المبعوث الاممي يدعو لعدم ربط الحل السياسي في اليمن بقضايا اخرى        تعثر خطة الرد الاسرائيلي على ايران        اعتراف امريكي بريطاني بنجاح الهجمات اليمنية البحرية والجوية        صنعاء ,, انفجار اسطوانة غاز يتسبب باندلاع حريق هائل في سوق شعبي     
    كتابات /
تحالف أنصار الله ورئيس المؤتمر الشعبي وحزبه.. تحالف تكتيكي أو استراتيجي؟

19/11/2014 17:49:55
صالح محمد مسعد(أبو أمجد)
في كل تحالف تكتيكي أو استراتيجي أو تاريخي بين تيارين أو مكونين اجتماعيين أو سياسيين فإنهما يسعيان من وراء ذلك إلى تحقيق نتائج وأهداف سياسية أو اقتصادية أو عسكرية، وتربطهما أساسًا نقطة التقاء أو تقاطع مشتركة، يتوصل عبرها طرفا التحالف إلى النتائج المتوخاة من هذا التحالف، سواء أكانت مصالح مشتركة أم خاصة بكل طرف.. وفي موضوعنا هذا فإن علاقة التحالف بين الرئيس المعزول صالح ومؤتمره الشعبي, وبين أنصار الله، هو تحالف تكتيكي حذر، يستند إلى مرجعية تاريخية مشتركة أساسها المذهب والعلاقات القبلية التاريخية.
لقد ساهمت المتغيرات العصرية بتأثيرها في المجتمع اليمني، خاصة في الشمال، وأظهرت علاقات التباين والمفاجآت الصادمة للقوى التقليدية. حيث كان تأثير هذه المتغيرات من خارج موروثه الذي استمر أكثر من إحدى عشر قرنًا.. ولمعرفة أبعاد هذا التحالف بمرجعيته التاريخية لا بد من مدخل تاريخي موجز عن طبيعة علاقة المجتمع بالدولة في اليمن خلال الحقبة الأخيرة من قيام ثورة سبتمبر على الأقل.
بعد أن عصفت ثورة 26 سبتمبر بنظام الدولة الإمامي القبلي في الجمهورية العربية اليمنية سابقًا وإقامة النظام الجمهوري الذي لم تخصب له التربة أو تتقبله البيئة التقليدية اليمنية، والتي قاومت بذلك طموح وتطلعات فئات تنشد الحرية من الشعب.. هذه الفئات كونت معادلة غير متكافئة مع البيئة والتخلف الاجتماعي في الشمال، إلا أن الجانب الآخر من طرفي المعادلة المتمثل في الجماعات القبلية والإقطاعيات العشائرية التي تطمح إلى الحكم والمصالح، قد نظرت إلى الثورة والنظام الجديد بأنه يمثل انتصارًا لمصالحها بعد أن عانت من الصراعات القديمة مع الإمامة، وطرحت مفهومًا مخالفًا للنظام الجديد الجمهوري بعد أن قفزت إلى صفه وفي مقدمته، هذا المفهوم يقوم على استخدام شعار النظام الجمهوري كمطية للوصول إلى الحكم والسلطة بإزاحة الإمامة واعتبار المناطق القبلية التي ينتمون إليها تابعة الولاء لهم، كما تحكم بقية المناطق باسم الدولة أيضًا، لكنها تعتمد على الولاء القبلي للمتسلطين في هذا النظام.
لقد تأصلت بهذه الجماعات الإقطاعية والعشائرية القبلية الداعمة للنظام الجمهوري ترسيخ ظاهرة المشايخ، والتي أصبحت عبارة عن دولة داخل الدولة، بعد قيام ثورة 26 سبتمبر.
على ضوء ذلك تمكنت الجماعات القبلية والمشيخية في كثير من المناطق أن تحكم مناطقها عوضًا عن الدولة، في سبيل مناصرة النظام الجمهوري، مع عدم الاحتكام له، وفي سبيل مقاومة النظام الملكي، بما يعني مقاومتهم المباشرة وغير المباشرة للنظامين الجمهوري والملكي بالوقوف في الصف الجمهوري، لا من اجل انتصار الثورة والجمهورية بمضمونها السياسي الجديد، بل من أجل الحيلولة دون عودة النظام الملكي المباد، كما وقف - أيضًا - البعض الآخر في الصف الملكي، أي الإمامة، ليس من أجل عودته إلى الحكم، بل من اجل إجبار النظام الجمهوري على الاعتراف بمصالحها القبلية والعشائرية، وإفراغ النظام الجمهوري الجديد من مضمونه السياسي والاجتماعي في قيام دولة مركزية قوية ترسي العدل والمساواة.. وهكذا ظلت العلاقات السياسية والاجتماعية في الجمهورية العربية اليمنية علاقات ذات بنيوية نمطية تقوم على الأعراف والعادات والتقاليد القبلية وأولويات المصالح، اعتمادًا على غلبة وقوة القبيلة وتحالفاتها المختلفة، والتي تحكم بشعار الجمهورية والدولة في ظل سيادة العشيرة بمرجعيتها القبلية.
هكذا استمر الوضع إلى نهاية الستينيات بهزيمة النظام الملكي، كانت القوة القبلية والعشائرية قد طورت الكثير من مصالحها السياسية والاقتصادية، وأصبحت قوة مؤثرة من الداخل أكثر من النظام الجمهوري وأضعفت معه نفوذ السلطة القانونية والإدارية للدولة بصورة مباشرة وغير مباشرة في أغلب مناطق الشمال اليمني، فقامت الدولة منذ بداية السبعينيات على هذه الاستراتيجية من الضعف كجزء لا يتجزأ من الاستراتيجية التاريخية لهذه القوى وتطلعاتها الدائمة إلى إضعاف نفوذ الدولة والحلول محلها.
إن من مميزات المجتمع اليمني، خاصة الشمالي، تجاه بناء الدولة تتمثل بالتالي:
1- قيام السلطة السياسية على أساس قبلي، حيث تتحكم القبيلة القوية بتحالفاتها المختلفة بسلطة الدولة، وخلطها بسلطة وامتيازات القبيلة، والاستناد عليها في فرض أعراف وعادات القبيلة فوق سلطة الدولة وقوة القوانين وتشريعات مؤسساتها الحكومية.
2- رفض ومقاومة سلطة الدولة ومعارضة وجودها، والتي عادة ما تصدر عن الزعامات والوجاهات الاجتماعية، وعلى رأسها المشايخ الذين يتعاونون في معارضة ومقاومة أية سلطة مركزية قوية للدولة؛ خوفًا من أن تسلبهم دورهم القبلي.
3- جرت العادة في هذه المناطق أن تقبل زعامات القبيلة بدور محدد وضعيف للدولة، بحيث تحتوي بواسطتها بقايا أفراد المجتمع وفي الأطراف أو التجمعات الغير منضوية في إطار قبلية لكي يسهل احتواء القرار السياسي ودور الدولة بالتمثيل والإنابة لدور ومصالح القبيلة.
4- يتمتع رموز ومشايخ القبيلة بدورهم القوي في المجتمع بالاستناد إلى القبيلة، وتتميز هذه الرموز بفكرتها السلبية عن الدولة المركزية القوية، لذلك تُزاوج بين مصالحها وشكل الدولة التي تحمي تلك المصالح من العامة؛ خوفًا من تمردها، بالإضافة إلى أنها تضع رموز القبيلة في رأس السلطة، وتتحالف مع القبائل الأخرى مقابل ما توفره الدولة من مصالح للمتحالفين والموالين لها.
استمرت هذه الحالة من بعد قيام ثورة سبتمبر 62م إلى قيام الوحدة اليمنية عام 90م.. وفي أثناء ذلك تغيرت المعادلة السياسية والاجتماعية في المحافظات الشمالية فتحالف رئيس النظام صالح مع مكون سياسي ديني قبلي وعسكري جديد خاصة بعد التأثير الإخواني والسلفي الوهابي داخل اليمن في الثلث الأخير من القرن الماضي، وتشكل كحزب في إطار حماية القبيلة الرئيسة لمواجهة الوحدة ضد شريكها الجنوبي، خاصة الحزب الاشتراكي الذي بدأ بالتآمر عليه وعلى الوحدة بالشروع في الاغتيالات، بذريعة محاربة الشيوعية، وبهذا التحالف استطاع الرئيس المعزول أن يضعف الشريك الجنوبي ويصل إلى هدفه في إقصائه بعد شن الحرب الظالمة على الجنوب عام 94م.. إذ يعتبر مثل هذا التحالف نوعًا من الخديعة والاحتيال، وضرب عصفورين بحجر؛ للتخلص من خصوم سياسيين وشركاء في الوحدة، هم الجنوبيون، وخصوم سياسيين وشركاء تاريخيين في العلاقات القبلية والمذهب، هم الإمامة وأتباعهم؛ من اجل التفرد بالحكم والمصالح، بعد أن فتحت له الوحدة مجال التأثير والسيطرة السياسية الواسعة.. ومع الاستمرار بهذا النزق والسياسة التي اتبعها صالح في الاعتماد على الولاءات والانكفاء على القبلية والاستحواذ بالمصالح والمكاسب المادية والسياسية التي تولدت في ظرف مرحلي مناسب، فسرعان ما انقشع تحالفه القبلي والديني والعسكري الجديد وانقلب إلى الضد، وتزعزع معه أركان نظام الرئيس السابق وصولا إلى خلعه من قبل شركاء المصالح والقبيلة في هذا التحالف، حتى كادوا أن يودوا بحياته.
بعد أن أزاحت الرئيس السابق ثورة رفاق دربه وحلفائه، ومنهم أقربائه، سرعان ما أدرك صالح ضرورة لحاقه بثورة جديدة يقاضي بها خصومه القدامى في الحكم، وهكذا فكر في تحالف جديد يستند إلى العامل التاريخي والديني والاجتماعي القبلي، في تحالف جديد يصل بما يسمى بالزعيم إلى الهدف ويوفر له حق الانتقام من خصومه الألداء الذين اعتبرهم ناكري الجميل وجاحدين بالفضل له، يجب معاقبتهم بالانتقام منهم مهما كلف الأمر.
لقد كان دور وقوة تأثير خصومه وشركائه الناكثين شديد الخطورة والتأثير عليه، وأصبحوا يهددون حياته وسلطتة، لكنه انسحب إلى الضفة الأخرى للبحث عن شراكة وتحالف جديد رغم أنه لا يوجد إلا الخصوم أمامه كمراكز قوى، ولكنه بحث عن القاسم المشترك في تحالفه الجديد مع أنصار الله، وجنّد لأجل ذلك الموروث الثقافي بما فيه المذهب والتأريخ والعلاقات القبلية، ولهذا الغرض التحق بالثورة الجديدة مع خصمه القديم (الحوثيين)، فكان ذلك مقابل حاجة الطرفين المتحالفين كل منهما للطرف الآخر، وما زال الطرفان في تحالفهما بحاجة إلى الاستمرار من اجل المصلحة والهدف، وعبر هذا التحالف وصل أنصار الله إلى أبواب العاصمة صنعاء واقتحامهم لها بسهولة ويسر، كما وصل الحليف الآخر (صالح) إلى هدفه وأشفى غليله بالقضاء على خصومه.
بهذا التحالف يكون الرئيس المعزول قد عمل بطريقة مباشرة وغير مباشرة على التالي:
1- الاعتراف بثورة 21 سبتمبر التي قادها أنصار الله بأنها ثورة حقيقية عملت على تصحيح مسار ثورة 11 فبراير عام 2011م بادعاء القضاء على الفساد بمعايير المصالح الذاتية.
2- اعتراف الرئيس السابق بالمظلومية التي ساهم هو فيها بحروب صعدة ضد خصوم السياسة والحكم معه، لذا عوضهم بتمكينهم من السلطة الجديدة.
3- استبدال ثورة 26سبتمبر عام62م بثورة 21 سبتمبر هذا العام كاعتراف ضمني من قبل الرئيس المعزول بالخطأ الواضح التي قامت من أجله ثورة 26 سبتمبر عام 1962م، وهو يمثّل في النهاية عدم اعتراف بالنظام الجمهوري الذي تأسس بدون قيام دولة حقيقية.
4- أن الأولوية ليست للوطن ومصالحه، بل هي للقبيلة ومصالحها.
5- أخيرًا لقد شرع الرئيس السابق وفتح على نفسه أبواب المجهول، بينما هو يكرر الحديث بحرص، بعد هذا كله، عن الوحدة؛ لأنها تمثّل المصالح والقاسم المشترك لبقاء ودوام جميع مصالح رموز الحكم والقبيلة، كي تستمر الأوضاع على عادتها، وهو يعلم تمامًا أن زوال الوحدة هو زوال له ولأمثاله وكل رموز السلطة والوجاهة في الجمهورية اليمنية في ظل الوحدة الحالية التي لم يستفد منها الشعب في الشمال، وخسر فيها الشعب الجنوبي كل شيء عدا أصحاب السلطة في دولة الوحدة.
والله ولي التوفيق
صالح محمد مسعد (أبو أمجد)





جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign