الصحافة البريطانية تكشف عن مضمون عروض امريكية مغرية لصنعاء        كهرباء عدن ....ماساة الصيف المتكرره تحت جنح الفشل والفساد الحكومي        غروندبرغ : نعمل على إطلاق الاسرى وتحسين القطاع الاقتصادي والمالي         مركز بحري دولي يحذر من سلاح يمني جديد      
    كتابات /
هل يدعم أنصار الله بناء دولة قوية لا طائفية..

05/11/2014 16:57:03


 
صالح محمد مسعد(أبو أمجد)
تعتبر قوة الدولة داخليًّا هي حجر الزاوية في تحديد أبعاد الدور الذي تؤديه في البناء والتنمية والاستقرار والنهضة، وحماية السيادة، ولا نعني بقوة الدولة خارجيًّا، بل نقصد به فرض هيبة الدولة داخليًّا؛ لأن اليمن لم تستطع بعد أن تفرض نظامها أو أن تضبط حقوق المواطنة وترسي العدل والمساواة، والغرض هو فرض القوة المعنوية للدولة بالتلازم مع بناء القوة المادية في الاقتصاد والتنمية والبناء، والقدرات البيئية والسكانية، والقدرات الثقافية والتنظيمية والعسكرية وهكذا، الأهم من ذلك هو الإجابة عن الأسئلة التي تبرز، كيف تم وصول أنصار الله إلى السلطة باكتساح العاصمة صنعاء ودخولهم بقوة السلاح تحت حجة الثورة والمطالب الشعبية؟، كيف تم ذلك بهذه الطريقة الدراماتيكية السريعة؟، وما هي الأطراف التي وقفت معهم داخلية أو خارجية، هل يمثل أنصار الله ضرورة سياسية لبناء دولة حديثة، أم أن هدفهم إقامة دولة دينية إمامية؟.
لا يبتعد الأمر عن الغرابة والمفاجآت التي تجعل التفكير ينزلق بشطحات خيالية تصنف هذه المستجدات تحت نظرية المؤامرة؛ كونها عملية متشابكة دخلت فيها أطراف كثيرة داخلية وخارجية، أصبح فيها المتغير خارقًا للعادة، فانحرفت المعادلة عن القوانين والنواميس الطبيعية ليصبح ليس بالضرورة أن يكون القط عدوا للفأر دوما، بل قد يتحول العِداء إلى أُلفة ومعاشرة جديدة بين المتنافرين.
أدى التنافر بين مركزي القوى الإقليمية - بفعل التهديدات الجديدة من قبل الدولة الإسلامية في العراق والشام - إلى تفاهمات وتقارب جديد في المنطقة، خاصة بعد لقاء وزيري الخارجية الإيراني والسعودي في الشهر الماضي في نيويورك، بعد أن تقاطعت المصلحة في موقف جديد للدولتين، والذي يقتضي وقوفهما ضد تهديد مشترك يتمثل بامتداد وتوسع الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، ارتبط ذلك بإعلان تنظيم القاعدة في جزيرة العرب في اليمن - أثناء الأزمة الأخيرة في الحرب الدائرة بين الإصلاح وأنصار الله حول العاصمة صنعاء - أن اليمن ستكون جزءًا من امتداد الدولة الإسلامية في العراق والشام، وهو الموقف الصادم للمجتمع الدولي ودول الجوار، خاصة السعودية، الأمر الذي جعلها تتوق إلى خيارات أخرى من غير تنظيم القاعدة، مهما بلغت تلك الخيارات من السوء، بعد أن انتشرت القاعدة على الأرض بفترة زمنية قياسية، وأصبحت قوة تهدد كلا من العراق وسوريا، طالما عين (داعش) على المملكة الأكبر مصدرًا للنفط في العالم، في حين أن زعماء داعش يعلمون أن لديهم مخزونًا بشريًّا من الجهاديين في المملكة؛ كونها مركز الإنتاج الفكري وقاعدة المدد للمقاتلين الجهاديين في كل مكان، والذي بدأ من أفغانستان قبل ثلاثة عقود ونصف كتأسيس عملي للفكر الجهادي الوهابي، ولن ينتهي طالما تبنت الدولة فكر الإسلام السياسي، هذا القائم على التحالف بين الدين والسياسة كوظيفة للجهاد، وتعلم المملكة من التجربة أن اليمن هي البيئة الحاضنة لمنتوجها الفكري بحكم العوامل الكثيرة، منها: أن اليمن بلد فقير، وهناك رغبة من دول الجوار لإفقاره من أجل السيطرة عليه والتحكم بسياسة الدولة فيه بواسطة المال أو الحاجة إلى الدعم الاقتصادي له.. فلا يمكن لأية سلطة تقود اليمن أن تأتي من خارج إرادة دول الجوار الغنية، خاصة المملكة، وهي التي تفرض تبعية رموز السلطة في اليمن ابتداء من الرئيس إلى أصغر نافذ فيه كي يلتزم لتوجهات هذه الدول الخليجية، وينفذ أجندتها وسياستها المفروضة؛ لأن المخصصات المالية تأتي من هذه الدول، وتعلم هذه الدول التي تتحكم باليمن أنها لا تريد دولة قوية فيه، ولن تسمح بذلك؛ لأن الشيخ أو المسؤول اليمني هو البديل للدولة ومؤسساتها، وهذا يسهل توجيهه وتحريكه وتمرير الأوامر عبره بسرعة وبدون عناء عوضًا عن الدولة.
لقد اختارت دول الجوار، وخاصة المملكة أثناء الأحداث والحرب بين (الإصلاح وحلفائه من القاعدة وبين أنصار الله)، أقل الضررين على مضض، حينما وجدت أن الإخوان غير مرغوب فيهم لدى حكام المملكة، وهذا يتعلق بالجانب التأريخي في علاقتهم بها، مع أنهم غير مرغوب فيهم حتى لدى العالم بسبب تشددهم الديني وتحول بعض أفرادهم إلى عناصر جهادية، وتعاطف هذه الأحزاب الدينية مع تنظيم القاعدة، والذي أدى إلى توسعها وانتشارها، خاصة بعد وصول هذه الأحزاب الإسلامية إلى السلطة.. وهذا ما فرض على الدولتين الإقليميتين (السعودية، وإيران) التقارب الذي يفرض تنازلات معينة من قبل كلّ منهما، ويفرض عليهما مغامرات غير محسوبة النتائج جراء هذه العلاقة.. ربما يكون وصول السعودية إلى دور التأثير والنفوذ في النظام العراقي، بعد اختيار رئيس الوزراء الجديد (العبادي) هناك، قد سمح لإيران نفس النفوذ في الشأن اليمني كمقايضة للدور السعودي في العراق مؤخرًا، والذي يتم بموجبه السماح لأنصار الله باجتياح العاصمة بعد أن أصبح البديل غير ذلك هو (الدولة الإسلامية)، وسيطرة تنظيم القاعدة على العاصمة بمساعدة الإخوان والجناح العسكري للإصلاح (علي محسن) أو هكذا يمكن تصنيفه، والذي مارس هذا الدور خلال الفترة الماضية، ناهيك عن استخدامه لعناصر القاعدة في عمليات عديدة داخل اليمن، وله باع طويل في استخدام وتربية هذه العناصر منذ بداية الوحدة اليمنية عام 1990م في اغتيال الكوادر الجنوبية.
إن الأحداث الأخيرة في اليمن كانت محل اهتمام ودراسة وبحث لدى بعض الدول الكبرى وكذلك السعودية نفسها، الأمر الذي يقف وراء تغيّر مواقفها الأخيرة على أقل تقدير، رغم تذبذبها في الموقف.. ويستنتج المتابع والمراقب للأحداث على الساحتين الإقليمية والداخلية، وكذلك الدولية أن اليمن أصبح تحت مرمى الأنظار ومحل اهتمام العالم بعد متغيرات متسارعة تعجل بسقوط اليمن، أدى ذلك إلى تدخل الشأن الدولي والإقليمي في تسوية أوضاعه نتيجة الخوف من سقوطه، والذي سيؤثر على منطقة الخليج، المصدر الرئيس للطاقة لدول المصالح الكبرى، وينتج عن ذلك أن تنظيم القاعدة بمسمياته المختلفة، من أنصار الشريعة إلى تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، إلى تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، كلها تمثّل خطرًا أكبر على تفكك وانهيار الدولة اليمنية، حيث ظهر أن وصول الأحزاب السياسية الإسلامية إلى السلطة عجلت بسرعة توسع وانتشار التنظيمات الإرهابية وتقويتها، حيث يتضح أنه ليس هناك من بديل آخر يكون فعّالا لمكافحة الإرهاب سوى الاتجاهات الراديكالية الشيعية، ومنها الزيدية أو أنصار الله في اليمن، إذ يعتبر اليمن الموقع الأكثر خصوبة لتنظيم القاعدة، رغم أن هذا التوجه لمكافحة الإرهاب ليس علنيًّا، ولم يخرج إلى نطاق السياسة الفعلية، وهو رأي مفترض لدينا، إلا أنه يصعب إزالته من باب الاحتمالات المفترضة على المدى القريب والبعيد، وخاصة في الدراسات البحثية التي تهتم بمكافحة الأنشطة الإرهابية في الشرق الأوسط.. ومع ذلك فإن السعودية غير مقتنعة تمامًا بهذا التوجه، إذ يفرض عليها توجهها الأيديولوجي التذبذب، وعدم الثبات على موقف كهذا تجاه نشاط الإرهاب، وهذا الأمر قد انعكس في موقف الرئيس هادي وتصريحاته المضطربة والمتناقضة والتابعة لتوجهات المملكة، ناهيك عن أن المملكة لها تبريرات أخرى قد تظهر على السطح أشبه بمبررات التعويض النفسي بحكم نزعتها الفكرية الدوجمائية في التعامل مع الآخر المذهبي المناوئ لها، مثل الطوائف الشيعية داخل المملكة، وأيضًا في تعاملها مع أنصار الله في اليمن.. وقد تغير المملكة مواقفها في تقديرها أنها لم تُحكِم التعامل مع اليمن، بل فرضت الخصومة القطعية فتركته نهبًا للآخرين، وجعلت لإيران يدًا طولى في الوصول إلى اليمن، وهي التي كان بإمكانها فرض التقارب والاحتواء لهؤلاء من غير ضغوط أو مقايضات إيرانية، بالإضافة إلى حرصها على تقوية الدولة وفرض هيبتها، هذه المواقف قد تعتبر هروبًا من استحقاقات دور المملكة تجاه اليمن، بينما كل المواقف تعتبر ضرورة وحالة مفروضة يجب التعامل معها بجدية وبصدر رحب، وبمرونة من أجل تقديم مصلحة كبرى توفر الأمن والاستقرار في المملكة وتجنبها المخاطر القاتلة التي أصبحت تواجهها حاليا.. ليس هذا فحسب، بل إن الوضع الراهن يفرض عليها مراجعة سياستها تجاه اليمن بأن تمد يدها إليه، وأن تكف عن نظرة الاستعلاء في التعامل معه، وأن تتعامل بحق الجوار، وأن تعيد النظر في التعامل مع المغتربين واستلابهم لكي يمثل ذلك جزءًا من الدعم الاقتصادي لليمن، وطريقة للتعايش وحق الجوار.
إلى جانب هذه المتغيرات الجديدة في سياسة المملكة تجاه اليمن سوف يترتب عليها استحقاقات مفروضة أخرى في موقفها من الوحدة اليمنية، تحتم عليها، خاصة بعد دخول أنصار الله إلى العاصمة صنعاء بقوة السلاح، إلى إعادة النظر في سياستها السابقة التي تكلست مع الزمن، ولم تعد تواكب الواقع الراهن، حيث كانت السعودية تبني سياستها على العاطفة وليس على العقل، وهي سياسة مسايرة الأمر الواقع والمكاسب الآنية التي دائما ما تنتهي إلى واقع مغاير تماما، فالمملكة كانت تستفرغ باليمن وتحتويه وتحافظ على الموروث البالي لكي لا تقوم دولة قويه فيه.. وهاهي اليوم من المحتمل جدا أن تقوم دولة قوية فيه، ولكنها بأيديولوجية مغايرة تعارض سياستها، فلا بد أن تثير قلق المملكة وتقلق سكينتها، بعد أن عارضت توسعها في صعدة، وأمطرتها بقنابل في عقر دارها قبل أربع سنوات، ولو كانت المملكة تبني موقفها على استراتيجية عميقة لما تفاجأت بتغيير جذري في اليمن يشكل لها تحديًا وتهديدًا جديًّا.. حيث صارت المملكة تعارض انفصال الجنوب عن الشمال بعد حرب 94م، ودعمت بقاء دولة الوحدة في حالة من الفوضى والفساد وانتشار الإرهاب الذي أصبح يشكل لها تهديدا قويا وخطيرا يصعب تفاديه بسهولة، بينما المملكة تعلم بمنطق العقل أن وجود دولة جنوبية قوية هي ضمان للأمن والاستقرار في المنطقة ضد الإرهاب، وهي - أيضًا - ضمان للحد من جنوح دولة الشمال، ووسيلة لمقاومة التبعية، بل ومحاصرتها عند الانجرار خارج الإطار العربي والمشروع القومي.. تجاه ذلك فإن الدولة التي ستقوم في الشمال بثقل ونفوذ أنصار الله لا تستطيع أن تحل القضية الجنوبية، عبر إقناعهم للاستمرار في الوحدة، كون الظلم والتعدي والتجاوزات المادية والمعنوية التي لحقت بالجنوب تفوق قدرة الشمال على التعويض في هذه الظروف، ناهيك عن بقاء نصف النظام ورأسه الذي تسبب في تلك المظالم وسلب الحقوق والإقصاء وتدمير شعب ودولة بكاملها.
إذًا فالمملكة اليوم تجد نفسها معنية بالعودة إلى نفس النقطة التي فرطت فيها، وهي إقامة دولة في الجنوب تؤدي دورها المطلوب تجاه المشاكل المذكورة، وتعمل إلى الإسناد والدعم لإقامة دولة قوية على المدى القريب والبعيد في الشمال، وهو الأمر الذي لا تستطيع أن تستغني عنه دول المنطقة، وخاصة المملكة العربية السعودية، فالكرة الآن في مرمى دول الجوار بشكل عام.
والله ولي التوفيق.




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign