الصحافة البريطانية تكشف عن مضمون عروض امريكية مغرية لصنعاء        كهرباء عدن ....ماساة الصيف المتكرره تحت جنح الفشل والفساد الحكومي        غروندبرغ : نعمل على إطلاق الاسرى وتحسين القطاع الاقتصادي والمالي         مركز بحري دولي يحذر من سلاح يمني جديد      
    كتابات /
لماذا يتصارع اليمنيون.. ومن المسؤول عن الأزمة الحالية؟

24/09/2014 22:39:34


 
صالح محمد مسعد(أبو أمجد)
لماذا يتصارع اليمنيون.. ومن المسؤول عن الأزمة الحالية؟


الاختلاف والتصادم بين اليمنيين، سمة تميزهم أكثر من بقية المجتمعات الأخرى، فهم مختلفون في كل شيء، منقسمون حول أنفسهم وكياناتهم القبلية والطائفية اجتماعيا، وإذا اتفقوا فهم يتفقون على الاختلاف فقط.. إنهم يؤجلون الحلول لمشاكلهم الاجتماعية بالاعتماد على مواقف الصلح والتهدئة بأعراف قبلية.. أما ما عدا ذلك فلديهم خلاف مستحكم أبدي سرمدي، يظهر في عوامل انشقاق داخلي تحكمه الظروف والعوامل المتمثلة بطريقة الهيمنة القبلية التي تعتبر مبدأ الخلاف والاختلاف التاريخي في اليمن الزيدي، والذي يتمحور في الحاكمية عند الزيدية الإمامية، مقابل الطاعة والولاء والبراء في المذهب السني، فالمستأثر بالسلطة السياسية في اليمن غالبا هو الأقوى قبليا، حيث يسير في نسق البقاء للأقوى تجاه بقية الأطراف السياسية أو الاجتماعية القبلية الأخرى.
لم يتجه المجتمع اليمني حتى هذه اللحظة إلى التصالح مع الواقع وإلى التعايش والقبول بالاختلاف، ولا إلى التوافق مع مصلحة أعلى من أجل اتباع أساليب الوفاق السياسي والاجتماعي، كما هي النظم المتبعة لإدارة المجتمعات في البلدان المتطورة وبلدان الأخرى، ليس بالضرورة أن يلغي اليمنيون تاريخهم وتراثهم الفكري، ولكن الأحرى هو التصالح والتجاوز والتوافق المنضبط مع متغيرات الحياة والجدية في استلهام الأفكار والتجارب العملية في تلك البلدان، عبر تجاوز سلبية الماضي للسيطرة على زمام الحاضر، والتصالح مع أخطاء الماضي لا يفرض إرثا أو موروثا يجب الاعتزاز به، كما حدث في بعض الدول الغربية الديمقراطية التي اعتمدت التصحيح المستمر لتجربتها ومسارها التاريخي، كما صور الأمريكي (الأبيض) مثلا تاريخ مواطنيه من السكان (الهنود) الأصليين كمتوحشين إرهابيين منذ ثلاثة قرون، ها هو اليوم يغير هذه الصورة النمطية، وكما نزع أيضا إلى العرقية والتمييز العنصري خلال القرنين الماضيين، فقد غير تلك النزعة بنزعة إٍنسانية أسمى من أجل الحياة والتطور الذي لا يتم إلا في ظروف التعايش والتوافق.. أو كما صورت فرنسا تاريخ العمالة مع النازيين كواجب وطني بوقت من الأوقات، هاهي تصوره اليوم كعيب وطني.. فبعد عقود عديدة من الصراع الداخلي والوعي الأكاديمي والشعبي والمصالحة مع التاريخ، اختفى الخلاف كمظهر للانشقاق.
هذا ما لا يحدث في اليمن، ولا يمكن أن يكون على المدى القريب كونه ينطلق من نمطية خاصة تتعلق بنزعة دينية تغلف بعدا سياسيا داخليا وتكرسها سياسة الدفع الخارجي الموتور بجنون التهام الآخرين ،بينما اليمنيون هم أعداء أنفسهم أعداء التصالح أعداء الوئام أعداء الاستقرار، انطلاقا من إغراق الماضي والحاضر باسم الموروث واجتراره باستمرار كتاريخ تليد لتزيين الجديد الذي ينعدم أن يكون تاريخا إلا لتزيين الفوضى والاستمرار في الحروب.
لقد بالغنا في ارتباطنا بالماضي والانشداد إليه إلى البائد، إلى التراث والموروث الثقافي والتاريخ القديم، والسلف الرائد، وليس في الإمكان أفضل مما كان، لأننا ربطنا وجودنا وبقاءنا بما لم نصنع نحن، بل صنعه آباؤنا، وخلدنا إلى الخمول وفساد العقول، إلى فلسفة الاتباع وليس إلى الإبداع، حتى ضمر فكرنا وصدئت عقولنا وتسمرنا في المنابر والزوايا وبيوت العبادة نناقش في الدين ما ليس فيه، ليزداد الانغلاق والتشدد وأقفلنا الأبواب أمام أي اجتهاد، فوصدت العقول بالأقفال المحكمة، لكي لا نبارح التخلف والجهل، وجميعه باسم الدين، وكله اسمع وأطع ولو أمر عليكم عبدا حبشي رأسه كزبيبة.. فزاد التصلب والتعصب فينا إلى حدود عدم القبول بالآخر، ضدا على تعاليم الدين السمح دين التسامح والإبداع والاجتهاد في الحياة وكمصدر تطور وتقدم للإنسان، وهو الأساس الذي نهض عليه الدين الإسلامي في قرونه الذهبية الأولى، فأرسى حضارة لا تضاهيها حضارة في تلك الحقبة ،فكيف يتحول الإسلام إلى عامل للتخلف؟، بعد أن كان أهم عوامل التقدم والتطور حينها.
الخلاف على الحكم والسلطة من أجل المصالح والامتيازات والثروة هي التي أدت إلى الخلافات المذهبية، بينما الدين واحد، والخلافات المذهبية هي التي مزقت الشعوب والمجتمعات العربية وأدت إلى التناحر فيما بينها، ومن خلالها عمل الاستعمار الغربي تحت شعار المذهبية في السيطرة عليها ونهب ثرواتها، فالأسباب الحقيقية تكمن في الانغلاق الفكري، والتمحور حول الدين والتشدد فيه لتحقيق مكاسب سياسية، وكذلك ظهور المذهبية المقيتة التي جعلت الناس أعداء داخل البيئة الروحية الواحدة فمزقت الأواصر الروحية العقيدية وتحولت إلى طائفية متنافرة، وهذا أدى إلى التخلف الاجتماعي والاقتصادي والثقافي لهذه الشعوب ومنها اليمن.
إذًا هذه العوامل التي أوصلتنا إلى وضعنا الحالي من الاحتراب وأساسها التعصب المذهبي، والانغلاق الفكري.. والحرب المشتعلة في صنعاء اليوم تصنف كحرب مذهبية وتقترب من الحرب الأهلية؛ لأنها تجرف المجتمع إلى التناحر والانقسام الواضح بين مذهبين متنافرين في دين واحد، كل طرف مذهبي يدعي بأنه يمتلك الحقيقة، وهو صاحب المذهب الصحيح وما عداها من المذاهب باطلة، وهي نزعة نفسية عند كل صاحب دين أو مذهب فيه، إذ يعتبر دينه هو الدين الحق، وهو إحساس بشري في كل جماعة ودين، فكل واحد يعتبر دينه أو مذهبه هو الصحيح، وزاد معه التعبئة والتحريض في مجتمعاتنا الإسلامية خاصة بين السنة والشيعة، وهي تراكمات 14 قرنا سيطر فيه المذهب السني على دولة الخلافة، أي كان المذهب السني هو المذهب الرسمي للدولة، عدا فترة عقدان من الزمن سيطر فيها المذهب الشيعي في عهد المأمون في القرن الثاني الهجري، وكذا في بعض الدول العربية والإسلامية في العهد الفاطمي. وغالبا ما يؤدي التعصب المذهبي إلى الإقصاء السياسي والاجتماعي في المجتمع، وتتولد التناحرات فيه، ومن سمة الدين أنه كلما زاد التعصب فيه كلما زادت الكراهية والتناحر والأعمال الإرهابية والمتطرفة ضد الآخرين، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: "ما شد أحدكم في شيء إلا غلبه، فسددوا وقاربوا ولا تغلوا في دينكم.. والتشدد المتراكم والطويل في المذهب السني أدى - أيضًا - إلى التشدد في المذهب الشيعي.. وكما نلاحظ التشدد المتراكم في المذهب السني قد أدى إلى ظهور الإرهاب، وما بعد الإرهاب والمتمثل بتنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، الذبح على الطريقة الإسلامية، وها هي اليوم الجماعات الإرهابية في اليمن تعلن عن تأسيس الدولة الإسلامية بالاتساق مع دولة الشام والعراق، بعد الترويج الإعلامي السلفي والخطاب السياسي المتشدد ضد أنصار الله ونعتهم بما ليس فيهم بالمروق والخروج عن الدين وهذا كله يصب في باب المكايدات والمصالح السياسية التي تقف وراء تلك الدعايا لكي تبقى محصنة بالدين، وأبرزهم مالكي السلطة والثروة في اليمن.. والكثيرون لا يضعون اعتبارًا للتغيرات التي جرت في المذهب الزيدي خلال القرون الخمسة الماضية من خلال نشر الأئمة وعلماء الدين في اليمن للمذهب السني داخل المذهب الزيدي، مثل: محمد بن إبراهيم الوزير، المتوفى سنة 1436م، والحسن بن أحمد الجلال تـ 1673م، وصالح بن مهدي المقبلي تـ 1696م، ومحمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني تـ 1768م، ومحمد بن علي الشوكاني ت 1834م، وما ساعدهم ذلك هو تقارب المذهبين السني والزيدي، وهؤلاء هم الذين أدخلوا المذهب السني إلى مذهب الإمام زيد بن علي، بالإضافة إلى ذلك، كما أكدنا في مواضيع سابقة من أن المذهب الزيدي هو مذهب راديكالي منفتح أكثر من غيره، وقد دخل أئمته السابقون في الجدال الفكري نتيجة لانفتاحهم الديني خاصة في الفروع وباب الاجتهاد، منذ نهاية القرن الهجري الأول، وانغمسوا في الاعتزال كفكر سياسي متحرر ومقاوم للظلم والعبودية، وأكثر الأئمة قاوموا الظلم في عهد الخلافة الإسلامية، وفقا لمبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والخروج على الحاكم الظالم ومبدأ العدل والتوحيد، كما خرج الكثير من أسلافهم ابتداء من عبدالله بن الزبير، والحسين بن علي بن أبي طالب، إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين، إلى محمد بن الحسن النفس الزكية، إلى أحفاد العباس والعلويين وغيرهم، فكانوا في مقدمة الصفوف للدفاع عن الحق، وإرساء العدل.. صحيح أن لديهم نزعة الإمامية، وهي أحقية الحكم في البطنين لكنهم لجأوا إلى اختيار الأفضل من الفاضل، وقبلوا بهذا المبدأ في مسارات تاريخية كثيرة، رغم ذلك فلم تثبت لهم الإمامة إلا في بعض المناطق مثل اليمن وطبرية وبعض دويلات ما وراء النهر، ولكن في فترات محددة. والدولة التي استمرت فيها أكثر فقط هي اليمن أو ما كانت تعرف بالجمهورية العربية اليمنية، بحكم التخلف والانغلاق الذي ساد اليمن.. ومع ذلك كان الأئمة ديناميكيين في التغيير والحياة، ولديهم السعة الدينية في الحياة، وكانوا راديكاليون في السياسة والحكم، لا ينفون المتغيرات في الواقع ولا التطور في الحياة عندما يستمر التعايش معهم والتأثير عليهم؛ لأن هناك من أئمتهم من الأتباع المقلدون وهم سبب الانغلاق، ومنهم المجتهدون، والذين عارضوا أئمة التقليد، بينما نجد الحوثيين قد مروا بكثير من هذه المتغيرات، والتعصب المذهبي ضدهم من قبل السنّة فرض عليهم التشدد ليس الديني وإنما البرجماتي الحياتي، والذي يخشاه الكثيرون، إلا أن هذا التشدد العملي يعتبر إثبات وجود لهم، وكنزعة نفسية، بينما كان التخلف والجهل السابق في عهد الأئمة الزيدية في اليمن بسبب التقليد، والذي فرض عليهم الانغلاق، وما ساعد على ذلك هو مطواعية واحترام الشعب لهم لفرض تسلطهم الإمامي لأكثر من عشرة قرون في اليمن.
تكلمنا قبل المتغيرات الحالية أثناء حصار أنصار الله لصنعاء وعرضنا صفاتهم المذكورة لكي تبدأ شراكة سياسية في المتغيرات الجديدة أساسها مقاومة الظلم، ومكافحة الفساد لمساعدة الشعب على تجاوز وضعه المأساوي، بينما الحقيقة أنه إذا ترك أنصار الله يغترون بالانتصارات العسكرية فإنهم سيعيدون سيرة الإمامة وهذه مسألة قد تجاوزها الزمن، ونصيحتنا لهم أن يدركوا بأنهم لا يستطيعوا أن يحكمون لوحدهم، وأن يجسدوا تاريخ أجدادهم من الأئمة في مقاومة الظلم وحين تم الخروج على الظالم لإرساء العدل، بالإضافة إلى تحقيق الشراكة السياسية مع كافة القوى في الساحة، والابتعاد عن التشدد الديني، والانغلاق الفكري، وأهمها في أن يستغلوا حرارة الثورة بتجذير الفعل الثوري في التغيير الحقيقي باقتلاع الفساد بكل أشكاله، وفرض هيبة الدولة، والعمل بالأنظمة والقوانين في سلطة الدولة،والعمل على تحسين مستوى معيشة الشعب، وإنهاء الصراع المذهبي وغيرها، لكي يحققوا لهم مكسبا سياسيا وشعبيا رائعا يسجله لهم التاريخ، وفعلا هذا هو رأي مستمد من تاريخ الفكر السياسي للمذهب الزيدي.. في الأخير نأمل أن يحقق أنصار الله العدل مع سائر القوى السياسية الأخرى التي كانت تعاني من سيطرة وأسر الإسلام السياسي المفروض على الواقع اليمني، بإعطاء الجنوب حقه وخياره في تقرير مصيره عبر الاستفتاء، وهو حق شرعي مكفول للشعب المغلوب الذي لن يتخلى عن نضاله السلمي في تحقيق طموحه وأهدافه.
والله ولي التوفيق.
صالح محمد مسعد (أبو أمجد)

 





جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign