الصحافة البريطانية تكشف عن مضمون عروض امريكية مغرية لصنعاء        كهرباء عدن ....ماساة الصيف المتكرره تحت جنح الفشل والفساد الحكومي        غروندبرغ : نعمل على إطلاق الاسرى وتحسين القطاع الاقتصادي والمالي         مركز بحري دولي يحذر من سلاح يمني جديد      
    كتابات /
الحوثيون (أنصار الله) من البكاء على الأطلال إلى اكتساح الشمال

27/08/2014 20:41:00


 
صالح محمد مسعد(أبو أمجد)
بعد التنكيل والإقصاء السياسي والعداء باسم المذهب الذي مارسته الدولة اليمنية ضد الجماعة الزيدية في الشمال، نهض الحوثيون من أقصى الشمال (صعدة) مهد الإمامة في اليمن، ونبتوا مثل الأشجار الشوكية، فخرجوا من بين الأجداث ومن زوايا الإقصاء والإبعاد حتى استقاموا للدفاع عن حق البقاء، وعن المذهب، والموروث الديني، والإرث التاريخي.. هكذا في كل جماعة لها ملة ودين لا تستطيع أية قوة أن تمحو هذه الطائفة أو الجماعة الدينية التي عاشت في هذه الأرض أو تلك وتلونت بلونها وتنفست هواءها، وترعرعت على أرضها، ونمت تحت ضوء شمسها، فكلما تبدلت الظروف وارتوت بمائها، فإن المذهب أو العقيدة الدينية هي البذرة التي لا تموت بالتقادم؛ لأن العقيدة الدينية هي أقرب الممكنات إلى العاطفة البشرية، وهي فكر أو أيديولوجيا من المستحيل أن تذوب أو تغيب أو تمحى من أرضها، إلا إذا انتهى الإنسان أو التهمها فكر آخر، لأن الفكر لا يواجه إلا بالفكر، وقد يتحول الفكر إلى قوة منقطعة النظير، ففي العام 2004 إلى 2010م انخرط الحوثيون في ست جولات من القتال ضد الحكومة، كانوا هم الطرف الأضعف في المواجهة إلى حدود أن صمودهم (جعل الجارة السعودية التي تراقب الوضع عن كثب) تتدخل في الحرب السادسة ضد القوة الصاعدة، فلم تفلح القوة أن تثني هؤلاء عن الاستمرار والمحافظة على المذهب الذي يواجه بمحاولة الإبادة والإفناء من أرضه بذرائع إقصائية ليس لها مبرر إلا المكر السياسي.. الإقصاء والحروب القذرة التي قادتها الدولة خلال العقد الأول من هذه الألفية ضد الجماعة الزيدية في محاولة لفصلها عن تاريخها وتذويبها لإدماجها قسرا في نسق مذهبي سياسي مؤدلج جديد يخدم أجندة خارج وطنية، تتجاوز حدود حفظ السيادة والمواطنة الكريمة، دفعت بالجماعة إلى الميل نحو قوى تتقارب معها بالفكر الديني، وإن كانت خارج نطاق الداخل والمحيط، أي في حدود الإقليم في احتماء عقائدي أو مذهبي ضد الالتهام من قبل مذهب مخالف له تحميه السياسة والمال، وهذا التوجه هو للحصول على الدعم المعنوي قبل المادي، وبذلك تفتحت أعين الجماعة على التوسع والتمدد ومقاومة الضد وترتيب وتنظيم أنفسهم بالاستفادة من تجربة طويلة في مقاومة الإقصاء والتهميش وضد تذويب ومحو فكرها المذهبي الزيدي، بعد أن كانت لا تحتاج لأكثر من تطبيق أسس التعايش والشعور بالمواطنة في المجتمع، حينما كانوا لا يطمحون في نشاطهم إلى ابعد من محافظة صعدة، ولم تكن لهم أجندة سياسية واضحة إلا بعد أن دفعهم الضغط عليهم تجاه أي نشاط طبيعي أو مطالب عامة لهم، وخوف النظام اليمني الملحوظ من تحركاتهم الطبيعية، إلى إثبات وجودهم، لكن التعامل الاستثنائي الغير عادي في التعامل مع هذه الجماعة، والحذر فوق المبرر منهم، والضغط المتزايد عليهم خارج حدود الخيار الديمقراطي المتفق عليه بعد الوحدة هو الذي كشف لهم الاستهداف المباشر وغير المباشر ضدهم وألهمهم إلى فكرة الممكن والمتاح، ودفعهم إلى التوسع المعاكس لفعل الخصم، وهذا جعلهم يبحثون عن تحالفات ايديولوجية وسياسية لغرض التحصن وحق البقاء والعيش، فقاموا بتأسيس وتنظيم وتأطير كيانهم تحت قيادة ومرجعية دينية استطاعت إبراز هذا المكون الزيدي بطريقتين:
الأولى/ إحياء الموروث التاريخي والديني للجماعة والمذهب الزيدي بالاستفادة من الفساد والترهل في الدولة القائمة.
الثاني/ إنشاء هذا الكيان على أسس تنظيمية دينية وسياسية وعسكرية للتماهي مع الطموح المستقبلي للجماعة من اجل الاستثمار السياسي والكسب والتأثير الشعبي.
وبفعل المتغيرات الداخلية برزت الحوثية على الساحة مع الانتفاضة التي أسموها ثورة عام 2011م ضد الرئيس صالح، وظهر الحوثيون كلاعب رئيس في الجمهورية اليمنية، وبرزوا أكثر بعد المآل الذي وصل إليه الوضع العام من التردي والاضطراب، خاصة بعد مصادرة الثورة وعودة الوضع السياسي إلى سابق عهده على ضوء الاتفاق على المبادرة الخليجية والتدخل الخارجي وعودة الفساد والتقاسم وتثبيته بشرعية الاعتراف الإقليمي والدولي.. بعد فترة تزيد عن العام من الثورة شعر المواطن بأنه قد سلب منه حقه في التغيير وفي طموح بناء الدولة الحديثة والشعارات التي كانت تطلق للاستهلاك السياسي من قبل المستفيدين من التغيير السلبي، وهم الذين صادروا الثورة.
حيرة المواطن وتحرجه ونقمته واستياؤه من الوضع الذي يزداد سوءا جعله يتخبط في الاختيار العشوائي بين من يقف معه لتحقيق الهدف الذي كان يحلم به من قبل وبين من يمثله في هذا الحق، وبعد انكشاف أمر الحزب الديني (الإصلاح) بأنه لم يعد يمثل الطموح الأمثل الذي يستجيب لتغيير حياة المواطن البسيط وتحسينها إلى الأفضل كون همه هو الوصول إلى السلطة والتفوق على شريكه القديم وخصمه الجديد.. وكان للإخفاق وفشل الحكومة التوافقية أثرها الشعبي الرافض للوضع القائم بحيث استطاع الحوثيون وأتباعهم التقاط تلك السلبيات والعمل بين أوساط الجماهير لزيادة التذمر، ولغرض اكتساب مكونهم تأييد الطيف الواسع والشعبي، لهذا قاموا بإدخال اسم أنصار الله على مكونهم بعد أن شعروا بزيادة حجم القاعدة الشعبية لديهم، واتباع فرضية إنقاذ الثورة، وادعوا خلق تغيير حقيقي جراء ازدياد تردي الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى موقف الجماعة الزيدية من الإخوان المسلمين، خاصة بعد إخفاقهم السياسي في الحكم بعد الثورات الربيعية داخليا وخارجيا، وظهور تعاطفهم مع تنظيم القاعدة الأكثر دموية وتطرفا، ودخول الصراع بين أنصار الله والإصلاح الذي أسندته عناصر تنظيم القاعدة ابتداء من دماج إلى عمران، وحياد الدولة وصمت المجتمع الدولي، خاصة الراعية منها للمبادرة الخليجية عن اكتساح الحوثيين لمناطق الشمال بعد عقود من البكاء على الأطلال، في محاولة لاستعادة المجد الإمامي بقوة التمنطق بالشعارات الرنانة وشعار الصرخة، وشعار العدل والمواطنة المتساوية، ومحاربة الفساد، والاستقرار الأمني الذي أصبح واقعا معاشا في صعدة والمناطق القريبة منها، وتلك المزايا تعتبر من المطالب الملحة للجماهير.
على ضوء تلك العوامل، وإزاء المتغيرات الكثيرة والأوضاع المتفسخة والفساد المستشري والانهيار المحتمل للدولة اليمنية، والذي استدعى الحكومة إلى ضرورة فرض الجرعة، أي رفع الدعم عن المشتقات النفطية، كان أنصار الله يعملون بثبات من اجل إيجاد واقع مريح لهم واستغلال تلك الإخفاقات بالعمل بين الجماهير انطلاقا من التالي:
1- إعادة إحياء المذهب الزيدي في البيئة ذات النزعة المذهبية تاريخيا، والتي سعى فيها الحوثيون إلى حماية التقاليد الدينية والثقافية تجاه ما يعتقد أصحاب المذهب بأنه تعديات سلفية، وهابية وتدخل غربي في العالم الإسلامي.
2- رغبة الجماهير في التغيير والعيش في كنف دولة قوية لها هيبة تحمي الحقوق وتسيرها الأنظمة والقوانين والتخلص من الفساد.
3- من خلال انتفاضة 2011م وانضمام الحوثيين إلى الاحتجاجات فهم أكثر من استطاع الصمود والثبات مع الموقف الشعبي وكسب العلاقات مع الجميع وتوسيع قاعدتهم الشعبية.
4- في المرحلة الانتقالية استطاع الحوثيون أن يدخلوا في العملية السياسية دون التخلي عن التوجه الثوري وتحقيق أهداف الثورة، كما استطاعوا في مؤتمر الحوار الذي تدعمه الأمم المتحدة من إثبات حياديتهم وكسب الشرعية السياسية المحلية والدولية، وبعد أن أظهروا موافقتهم على مبادئ تسوية الصراع في الشمال ونزع الأسلحة من القوى الفاعلة دون تعنت، وكذا ظهورهم بموقف ليبرالي يؤمن بالديمقراطية والتعددية وليس بهدف إقامة دولة دينية.
5- استمرار أنصار الله في معارضتهم للمبادرة الخليجية التي أعطت الحصانة للرئيس السابق، ومعارضتها لحكومة الوفاق ومناصفتها فيها، وهذا اكسبها تأييد كثير من الشرائح المجتمعية الطامعة في التغيير.
6- معارك الحوثيين ضد الإسلاميين والمتحالفين والداعمين لهم من القاعدة عزز تحالفهم بكثير من القبائل، بالاستفادة من ذلك في تحالف الرئيس السابق وحزبه معهم بحكم عدائهم للإخوان، والذي وسع مساحة تواجد أنصار الله على الأرض.
7- اكتسب الحوثيون سمعة جيدة كمحايدين ومعارضين للقوى المتصارعة خلال حكم الرئيس السابق ،وللحكومة الانتقالية بعد ذلك، وهو ما أضفى لهم دعما شعبيا إضافيا خارج معقلهم التقليدي في الشمال، وتكوين تحالفات متعددة ومتقلبة استفادوا منها شعبيا.
8- استغل الحوثيون الكره ضد رموز الحكم التي تتقاسم مغانم الدولة دون إيلاء أهمية لأمن ومعيشة المواطن، كما استفادوا سياسيا من موقفهم تجاه الفساد الذي لم تتلوث أياديهم فيه، واستثمار ضعف الدولة وتدهور حياة المواطن على كل المستويات.
9- مرت الفترة الانتقالية ولم تكن هناك معارضة واضحة، بل كان أنصار الله هم المكون الأكثر معارضة ضد النظام الفاسد.
10- الإحباط المزمن من آل الأحمر وعلي محسن والإصلاح وثراؤهم الفاحش من مكتسبات الوطن وحقوق المواطن، أظهر أنصار الله بأنهم أكثر قدرة للتصدي لهذه الرموز الشرهة.
هذه العوامل وغيرها ساعدت أنصار الله على تصدر جبهة إنقاذ الثورة وإعادة الأمل للتغيير في نفوس البسطاء، ومع تعقيد الأوضاع الداخلية وعلاقة الخارج بهذه الأوضاع، وما يوجد من فساد ومن رموز متعفنة ومتضخمة بهذا الفساد، والتي ما زالت تطبخ المؤامرات على نار هادئة، بالإضافة إلى وجود خصومة مذهبية لا تقبل بالتقارب ولا بالحلول، ومع خطورة التوجهات الفكرية الدينية التي يمخر بها أنصار الله عباب بحر السياسة إلى المجهول كونهم مستجدين على واقع سياسي وعملي في الحكم ومشاكل بلد منهك أو مثقل بكل الأوجاع، فلا يغتر أنصار الله بقدرتهم على استمرار انتصاراتهم بالقوة والسلاح، ولا يعتمدون على الاكتساح التتري، لأن الزمن قد تغير، ولم تعد فيه القوة والعنف معيارا أساسيا لتحقيق الهدف والنصر.
هذا الصعود المفاجئ لأنصار الله له أسباب كثيرة منها ما ذكرناه سلفا، بالإضافة إلى أن الفترة الانتقالية لم تحقق أهم المطالب الشعبية خاصة المعيشية والأمنية، فالرئيس هادي لم يعمل على إزاحة الفساد والمفسدين، بل جعل لرموز الفساد يدا طولى في السياسة والحكم خاصة من الذين سرقوا الثورة والتغيير، بل وأصبح الفساد أفظع من ذي قبل، ولم يزد أن حصن نفسه وجعل رموزا نفعية من محافظتي أبين وشبوة يمثلون الجنوب كله، وبدلا من حل القضية الجنوبية عمد إلى استدراج عناصر مهترئة ونفعية لصنع الولاء له، وهكذا صنع من الدعم المعنوي الخارجي ممثلا بمجلس الأمن سوطا تجاه معارضيه، يعني أنه يسير على نهج سلفه، لهذا كسب أنصار الله الجماهير.
إن جماعة أنصار الله بكيانهم على المحك، ولديهم اختبار يحدد مدى قدرتهم على النجاح، وفي نظري قبل أي حل عليهم الضغط للإثبات عمليا بمحاربة الفساد أمام الشعب، وإقامة العدل المطلق، وأن يتزامن ذلك بتطمين الجنوبيين بحل قضيتهم بناء على حق تقرير المصير، وأن لا يصبحوا كأسلافهم أمام حل هذه القضية ليتكئوا على الشعار الديني، الوحدة فريضة من الله، فإن فعلوا ذلك فإنهم سيصلون إلى نفس نتيجة حزب الإخوان؛ لأن حل القضية الجنوبية هو الحل الذي يثمر عنه الأمن والاستقرار.
وإذا تم القضاء على الفساد، وأقيم العدل، وتم حل القضية الجنوبية عبر الاستفتاء، ومن ثم العمل بالديمقراطية، فقد حققوا نصرا لهم ولشعبهم في الشمال ولإخوانهم في الجنوب.
والله ولي التوفيق..
صالح محمد مسعد (أبو أمجد)
24/8/2014م
بعد التنكيل والإقصاء السياسي والعداء باسم المذهب الذي مارسته الدولة اليمنية ضد الجماعة الزيدية في الشمال، نهض الحوثيون من أقصى الشمال (صعدة) مهد الإمامة في اليمن، ونبتوا مثل الأشجار الشوكية، فخرجوا من بين الأجداث ومن زوايا الإقصاء والإبعاد حتى استقاموا للدفاع عن حق البقاء، وعن المذهب، والموروث الديني، والإرث التاريخي.. هكذا في كل جماعة لها ملة ودين لا تستطيع أية قوة أن تمحو هذه الطائفة أو الجماعة الدينية التي عاشت في هذه الأرض أو تلك وتلونت بلونها وتنفست هواءها، وترعرعت على أرضها، ونمت تحت ضوء شمسها، فكلما تبدلت الظروف وارتوت بمائها، فإن المذهب أو العقيدة الدينية هي البذرة التي لا تموت بالتقادم؛ لأن العقيدة الدينية هي أقرب الممكنات إلى العاطفة البشرية، وهي فكر أو أيديولوجيا من المستحيل أن تذوب أو تغيب أو تمحى من أرضها، إلا إذا انتهى الإنسان أو التهمها فكر آخر، لأن الفكر لا يواجه إلا بالفكر، وقد يتحول الفكر إلى قوة منقطعة النظير، ففي العام 2004 إلى 2010م انخرط الحوثيون في ست جولات من القتال ضد الحكومة، كانوا هم الطرف الأضعف في المواجهة إلى حدود أن صمودهم (جعل الجارة السعودية التي تراقب الوضع عن كثب) تتدخل في الحرب السادسة ضد القوة الصاعدة، فلم تفلح القوة أن تثني هؤلاء عن الاستمرار والمحافظة على المذهب الذي يواجه بمحاولة الإبادة والإفناء من أرضه بذرائع إقصائية ليس لها مبرر إلا المكر السياسي.. الإقصاء والحروب القذرة التي قادتها الدولة خلال العقد الأول من هذه الألفية ضد الجماعة الزيدية في محاولة لفصلها عن تاريخها وتذويبها لإدماجها قسرا في نسق مذهبي سياسي مؤدلج جديد يخدم أجندة خارج وطنية، تتجاوز حدود حفظ السيادة والمواطنة الكريمة، دفعت بالجماعة إلى الميل نحو قوى تتقارب معها بالفكر الديني، وإن كانت خارج نطاق الداخل والمحيط، أي في حدود الإقليم في احتماء عقائدي أو مذهبي ضد الالتهام من قبل مذهب مخالف له تحميه السياسة والمال، وهذا التوجه هو للحصول على الدعم المعنوي قبل المادي، وبذلك تفتحت أعين الجماعة على التوسع والتمدد ومقاومة الضد وترتيب وتنظيم أنفسهم بالاستفادة من تجربة طويلة في مقاومة الإقصاء والتهميش وضد تذويب ومحو فكرها المذهبي الزيدي، بعد أن كانت لا تحتاج لأكثر من تطبيق أسس التعايش والشعور بالمواطنة في المجتمع، حينما كانوا لا يطمحون في نشاطهم إلى ابعد من محافظة صعدة، ولم تكن لهم أجندة سياسية واضحة إلا بعد أن دفعهم الضغط عليهم تجاه أي نشاط طبيعي أو مطالب عامة لهم، وخوف النظام اليمني الملحوظ من تحركاتهم الطبيعية، إلى إثبات وجودهم، لكن التعامل الاستثنائي الغير عادي في التعامل مع هذه الجماعة، والحذر فوق المبرر منهم، والضغط المتزايد عليهم خارج حدود الخيار الديمقراطي المتفق عليه بعد الوحدة هو الذي كشف لهم الاستهداف المباشر وغير المباشر ضدهم وألهمهم إلى فكرة الممكن والمتاح، ودفعهم إلى التوسع المعاكس لفعل الخصم، وهذا جعلهم يبحثون عن تحالفات ايديولوجية وسياسية لغرض التحصن وحق البقاء والعيش، فقاموا بتأسيس وتنظيم وتأطير كيانهم تحت قيادة ومرجعية دينية استطاعت إبراز هذا المكون الزيدي بطريقتين:
الأولى/ إحياء الموروث التاريخي والديني للجماعة والمذهب الزيدي بالاستفادة من الفساد والترهل في الدولة القائمة.
الثاني/ إنشاء هذا الكيان على أسس تنظيمية دينية وسياسية وعسكرية للتماهي مع الطموح المستقبلي للجماعة من اجل الاستثمار السياسي والكسب والتأثير الشعبي.
وبفعل المتغيرات الداخلية برزت الحوثية على الساحة مع الانتفاضة التي أسموها ثورة عام 2011م ضد الرئيس صالح، وظهر الحوثيون كلاعب رئيس في الجمهورية اليمنية، وبرزوا أكثر بعد المآل الذي وصل إليه الوضع العام من التردي والاضطراب، خاصة بعد مصادرة الثورة وعودة الوضع السياسي إلى سابق عهده على ضوء الاتفاق على المبادرة الخليجية والتدخل الخارجي وعودة الفساد والتقاسم وتثبيته بشرعية الاعتراف الإقليمي والدولي.. بعد فترة تزيد عن العام من الثورة شعر المواطن بأنه قد سلب منه حقه في التغيير وفي طموح بناء الدولة الحديثة والشعارات التي كانت تطلق للاستهلاك السياسي من قبل المستفيدين من التغيير السلبي، وهم الذين صادروا الثورة.
حيرة المواطن وتحرجه ونقمته واستياؤه من الوضع الذي يزداد سوءا جعله يتخبط في الاختيار العشوائي بين من يقف معه لتحقيق الهدف الذي كان يحلم به من قبل وبين من يمثله في هذا الحق، وبعد انكشاف أمر الحزب الديني (الإصلاح) بأنه لم يعد يمثل الطموح الأمثل الذي يستجيب لتغيير حياة المواطن البسيط وتحسينها إلى الأفضل كون همه هو الوصول إلى السلطة والتفوق على شريكه القديم وخصمه الجديد.. وكان للإخفاق وفشل الحكومة التوافقية أثرها الشعبي الرافض للوضع القائم بحيث استطاع الحوثيون وأتباعهم التقاط تلك السلبيات والعمل بين أوساط الجماهير لزيادة التذمر، ولغرض اكتساب مكونهم تأييد الطيف الواسع والشعبي، لهذا قاموا بإدخال اسم أنصار الله على مكونهم بعد أن شعروا بزيادة حجم القاعدة الشعبية لديهم، واتباع فرضية إنقاذ الثورة، وادعوا خلق تغيير حقيقي جراء ازدياد تردي الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية، بالإضافة إلى موقف الجماعة الزيدية من الإخوان المسلمين، خاصة بعد إخفاقهم السياسي في الحكم بعد الثورات الربيعية داخليا وخارجيا، وظهور تعاطفهم مع تنظيم القاعدة الأكثر دموية وتطرفا، ودخول الصراع بين أنصار الله والإصلاح الذي أسندته عناصر تنظيم القاعدة ابتداء من دماج إلى عمران، وحياد الدولة وصمت المجتمع الدولي، خاصة الراعية منها للمبادرة الخليجية عن اكتساح الحوثيين لمناطق الشمال بعد عقود من البكاء على الأطلال، في محاولة لاستعادة المجد الإمامي بقوة التمنطق بالشعارات الرنانة وشعار الصرخة، وشعار العدل والمواطنة المتساوية، ومحاربة الفساد، والاستقرار الأمني الذي أصبح واقعا معاشا في صعدة والمناطق القريبة منها، وتلك المزايا تعتبر من المطالب الملحة للجماهير.
على ضوء تلك العوامل، وإزاء المتغيرات الكثيرة والأوضاع المتفسخة والفساد المستشري والانهيار المحتمل للدولة اليمنية، والذي استدعى الحكومة إلى ضرورة فرض الجرعة، أي رفع الدعم عن المشتقات النفطية، كان أنصار الله يعملون بثبات من اجل إيجاد واقع مريح لهم واستغلال تلك الإخفاقات بالعمل بين الجماهير انطلاقا من التالي:
1- إعادة إحياء المذهب الزيدي في البيئة ذات النزعة المذهبية تاريخيا، والتي سعى فيها الحوثيون إلى حماية التقاليد الدينية والثقافية تجاه ما يعتقد أصحاب المذهب بأنه تعديات سلفية، وهابية وتدخل غربي في العالم الإسلامي.
2- رغبة الجماهير في التغيير والعيش في كنف دولة قوية لها هيبة تحمي الحقوق وتسيرها الأنظمة والقوانين والتخلص من الفساد.
3- من خلال انتفاضة 2011م وانضمام الحوثيين إلى الاحتجاجات فهم أكثر من استطاع الصمود والثبات مع الموقف الشعبي وكسب العلاقات مع الجميع وتوسيع قاعدتهم الشعبية.
4- في المرحلة الانتقالية استطاع الحوثيون أن يدخلوا في العملية السياسية دون التخلي عن التوجه الثوري وتحقيق أهداف الثورة، كما استطاعوا في مؤتمر الحوار الذي تدعمه الأمم المتحدة من إثبات حياديتهم وكسب الشرعية السياسية المحلية والدولية، وبعد أن أظهروا موافقتهم على مبادئ تسوية الصراع في الشمال ونزع الأسلحة من القوى الفاعلة دون تعنت، وكذا ظهورهم بموقف ليبرالي يؤمن بالديمقراطية والتعددية وليس بهدف إقامة دولة دينية.
5- استمرار أنصار الله في معارضتهم للمبادرة الخليجية التي أعطت الحصانة للرئيس السابق، ومعارضتها لحكومة الوفاق ومناصفتها فيها، وهذا اكسبها تأييد كثير من الشرائح المجتمعية الطامعة في التغيير.
6- معارك الحوثيين ضد الإسلاميين والمتحالفين والداعمين لهم من القاعدة عزز تحالفهم بكثير من القبائل، بالاستفادة من ذلك في تحالف الرئيس السابق وحزبه معهم بحكم عدائهم للإخوان، والذي وسع مساحة تواجد أنصار الله على الأرض.
7- اكتسب الحوثيون سمعة جيدة كمحايدين ومعارضين للقوى المتصارعة خلال حكم الرئيس السابق ،وللحكومة الانتقالية بعد ذلك، وهو ما أضفى لهم دعما شعبيا إضافيا خارج معقلهم التقليدي في الشمال، وتكوين تحالفات متعددة ومتقلبة استفادوا منها شعبيا.
8- استغل الحوثيون الكره ضد رموز الحكم التي تتقاسم مغانم الدولة دون إيلاء أهمية لأمن ومعيشة المواطن، كما استفادوا سياسيا من موقفهم تجاه الفساد الذي لم تتلوث أياديهم فيه، واستثمار ضعف الدولة وتدهور حياة المواطن على كل المستويات.
9- مرت الفترة الانتقالية ولم تكن هناك معارضة واضحة، بل كان أنصار الله هم المكون الأكثر معارضة ضد النظام الفاسد.
10- الإحباط المزمن من آل الأحمر وعلي محسن والإصلاح وثراؤهم الفاحش من مكتسبات الوطن وحقوق المواطن، أظهر أنصار الله بأنهم أكثر قدرة للتصدي لهذه الرموز الشرهة.
هذه العوامل وغيرها ساعدت أنصار الله على تصدر جبهة إنقاذ الثورة وإعادة الأمل للتغيير في نفوس البسطاء، ومع تعقيد الأوضاع الداخلية وعلاقة الخارج بهذه الأوضاع، وما يوجد من فساد ومن رموز متعفنة ومتضخمة بهذا الفساد، والتي ما زالت تطبخ المؤامرات على نار هادئة، بالإضافة إلى وجود خصومة مذهبية لا تقبل بالتقارب ولا بالحلول، ومع خطورة التوجهات الفكرية الدينية التي يمخر بها أنصار الله عباب بحر السياسة إلى المجهول كونهم مستجدين على واقع سياسي وعملي في الحكم ومشاكل بلد منهك أو مثقل بكل الأوجاع، فلا يغتر أنصار الله بقدرتهم على استمرار انتصاراتهم بالقوة والسلاح، ولا يعتمدون على الاكتساح التتري، لأن الزمن قد تغير، ولم تعد فيه القوة والعنف معيارا أساسيا لتحقيق الهدف والنصر.
هذا الصعود المفاجئ لأنصار الله له أسباب كثيرة منها ما ذكرناه سلفا، بالإضافة إلى أن الفترة الانتقالية لم تحقق أهم المطالب الشعبية خاصة المعيشية والأمنية، فالرئيس هادي لم يعمل على إزاحة الفساد والمفسدين، بل جعل لرموز الفساد يدا طولى في السياسة والحكم خاصة من الذين سرقوا الثورة والتغيير، بل وأصبح الفساد أفظع من ذي قبل، ولم يزد أن حصن نفسه وجعل رموزا نفعية من محافظتي أبين وشبوة يمثلون الجنوب كله، وبدلا من حل القضية الجنوبية عمد إلى استدراج عناصر مهترئة ونفعية لصنع الولاء له، وهكذا صنع من الدعم المعنوي الخارجي ممثلا بمجلس الأمن سوطا تجاه معارضيه، يعني أنه يسير على نهج سلفه، لهذا كسب أنصار الله الجماهير.
إن جماعة أنصار الله بكيانهم على المحك، ولديهم اختبار يحدد مدى قدرتهم على النجاح، وفي نظري قبل أي حل عليهم الضغط للإثبات عمليا بمحاربة الفساد أمام الشعب، وإقامة العدل المطلق، وأن يتزامن ذلك بتطمين الجنوبيين بحل قضيتهم بناء على حق تقرير المصير، وأن لا يصبحوا كأسلافهم أمام حل هذه القضية ليتكئوا على الشعار الديني، الوحدة فريضة من الله، فإن فعلوا ذلك فإنهم سيصلون إلى نفس نتيجة حزب الإخوان؛ لأن حل القضية الجنوبية هو الحل الذي يثمر عنه الأمن والاستقرار.
وإذا تم القضاء على الفساد، وأقيم العدل، وتم حل القضية الجنوبية عبر الاستفتاء، ومن ثم العمل بالديمقراطية، فقد حققوا نصرا لهم ولشعبهم في الشمال ولإخوانهم في الجنوب.
والله ولي التوفيق..
صالح محمد مسعد (أبو أمجد)
24/8/2014م




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign