صنعاء تشن عمليات هجومية ضد سقناً امريكية واسرائيلية في خليح عدن والمحيط الهندي        صنعاء تنهي الجدل الدائر حول شحنات المبيدات الزراعية        واشنطن تقر حزمة مساعدات عسكرية جديدة للكيان        المدمرة الالمانية الحريية " هيسن "تغادرالبحر الأحمر بعد تعرضها لاكثر من هجوم      
    كتابات /
الاصطفاف الوطني في اليمن.. بالمرجعية الوهابية أم بالمرجعية الملالية؟

10/09/2014 23:04:21
صنعاء - عبد الواحد البحري

لم يعد الصراع الطائفي والمذهبي في اليمن محصورًا في القوقعة الداخلية للبنية المجتمعية، بل هو امتداد تاريخي للصراع السياسي الذي يتمدد وينكمش تحت مبررات مذهبية ودعاوى دينية تجترها السياسة؛ طمعًا بالمصالح.. فمركَزة الصراع المذهبي الإقليمي وتوسعه حتمًا سينتج صراعات مذهبية وحروبًا داخلية في بلدان المنطقة.
إن الصراع السعودي ـ الإيراني هو صراع سياسي في الأساس وتجسد بالصراع المذهبي؛ لأن الصراع السياسي لم يكن بنفس فعالية الصراع المذهبي لفرض العِداء والموقف السياسي القاطع من الآخر؛ كون الروابط العقيدية يمكن أن تتحول إلى ولاء وتبعية؛ لأن العقيدة أو المذهبية تولد روابط روحية أكبر من القومية لتأثيرها في النفس، خاصة عندما يتعرض المجتمع أو الطائفة المذهبية للاحتكاك في عداء مذهبي منافر له وفي تماس معه.. وقد تحول الصراع السعودي الإيراني خلال السنوات الماضية إلى الصراع الإقليمي الرئيس في الشرق الأوسط الذي أفرز الصراعات المذهبية.. عادة ما يكون الصراع المحلي ذا جذور إقليمية، كما هو في لبنان واليمن وسوريا والعراق، فالمتغيرات التي جرت خلال الثلاث سنوات الماضية مع الثورات العربية أبرزت خلفية الصراع السعودي الإيراني، الأمر الذي لجأت فيه الدولتان إلى الحوار للتهدئة، فكلما احتد الصراع بين الدولتين الكبريين تحول هذا العداء والصراع إلى حروب طائفية مشتعلة في المنطقة العربية، بينما هاتان الدولتان تذهبان للحوار، لتكسب إحداهما نقطة ضعف أو قوة في الحوار من خلال الحرب الطائفية، لا يعني التقارب بين الدولتين الأكبر في الإقليم هو الوصول إلى تفاهمات سياسية لإيجاد الحلول وإنما هو صراع محوري يرتكز على الشد والجذب، وتحيُّن الفرص لكسب المواقف فقط، أما النتيجة دائما فهي توليد الصراع الداخلي لكي يخرج أحد الطرفين أو كلاهما ببعض المكاسب.
لم يكن الصراع الإقليمي بمعزل عن الصراع المركزي الأكبر، المرتبط بأمنهما القومي مع الدول الكبرى والمرتبط - أيضًًا - بالمصالح الاقتصادية والسياسية، وهو بالتالي يشبه القانون الفيزيائي الطبيعي في حركة الأجسام السماوية فكل جرم أو كوكب أو قمر أو نجم أو مجرة يدور حول الجسم الأكبر منه، مركزية الدوران هذه متشابهة تماما مع دورة الصراع المحلي وارتباطه بالصراع الإقليمي أو الدولي.
في الصراع الإقليمي العام الماضي اهتز الوضع السعودي مقابل إيران، بسبب المفاوضات النووية بين إيران والدول الكبرى، بسبب التقارب بينها وبين أمريكا الضامن الرئيس للأمن القومي السعودي، وهذا هزّ الموقف الإقليمي السعودي، وشعرت المملكة بضعف دورها في المنطقة، ومع كل لقاء بين إيران ومفاوضيه النوويين تزداد الحساسية السعودية، ويرتفع حذرها والخوف من وصول المفاوضات إلى اتفاق نووي بين إيران والدول الست الكبرى، وبالأخص الولايات المتحدة، الذي يشكّل اتفاقا إقليميا (إيراني ـ أمريكي)، وسيكون وبالاً على الدور الإقليمي السعودي الذي يضعفها داخل البلدان العربية وداخل اليمن أو العراق أو سوريا أو ليبيا أو البحرين أو مصر وغيرها.
إذًا الصراع في اليمن لا يغذي نفسه مائة في المائة، وإنما محورية الصراع تهبّ عليه من خارج الحدود، وهي أكثر إثارة وتهييجًا للوضع.. بحكم الجوار والخوف من التأثير السلبي للوضع في اليمن على الجارة المهيمنة والمتدخلة في شؤونه الداخلية، تسعى السعودية في هذه الفترة المضطربة في اليمن لبسط سيطرتها وفرض إرادتها السياسية عليه عبر المبادرات والتمسك برموز السلطة والمشايخ في اليمن، وتقديم ما يمكن تقديمه من المال أو المشتقات النفطية من أجل احتواء اليمن سياسيًّا حاليًّا، ومحاولة فرض التسوية السياسية السابقة والضغط عبر مجلس الأمن الدولي لفرضها، بينما الأوضاع لم تكن في نطاق السيطرة تمامًا؛ لأن المملكة لا تريد حلا دائما لمشكلات اليمن، فقط تريد حلولا ترقيعية تسابق بها الزمن أمام الخصم التقليدي (إيران) لها في الإقليم.. وتريد فرض الاستقرار بدون توفر الشروط الموضوعية.. فهي لا تريد حل مشكلات اليمن بطريقة استراتيجية فيما يتعلق بآليات شروط بناء الدولة، بدلاً من التسويات الهشة والمؤقتة، ولا تريد حل مشاكل اليمن الاقتصادية عبر دعم مادي لبناء مرتكزات اقتصادية تقوم على شروط علمية للتنمية والبناء، وعلى اختيار الكفاءات ومحاربة الفساد، وعدم فرض الجاه القبلي والشخصي على النظام وتشريع الدولة، وعدم دعم قنوات الفساد وتشجيعها لتكون فوق الدولة والنظام والقانون، بل تريد اليمن أن تكون حديقة خلفية لها.. بالمقابل إيران تريد أن تكون اليمن متمذهبة معها فتمدها بالدعم المادي والمعنوي لكي توسع دائرتها في المنطقة.
السعودية أكثر تدخلا في شؤون اليمن، ولذا فهي أكثر قلقًا من تمدد أنصار الله وتوسعهم شعبيًّا في هذه الفترة، فلم تكن السعودية تحرص على استقرار اليمن إلا عندما تأتي الشدائد، ولو كانت كذلك لما تعاملت مع المغتربين اليمنيين بالدونية لتفرض عليهم العبودية والإتاوات، وتجردهم من عوائد قوة عملهم، وتسلّط عليهم المواطن السعودي باسم الكفيل لسلبهم ما تبقى من كسب عرقهم وكدحهم، بدلا من أن يكون لهم الأولوية في العمالة ليمثلوا رافدا اقتصاديا لبلدهم.. وهي تنطلق من تدخلها في اليمن أن أمنها واستقرارها مرتبط بأمن واستقرار اليمن.
إذًا اليمن أمام فرض توجه أيديولوجي وهّابي وملالي، وسياسة الدولتين تظهر ذلك.. فمن الذي يعطي أوامر التجييش والحشد الشعبي لصالح أطراف الصراع في اليمن في مسميات ثورة الشعب، مسمى الاصطفاف الوطني، هل تقف المملكة وإيران وراء ذلك الحشد المضاد لبعضه كتضاد الدولتين القويتين في المنطقة؟.
لا شك أن هاتين الدولتين ترقصان طربًا لصراع الحشد والتناحر في اليمن، وكل منهما تتمنى أن ينتصر جناحها، وكل منهما تعمل بحذر لإشعال حرب بالوكالة لكي تنتصر سياستهما وتعزيز مركزي ثقل كلّ منهما أمام الخصم الآخر.
كل ذلك له تأثير في الصراع الداخلي بأبعاد مركزية الصراع ،وسوف يولد خطاب إعلامي مضاد ومنافر لبعضه، بين الحشد وصلاة الجمعة في شارع الستين وبين الحشد وصلاة الجمعة في شارع المطار.. مع أن الصلاة هي نفس الصلاة، والخطبة هي نفس الخطبة، والتحريض، فقط، تختلف عن بعضها باللفظ ودرجة التحريض.. فلم يقتصر الأمر على الموقف النفسي من التحريض، بل يتعداه إلى الموقف العملي أو الفعل الذي أصبح في الساحات، ومن ثم أكثر في الاقتتال الذي يمكن أن ينشب في أي وقت، وجزء من ذلك قد حصل، ومنه ما يجري على الأرض في أكثر من مكان.
إذًا كان مصدر هذا الصراع اليمني هو الصراع المركزي بين الدولتين الأقوى في المنطقة أو صراع أبعد من ذلك لدول كبرى مهيمنة عالميا سياسيا واقتصاديا، فإن جزءا كبيرا من ذلك هو نتاج لتوفر الأرضية الخصبة في بلدان الأطراف، كما هو حاليا في اليمن، وجاء نتيجة للفقر والبطالة، والفساد، وما يسندها - جميعًا - هو التخلف.
إن إتباع سياسة الحشد والتعبئة خاصة عندما تتبنى الحكومة اليمنية موقفا كهذا، هو في حقيقته ضعف وإفلاس وخوار بائس، ينم عن عجز وتهالك مفرط في النظام السياسي، لانعدام قدرته على معالجة الأزمات وابتكار الحلول التي تواجهه، وهو مصدر لتدمير الشعب وإثارة الكراهية والحقد وإذكاء العنف وإغلاق سبل التعايش، وخلق شروخ وتمزق ومستقبل مظلم. ويعبر هذا الأسلوب في النهاية عن ارتماء في حضن القدر بعد انقطاع الرجاء في مغامرة غير محسوبة النتائج.
إن الحشد الجاري جرى تسويقه تحت نمطين متضادين، هما:
أولا/ الحشد المسمى بالاصطفاف الوطني:
1- هذا الحشد باسم الدفاع عن الثورة والجمهورية يغفل مطالب نصف الشعب أو يزيد، ويعمل على شق المجتمع وجره إلى حرب أهلية وإحياء الثأرات والفتن.
2- غير معلوم أنه اصطفاف من أجل تحقيق طموح الشعب، بل لفرض الجرعة وتحميل المواطن أعباء العيش بدون أي تحسّن لمستوى المعيشة في المستقبل وامتداد للجرعة السابقة قبل ثلاث سنوات.
3- هذا الاصطفاف هو دفاع عن الفساد وعن رموز امتصت دم وعرق الشعب ويقف خلفه الناهبون والفاسدون، ولم يصدق عاقل بأنه لمصلحة الشعب، طالما لم يقم النظام خلال ثلاث سنوات من الفترة الانتقالية بخطوة واحدة من أجل محاربة الفساد والفاسدين، أو أضعف الإيمان إزاحتهم عن السلطة.
4- هذا الاصطفاف يقوم على التعبئة والتحريض المذهبي، ويمثّل بالتالي عملا أيديولوجيا ممنهجا لإقصاء الآخر، أو عملية تنكيل وإبادة لجزء من الشعب بأسلوب ممارسات النظام السابق وحروب العقد الماضي، وهي طريقة الحل العسكري أمام جزء من المجتمع.
5- هذا الاصطفاف عودة إلى نفس المربع السابق تهدئة للوضع، واستمرارا للمشاكل وللفساد، وإعادة إنتاج النظام السابق ورموزه الذين هم أصل الأزمة ومحور ارتكازها، كما يدل على فشل سياسة الرئيس هادي الذي صار ملاذا للفاسدين، وما زال يحتضنهم ويمارس نفس أساليبهم خلال الفترة الانتقالية.
ثانيا/ حشد أنصار الله وخطابه السياسي الإعلامي باسم مطالب الشعب:
1- حشد أنصار الله انطلق من استغلال اللحظة الراهنة، ومن إفرازات الفساد الشامل الذي سبب التدهور الاقتصادي والأزمة الخانقة.
2- حشد أنصار الله يحتوي مطالب شعبية، ومنها إسقاط الجرعة، وهي مصدر قوته، ولو كان النظام المتهالك عمل حسابه للقوة المتصاعدة (الحوثيين) بعد دخول عمران، لما وضعوا الجرعة إلا بعد التنسيق معهم كشريك سياسي، ولكن هذه المطالب قوّته شعبيًّا، ومعنى ذلك أن أي تخفيض في الجرعة هو انتصار سياسي بتأييد شعبي لأنصار الله.
3- أنصار الله انطلقوا من موروث وتاريخ ديني متجذر في المجتمع الشمالي الذي يدور فيه الصراع، فالبيئة الاجتماعية تساعدهم على التمدد وحتى الأرض تقاتل معهم؛ لأنهم بصدد إحياء الماضي جراء تعسف الحاضر لهذا المواطن، والحنين إلى الماضي صفة تستهوي نفس الإنسان في حالة الشدة والمحن.
4- أنصار الله ينطلقون من موقف قوي؛ لأن أياديهم لم تُلوّث بالفساد، ومطالبهم محاربة الفساد، بينما خصومهم يتهمهم بممارسة العنف، إلا أنهم يجسّدوا المطالب الشعبية على الواقع، وهذا مثّل انتصارًا سياسيًّا لهم.
من كل ما سبق فإن إدارة الأزمة من قَبل النظام خاطئة في تصعيد الأزمة وخلقت الاختناقات في الكهرباء والمياه والمعيشة، وهذا يولّد اصطفافًا إلى جانب أنصار الله..
على النظام تغيير نفسه بنفسه قبل أن يصله قاهر الفساد (أنصار الله)، وأية تضحية سيدفع ثمنها الرموز المدافعة عن الفساد.
التذرع بمسمى الأجندة الخارجية لن يشفع لهم، ولن ينفعهم مجلس الأمن في ظل مطالب شعبية، ولن يدفع عنهم شبح الموت.
الشعب اليمني يعرف صديقه من عدوه في الادعاء بالأجندة من قبل الحشدين، والأهم في طبيعة استغلال هذه الأجندة لصالح الشعب أو ضده، ولم يجد اليمنيون من دول الجوار بادرة خير لمساعدتهم للنهوض من الواقع المر، بل هم من يكرّسه.
لن تنفع القوة في مواجهة الشعب ومطالبه؛ لأنها تتسبب في تداعيات كارثية.
على الحوثيين أن يعرفوا أنهم لن يستطيعوا أن يحكموا لوحدهم مهما كانت قوتهم.. وأن زمن الانغلاق قد انتهى.
أن الجمود والعودة إلى الماضي سيفقدهم كل المكاسب السياسية التي حققوها.
أن سطوتهم لا بد أن تسلط على الفساد والفاسدين، وأن يستغلوا حرارة الثورة هم ومن اصطف معهم؛ للتخلص من الفساد.
أن لا يكرروا تجربة الإصلاح في مصادرة الثورة.
أن يلتزموا بمخرجات الحوار، وبالعمل الديمقراطي، وسيشرفهم التاريخ بأنهم أهل للعدل والحرية كما فعل أجدادهم في الماضي، لكن غير طالبين للحكم باسم الإمامة؛ لأن الزمن قد تغير.
على كل القوى الوطنية واليسارية والتقدمية والمصطفين مع أنصار الله لإنقاذ الثورة واستعادة وهجها وقوتها ومواصلة تموجاتها، أن يضعوا مواثيق وضمانات واتفاقات مع أنصار الله وكل الأطراف التي تؤمن بالثورة والحرية بلغة العصر لتلبية مطالب الشعب.
فكر أنصار الله مرن بخلاف الأيديولوجيات المتزمتة الأخرى مثل السلفيين والإخوان، بما فيهم الإصلاح؛ كون طبيعة الفكر الزيدي متكيفًا مع أي واقع، ومن حيث الدين هو أعدل المذاهب الإسلامية وفرقها على الإطلاق، وتعصبهم الحالي مدفوع من قبل النظام المتعنت ضدهم، وهم قابلون للتعلم والدخول في الحداثة على مراحل تدريجية وطويلة، ليس دفاعا عنهم، بل لأن فكرهم الديني معتزلي، والمعتزلة أعدل المذاهب الفكرية السياسية، وأقربها إلى الحرية والعدالة، وتتماهى مع مطالب العصر.
إذا تركتم الفرصة لأنصار الله فسيلجأون إلى إعادة الماضي ويستأثرون بالسلطة كما فعل الإخوان.
إلى كل الأطراف السياسية في النظام السياسي القادم، اليمن لن ينتهي منه الفساد خلال فترة قصيرة، بل سيحتاج إلى عقود وعمل متواصل.
بالإضافة إلى محاربة الفساد، يجب حل القضية الجنوبية بدون تأخير، وشروط حلها: عدم فرض الوحدة بالقوة، وأن يعطى الشعب الجنوبي خياره؛ لأن الوحدة اختيار ورضا، من غير ذلك فإنها عودة إلى نفس النقطة.
والله ولي التوفيق.
صالح محمد مسعد (أبو أمجد)

 





جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign