المبعوث الاممي يدعو لعدم ربط الحل السياسي في اليمن بقضايا اخرى        تعثر خطة الرد الاسرائيلي على ايران        اعتراف امريكي بريطاني بنجاح الهجمات اليمنية البحرية والجوية        صنعاء ,, انفجار اسطوانة غاز يتسبب باندلاع حريق هائل في سوق شعبي     
    كتابات /
الصراع على الحكم في اليمن وتديين السياسة يفشل أي مشروع نهضوي

09/04/2014 09:36:52
صالح محمد مسعد
لم يصل المجتمع اليمني ولا كذلك مجتمعاتنا العربية بعد إلى ضمير إصلاحي للشعوب، ضمير يرفض الظلم والاستبداد الصريح والمبطن، يرفض الاستفراد والفساد وغياب القانون وغياب العلم، كما يرفض استغلال الدين وتسيسه وتحويله إلى اسطورة أو خرافة تخرج الإنسان عن واقعه، ضمير يرفض استضعاف المرأة وتهميشها أو احتقار السلالات أو الطبقات أو الفئات، ضمير يمثل فيه المواطن دور الشريك في الأرض والثروة والممارسة السياسية، وليس مجرد فرد(رعوي)يخدم فيه الأسياد(من المشايخ والوجهاء وأصحاب السلطان) في مملكتهم الخاصة، ضمير يرى في المستقبل نقطة الزحف السرمدي للإنسان وراء كل الغايات، وصولا إلى مشروعه النهضوي الذي يقوم بالضرورة على العلم والمعرفة للمجتمع كله، ليس للنخبة أو الطبقة أو الفئة فقط، كما هو تصنيف المجتمعات في فلسفة العهد اليوناني. لهذا السبب أرجعنا هذا العامل السلبي على حياة مجتمعاتنا إلى مسمى التخلف الذي تربض وتتوارى خلفه عوامل عديدة لا نستطيع تحديدها بمفردة واحدة تتسم بها مجتمعاتنا لتظهر بصورتها الرثة المتخلفة. فلم يكن الدين ولا الثقافة ولا الموروث الشعبي هي أحد أبرز مميزات عوامل التخلف فينا، ولكن تخلفنا الفكري هو الذي يضفي على هذه المميزات أثر الانجراف القهري نحو التخلف الذي ينعكس على الواقع.
إن الإنسان، والبنية الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، هما الأكثر تأثيرا في واقع التخلف إلا أن رموز السلطة والحكم هي التي تستنهض الواقع أو تثبطه، وإذا قلنا إن مشكلتنا في حكامنا فهذا صحيح إلى حد ما، ولكن هناك ترابط جدلي بين الواقع والبيئة من جهة وبين الإنسان من جهة ثانية. صحيح أن هذا الإنسان هو وليد البنية الاجتماعية المتخلفة، ولكنه ليس آلة أو أمرا ماديا قابلا للتغيير تلقائيا، لأن التخلف في الإنسان يمثل نمط وجود مميزا له دينامياته النفسية والعقلية والارتباطية النوعية. والإنسان منذ أن ينشأ في هذه البيئة أو تلك يصبح قوة فاعلة ومؤثرة فيها، فهو يدعم ويعزز هذه البيئة ويضفي عليها الاستقرار، ويحاول تغييرها لصالحه. لتصبح العلاقة جدلية التناسب بين السبب والمسبب (البنية والنمط الإنساني الذي ينتج عنها) .إن القادة السياسيين هم من يقررون عمليات التغيير الاجتماعي، ولكننا لا نعفي الفرد عامة في المجتمع من القيام بدوره الاجتماعي ولا نغفل دور البنية المادية كذلك على عوامل التقدم أو مشروع النهضة.
مجتمعاتنا لم تصل إلى درجة كافية لمناهضة الانظمة الفاسدة، بسبب هذا التخلف ولذلك لم تدرك أهمية التغيير الحقيقي بسبب هؤلاء الحكام أو القادة السياسيين الذين ساهموا في استمرار التخلف، ولم يتجهوا فعلا إلى مشروع نهضوي حقيقي، رغم أن خطب الدعاة والمصلحين الدينيين والاجتماعيين ظلت تنادي بذلك منذ منتصف القرن التاسع عشر، أي قبل قرن ونصف من الآن، منذ أيام رفاعة الطهطاوي إلى الافغاني إلى قاسم أمين ولطفي السيد وشبلي شميل والبستاني واليازجي والشيخ محمد عبده ورشيد الرضا وغيرهم الكثير في مختلف بلدان الوطن العربي، وكانت الدعوة يغلب عليها الحث الديني بحكم تأثير الدين على المزاج الشعبي العام إلى أن ظهر المخاض بشكل حركات دينية ابتداء من تأسيس حركة الإخوان المسلمين بزعامة حسن البناء في نهاية الثلث الأول من القرن الماضي، واتجهت هذه الدعوة إلى العنف ثم ظهرت حركات الجهاد الإسلامي أو السلفية ومنها تشكل تنظيم القاعدة بداية ثمانينيات القرن الماضي وتحول إلى تنظيم عالمي للجهاد مع نهايته، وهذه الحركات تفرعت وتوزعت وتخلقت منها تنظيمات عنف مختلفة بأسماء متعددة ولكنها تحت راية وفكر تنظيم القاعدة، وهو نتاج التخلف الذي برر تدخل العالم الخارجي والدول الكبرى في شؤون وقضايا بلداننا والتحكم والسيطرة في توجهاتها بالتنسيق مع الحكام والسماح لهم ليس بتكريس نهج الديمقراطية وإنما مساعدتهم على تكريس الديكتاتوريات العائلية والعشائرية التي واصلت السير على أسس الحكم المطلق والعائلي، في الوقت الذي كيف بالملك الوراثي دينيا والدين منه براء، إذ الأصل فيه أن الحكم شورى في الإسلام. وهكذا تستعبد الأمة باسم الدين، وباسم الدين يصنع الإرهاب والدين منه براء إلى أن أصبح معروفا أن المجاهد في القاعدة ينتحر ليقتل كل من حوله بينما الإسلام يدعو إلى المحافظة على الحياة، ولكن التخلف هو سبب هذا الموت والقتل ليقال إن الإسلام نصر بالرعب، بينما الإسلام نصر بالحجة وبالكلمة والموعظة الحسنة، إلى حدود أن المسلم أصبح يكفر أخاه المسلم بحكم التخلف والجهل الديني لأن الإسلام دعا إلى التعايش، فكلما اعتزم المفكرون والمصلحون الخوض والتوجه إلى المشروع النهضوي كلما تدخل رجال الدين في الوظائف السياسية واستباحوا هذا المشروع وأوهمونا بأنهم سيبدلوننا بمشروع نهضوي ديني قائم على معالجة كل شؤون الحياة من الكتاب والسنة، وبأنهم سيضمنون لنا علاج كل مشكلات التخلف والفقر منهما ومن غير استخدام عقولنا، والمزاج الشعبي عادة يسبح خلف ذيولهم تأييدا لهم، ويا ليتهم فهموا دينهم الذي أسس لنا أدب الدنيا والدين.. إذن معاناتنا الحياتية من الحكم الذي يغلف باسم الدين ويفتري عليه ليورثنا التخلف والفقر.
إن السلطة أو الحكم هي التي فتنت المسلمين بشؤون الدنيا والمصالح على حساب القيم وتعاليم الدين الاسلامية، فالحاكمية هي التي جعلتنا شيعا وأحزابا وجعلت منا شيعة وسنة ومذاهب وفرق لا تحصى ولا تعد، كل ذلك من أجل الحكم والتسلط على رقاب الناس.. اليمن يعاني نفس تبعات التخلف المتحدر من استغلال الدين بصورة أكبر لأن المسيطرين على الحكم والسلطة منذ أكثر من ألف عام كانوا من أصحاب الادعاء النصي بالحق الإلهي في الحكم والسيطرة لذلك كانت أشد وطأة. فالدعوة إلى الحكم كانت سياسية أكثر منها دينية، وهي لا تكاد تخرج عن هذا الإطار حتى مع المذاهب السنية. إلا أن السنة بعد فقدانهم للحكم في نهاية الثلث الأول من القرن الثاني للهجرة جعلهم يخالفون دعوة آل البيت في الحق الإلهي بالحكم كونهم معصومين عن الأخطاء، بينما السنة اعتبروا الحكم حقا عاما بعد أن كان في قريش عند استيلائهم على الحكم, وعند تعميمهم للحكم نظريا بعد ضياعه منهم قيدوه بالفرقة الناجية الوحيدة من بضع وسبعين فرقة كلهم في النار، واعتبروا أنفسهم الفرقة الوحيدة على الحق ولذا هم أحق بالحكم. رغم أن الحكم أصبح وراثيا وملكا عضوضا عندهم بعد الخلافة الراشدة. هذه هي مشاكلنا إلى، اليوم السلطة والثروة، ومنها ستخلق التمايزات بين المكونات الاجتماعية، بين الغني والفقير، وبين السادة والعبيد، مع أن الإسلام عندما جاء ساوى بين الناس وأوجد التوزيع العادل للثورة عبر كثير من اللوازم والتعاليم الدينية مثل الزكاة والصدقة وبيت مال المسلمين.
إن قضية الحكم في اليمن هي محور الصراع على السلطة وضوابطها وتصنف هذه الصراعات بالمذهبية وتوسعت إلى صراعات طائفية وقبلية مع توسع المد المذهبي إلى اليمن من المحيط، ودخل العالم الغربي في القرن الثامن عشر عصر التنوير بعد النهضة والثورة الصناعية، بينما دخل اليمن العصر الوهابي والسلفية. في حين أن الشعوب تبحث عن مشروع نهضوي حديث واليمن تبحث عن مشاريع انتحارية وحروب مذهبية.
ألم تكن محور الأزمة اليمنية بكل أبعادها ومحدداتها هي الحاكمية والسباق على السلطة؟ خاصة بعد تزاوج السلطة والثروة بيد الحكام والقلة المشاركة معهم، هؤلاء لا يتقاسمون أعباء معاناة الناس بالتخفيف عنهم لكنهم يتقاسمون لقمة عيشهم، ويزيفون الظلم على غيرهم، ويدعون بالتغيير والحداثة والحكم الرشيد لصالح المواطن، بيد أن الحكومة التي أولى مهامها تحسين مستوى معيشة المواطن وفرض الاستقرار الأمني لم يكن هذا من أولوياتها بل كان السباق المادي على المصالح هو الذي يشغلها. من أول يوم تتولى فيه السلطة التنفيذيه. لهذا أصبحت عبئا إضافيا لتاريخ طويل من المعاناة.. هذه الحكومة لا تهتم بتنفيذ أنظمة وقوانين وتشريعات ولوائح تنظم سير عملها لإنجاز مهمها، ولكنها تهتم بتنفيذ أحكام الاعراف والعوائد القبلية. كيف لا والرئيس الذي يقف في أعلى هرم السلطة ومحسوب على التغيير يعود بتفكيره وذهنه وباجتهاده إلى القرون الغابرة بعد ثورة التغيير والمشوار الطويل للحوار ومخرجاته الذي شغل المواطن بضجيجه وأحكم الادعاء فيه بمسمى الدولة المدنية الحديثة. ها هو اليوم يؤسس إلى تلك المخرجات بالعودة إلى القبيلة وعوائدها وأعرافها والعدال والتهجير والثيران، بل وارتهان الدولة وإخضاعها بكل مؤسساتها وأجهزتها المدنية والعسكرية لنظام العرف والحكم والقبلي والعوائد الجاهلية، مقدمة لجعلها أقل كيانا وتأثيرا، بل وتابعا للقبيلة، وإن لم تكن كذلك فأقلها أن تصبح الدولة وسيطا، وجابية ضرائب، وأداة تنفيذ، بيد المشايخ القبليين وقادتهم العسكريين ونافذيهم في السلطة والحكم.. الرئيس الجديد هادي يعرف عن سلفه القديم صالح بحذق ومهارة التعلم، مسالك وعوامل استقرار السلطة في علاقتها بالسلطة الدينية والقبلية وقوى التأثير الداخلية والخارجية عليها، فلم يجد الرئيس هادي بدا من اللجوء إلى الطرق التقليدية والارتهان إلى القوى الخارجية لبقاء اليمن خارج الدولة وتحت تأثير القبيلة: في شكلها أولا/هي عبارة عن تجمعات بدوية لتصل يد الخير والعون الإنساني إليهم من جيرانهم اللدودين لهم والغيورين من مصالحهم. ويبقىى مضمونها ثانيا/في حالة ثأرية وحرب أبدية غير مباشرة بين تجمعاتها القبلية، وتكون الدولة المدنية المفترضة هي الوسيط الذي يعقد الصلح ويقوم بإجراء حل النزاعات وتسوية مشاكل الثارات القبلية. لكي تنشط هذه القبيلة حتى تضعف الأخرى، والعكس صحيح في دورة أخرى لكي يستمر التوازن وفقا لمبدأ فرق تسد.. لم يبال هادي وأعوانه من وجهاء القبيلة ورجال السلطة والدين في الوقوف أمام تحدي تصحيح العلاقة بين الدولة والمجتمع، والخروج من مأزق الدولة الرعوية للتخلص من وظائف تقوم بها هذه الدولة لصالح الانتفاع القبلي الذي أوجد الطبقة الطفيلية المتضخمة التي تصنع الآن الحروب المذهبية في مناطق الشمال والجنوب وتواصلها اليوم في عمران، حين أقحمت الرئيس هادي في الوساطات والخضوع للأحكام العرفية، وهيأته للزج بالقوات المسلحة والأمن للدخول في الحرب المذهبية والقبلية، بدعوى الدفاع عن العاصمة من سيطرة الحوثيين، هذه الطبقة الطفيلية المتضخمة لا تخاف على العاصمة صنعاء من تهديد السيطرة المذهبية الحوثية أو الزيدية، ولكنها تخاف أن تزاح يدها من الجنوب وحقولها النفطية ومربعاتها المقسمة بإحداثيات جغرافية بين أمراء الحرب وأولي السلطة، هؤلاء المدعين بالنقاء والصفاء الديني والمذهبي، يخافون أن تفلت منهم امتيازات الشركات والمقاولات من الباطن ومن الشراكة لكل الشركات في نهب خيرات الجنوب ومن عقد الصفقات والاتفاقيات السابقة واللاحقة. إنها عصابة الحكم اليمني التي استحضرت الأمم المتحدة ودول الإقليم والدول الراعية للتسوية، لحمايتهم من الإزاحة والانجرف من التغيير ولمنع إعطاء شعب الجنوب حق تقرير المصير حتى لا تستقر الأمور، وتصبح دولة الجنوب قادرة على إزاحة مصاصي الدماء والسماسرة وتجار الحروب.
والله على ما نقول شهيد
صالح محمد مسعد(أبوأمجد)
5/4/2014




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign