمة من الخالق ،كونها سلالة يمتد نسبها إلى بيت النبوة وذلك يمنحهم الوصول إلى الحكم بوصاية دينية.
في الحقيقة أن شعار الصرخة هو إنتاج عزلة بعد عزة حكم، وهو اندفاع شعوري لكبت داخلي وكذلك تعويض نفسي لإثبات وجود، خاصة بعد معاناة الإقصاء السياسي الذي تعرض لها رموز الحكم الإمامي الزيدي وأتباعهم بعد ثورة سبتمبر 62م.. بيد أن الفكر الديني عادة ما يتوغل في المجتمعات ويستهوي أفئدة الكثيرين من العامة فيترسخ في الوجدان ولن يمحى أثره بسهولة، وهذا ما ساعد الفكر السياسي الزيدي على الاستمرار والصمود وسط البيئة التي نشأ فيها هذا الفكر الديني وتعمق لقرون طويلة، ليعود اليوم بذاكرة شعبية جديدة لم يغنها أو يعوضها الفكر السلفي والإخواني عن الفكر الأصلي (الزيدي) منذ ألف ومائتي عام على تأسيسه في اليمن.
لقد ارتبط قيام الدولة الزيدية في اليمن ذات الفكر الديني الإمامي بالسياسة والحكم مثلما ارتبط الدين بالسياسة في بقية الدول العربية. إذ تبقى الحاكمية هي المشكلة الرئيسية التي يحوم الصراع السياسي حولها دوما في بلداننا العربية عموما، ذلك لأن السياسية تقدم الوسائل وتخفي الهدف المتمثل بالوصول إلى الحكم، ولذلك تستخدم كل الوسائل التي يتحقق الهدف منها، حيث وجدت في الدين ضالتها لتنتصر به وتحت رايته، مع الأخذ بالاعتبار أن التضليل باسم الدين يجد طريقه إلى قلوب الناس بسهولة ويسر. وهكذا اتخذ كل طالب للحكم والسياسة في بلداننا العربية نموذجه وتأسيه بدولة المدينة التي قامت في ظل الوحي لنبي مرسل متخذين تأويلات النصوص وبعض الأقوال والأحاديث الوضعية ذريعة لذلك .ومن المعلوم أن الدين والتشريع كان قد اكتمل كوحي سماوي بوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم ،والذي جمع فيه بين النبوة والحكم ،ولا يكون لخليفة بعده أن يأخذ نفس الصورة لدولة المدينة، حتى عندما قامت الخلافة الراشدة في عهد الخلفاء الأربعة، أخذت السياسة والحكم صورة مغايرة لدولة المدينة التي تأسست مع الوحي، وكان طابعها متغير في ظل المتغيرات التي تطرأ أثناء التوسع الذي يحدث وتراعى فيه مصالح الناس ومتغيرات الحياة .لهذا اختلف الناس من أول يوم لوفاة الرسول صلى الله عليه وسلم وقبل أن تدفن روحه الطاهرة، فامتنع مجموعة من الصحابة أغلبهم من ذوي الفضل والسبق في الإسلام عن مبايعة أبي بكر، ومع ذلك لم يظهر حديث من هؤلاء بما فيهم علي كرم الله وجهه، يشير أو يؤكد أن الخلافة في آل البيت، ولم يتذرع علي بن أبي طالب نفسه بحديث الثقلين أو برواية غدير خم. ولو كانت هناك إشارة أو وصية من الرسول صلى الله عليه وسلم لعلي, لما ساد الهرج والمرج والتوتر الذي وصل إلى حد إشهار السيوف لحسم الخلاف، في قضية الحكم، ولما استطاع أحد أن يقف أمام وصية أو حديث عن الخلافة والحكم من بعد قول الرسول صلى الله عليه وسلم، ولكن كانت التوجهات والأفعال من الرسول الأعظم صلوات الله عليه قبل وفاته، تؤكد بأن الأمر شورى بين المسلمين من خلال تركه هذا الأمر وفقا للنص (وأمرهم شورى بينهم). بالرغم من أنه استحسن بطريقة غير مباشرة لذلك الأمر رفيقه وصاحبه في الحل والترحال ،أبا بكر، ولم يفرضه على الناس مع شعوره بدنو أجله وانتقاله إلى الرفيق الأعلى، وكان هذا الفعل دليلا على أن الأمر شورى وحتى لا يصبح عادة لتعيين الحكام عند المسلمين من بعده، وهو الذي بشر بأنها ستكون فتن كقطع الليل بسبب الصراع على السلطة.
وبالمثل سئل علي بن أبي طالب بعد أن طعنه الخارجي، عبدالرحمن بن ملجم، هل سيخلفه ابنه الحسن ليبايعوه في الحكم فرد عليهم بأن الأمر يخضع لرغبتهم وشورى عامة الناس، ولم يقل إن ابنه أحق بالخلافة لأنه من سلالة النبوة.
وهكذا كان الأصل في الخلافة والحكم في السيرة النبوية والخلافة الراشدة، فكيف يأتي بعد ذلك من هو أدنى منزلة من الرسول صلى الله عليه وسلم ومن خلفائه الراشدين، ليقرر بعدهم أن لديه وصية في الخلافة لحكم المسلمين ليحكمهم بالهداية الإلهية وبالعصمة الربانية، مع أن العصمة لم تكن إلا لله ولرسوله ولكتابه المنزل والتشريعات الموحاة للرسول صلى الله عليه وسلم فقط. وما عدا ذلك فباطل ما يدعيه أي إنسان بالحق الإلهي في الحكم، لميزات أو خصائص فوق بشرية .. فمنذ خلافة معاوية أي بعد الخلفاء الراشدين استمر التأويل والدعوى بأحقية الخلافة والحكم باسم الدين وانتشرت الأحاديث الوضعية والروايات الأسطورية لتثبيت دعائم الملك والسلطان، كما فعل كثير من الحكام منذ العقد الأخير في نصف القرن الهجري الأول إلى اليوم، حيث عمد الأمويون إلى تثبيت القول بحق قريش في الخلافة لأن الأمويين جميعهم من قريش، ومن بعدهم ثبت العباسيون دعائم ملكهم بأن أطلقوا نظرية تقضي بحصر الخلافة في بني العباس لهدف قطع العلاقة حتى على العلويين وغيرهم من قريش، وفي مقابل دعاوى الأمويين والعباسيين أحقيتهم بالخلافة، أطلق فرقاؤهم من العلويين نظرية حصر الإمامة في البطنين أي من أبناء الحسن والحسين، حتى وإن كانوا من أبناء علي ، إلى آخر تلك الدعاوى ،إلا أن نظرية حصر الخلافة في البطنين التي يقوم عليها المذهب الزيدي والذي ينتشر في اليمن، فقد كانوا أكثر قدرة على إقناع الناس، بسبب قرابتهم من النبي محمد صلى الله عليه وسلم ،إلا أن الفكر السياسي الزيدي في أصله وجوهره مذهب متحرر نوعا ما من القيود المتشددة في انتزاع الحكم على ضوء الأحقية الإلهية التي ترتبط بعصمة الإمام واعتبار الخلافة والحكم في آل البيت ركناً من أركان الدين، كما هو عند الشيعة الإمامية وبعض الغلاة ..وتقر الزيدية حق الفاضل من المفضول والذي تتوفر فيه صفات الحاكم العادل القادر الكفؤ حتى من خارج آل البيت، كما كان الإمام زيد بن علي مؤسس المذهب الزيدي لا يشترط للزعامة سوى الكفاءة والتقوى، ولا تأثير للانتساب في الإنسان على حمل المسؤولية الكبرى وهي الحكم، إلا أن الزيدية في اليمن سجلت في حقب من تاريخها تشدداً لصالح الانتساب السلالي لآل البيت والحصر بالبطنين، والتذرع في الاستدلال بالفضائل، وبالحق الإلهي وغيرها. حتى جرت صراعات وسالت دماء كثيرة بين الأبناء عند نقل الخلافة للأولاد، إلا أن المتغيرات في العصر الحديث وفي الحياة والواقع الحالي دفعت بجماعة علماء الزيدية في اليمن خلال العقدين الماضيين إلى الاعتراف بأن نظرية الإمامة في البطنين ما هي إلا رؤية سياسية في أساسها لا تستند إلى قاعدة شرعية تثبت الاختصاص لفرد دون غيره، وأجمع علماء الزيدية الحاليين على القول: باستحقاق كل كفؤٍ قادر للولاية العامة، وأن القول بأن الولاية العامة حق ديني خاص بفئة معينة دون غيرها، لا يقوم على دليل مقنع، وبذلك تتجاوز الزيدية الشروط الدينية المتكلفة أو المتخصصة في سلالة أو فئة معينة من الناس.
لكن ما يجري على أرض الواقع اليوم يدلل على استمرار النسق التقليدي الأبوي في الحكم، والوصول إليه بدوافع تعصبية سلالية تدار من صعدة المركز الديني للرموز الدينية من آل البيت، والمعلوم من التاريخ أن الفكر السياسي الزيدي هو فكر مقاوم ثائر ضد الظلم ومن عادته الخروج على الظالم وإشهار السيف في وجهه. لكن المعادلة يبدو أنها قد تتغير بين لحظة وأخرى.
حينما وقف أنصار الله ضد الجرعة وادعاء محاربة الفساد والمفسدين والإرهاب والتي بها كسب الرأي العام، والتفت كثير من الجماهير حولهم. بعدها يبدو أن غرور السلطة قد يفقدهم الاتزان ويغير أهدافهم، فلم نجد بعد دخولهم صنعاء بداية جادة لمحاربة الفساد لأن نظام الفساد ومؤسسيه ورجالاته أصبحوا شركاء في السلطة الجديدة وأصبح رمز النظام القديم يراهن على العودة إلى السلطة وبفعل هذا التحالف أصبح يتصدر المشهد السياسي، في الوقت الذي يجب أن يصبح إلى زوال.
وفي الوقت الذي وعد فيه أنصار الله بحل القضية الجنوبية، أثناء نضالهم من أجل تعزيز مكانتهم وإثبات وجودهم وفي أثناء مظلوميتهم, كانت تلك الوعود شعارات رنانة بأنهم سينصفون الجنوب في مطالبه ويحققون رغبته في تقرير مصيره، إلا أن القضية الجنوبية أصبحت أمام قاضٍ هو شريك الجلاد (النظام القديم ورموزه )الذي أنهى أسس ومقومات الوحدة. فأي وحدة اليوم يريدها الشريكان بعد أن تهدمت أسس ومقومات وجودها، بينما الشريكان يرعى كل واحد منهما مصلحة الآخر، في حين أن مصلحة الوحدة تنتفي مطلقا مع مصلحة الجلاد، وقد وصلت فيها عوامل وشروط قيام الوحدة إلى طريق اللاعودة.
فهل سيقف أنصار الله موقف الجلاد، أو بالادعاء الديني كسابقيهم بأن الوحدة فريضة من الله؟أم سيعملون وفقا لريديكالية وروح التغيير من أجل العدل ورفض الظلم، والتي ميزت تأريخ فكرهم السياسي؟ وهذا يجعلهم معنيين بالوقوف مع الشعب الجنوبي في خياراته الإنسانية العادلة, وفي تقرير مصيره.


صالح محمد مسعد(أبو أمجد)
30/11/2014م
عنوان




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign