الصحافة البريطانية تكشف عن مضمون عروض امريكية مغرية لصنعاء        كهرباء عدن ....ماساة الصيف المتكرره تحت جنح الفشل والفساد الحكومي        غروندبرغ : نعمل على إطلاق الاسرى وتحسين القطاع الاقتصادي والمالي         مركز بحري دولي يحذر من سلاح يمني جديد      
    كتابات /
فضاعة الهجمات على الدفاع .. ناقوس خطر داهم

11/12/2013 06:53:12


 
عبدالله سلام الحكيمي
إن ما تعرضت له، اليوم، وزارة الدفاع ومشفاها، في قلب العاصمة صنعاء، من هجمات إرهابية دموية مريعة راح ضحيتها عشرات الشهداء والجرحى من رجال الجيش والأمن والمرضى والاطباء والممرضين والطواقم الطبية والزوار، يُعد أبشع وأحط أعمال الإجرام والإرهاب الهمجي ويجب شجبه وإدانته بكل عبارات الشجب والإدانة والتنديد باعتباره عملا مرفوضا بكل المعايير والقيم الإنسانية والدينية والأخلاقية والقانونية والعُرفية، وقد هزت الضمير الوطني والعربي والعالمي من أعماقه..
ونحن هنا لسنا بصدد تحديد الجهة أو الجهات التي تقف وراء تلك الهجمات تخطيطا وإعدادا وتمويلا وتنفيذا، حيث لا يزال الوقت مبكرا جدا للقيام بمهمة كتلك والدماء لاتزال تنزف وأجساد الضحايا ما فتئت دافئة، والخيوط والدلائل لا تزال مبعثرة ومفككة.. ولكننا أردنا فقط أن نواكب الحدث ونحوم حوله وفوقه وعلى جنباته لتكوين رؤية عامة حول البيئة والمناخ والظروف والملابسات التي دارت تلك الأحداث الإرهابية البشعة تحت ظلالها ووسط أجوائها وتأثيراتها المختلفة..
وبادئ ذي بدء نقول إن الهجوم الدموي الذي استهدف صباح اليوم وزارة الدفاع ومشفاها الطبي، من حيث حجم المشاركين في تنفيذه وعددهم الكبير، إلى حد ما، ونوع المعدات والأسلحة التي استخدمت فيه، وطبيعة التخطيط والإعداد والتنظيم العسكري، عالي الاحتراف وكذا الأسلوب المعتمد في تنفيذه، إضافة إلى الانتشار والتمركز في رقعة جغرافية واسعة نسبيا شملت الوزارة ومجمعها والنطاق السكني المحيط بها، والإسناد والإمداد البشري المُسلح واللاحق الذي تم ترتيبه وتأمين وصوله إلى منطقة العمليات بعد وقت قصير من المواجهة أو الموجة الأولى لها، ثم تواصل الاشتباكات والمواجهات، بحسب المعلومات والمتابعات المتوافرة حتى الان، إلى ساعات المساء وفي مناطق متعددة ومختارة من أمانة العاصمة ، وغير ذلك من المؤشرات والملامح، لا تتيح لنا الجزم أو التأكيد بأن ذلك الهجوم المنظم والدقيق والواسع يندرج ضمن الأعمال والعمليات أو الأساليب التي تقوم بها وتنفذها جماعات أو عصابات إجرامية وإرهابية خاصة في ظل ما يُعرف عن ضعف عديدها وتدني تدريباتها وإعدادها القتالي وتسليحها وإمكانياتها في التعبئة والحشد والتخطيط والتنظيم والأداء في اليمن، بل يمكننا، على ضوء ما ذكرناه آنفا من حقائق ومؤشرات وطبيعة هجوم الدفاع، ان نعتبره شكلا مُبتكرا ومُطورا من أشكال الانقلابات العسكرية المنظمة والدقيقة، وأية محاولة لإلقاء مسئولية ذلك الهجوم على ما يسمى(( القاعدة)) أو غيرها من المسميات الإرهابية المماثلة تجافي الحقيقة ويجانبها الصواب تماما، بل قد تكون بمثابة ذر للرماد على العيون والتمويه والتعمية عن الحقيقة لصرف الأنظار عن اكتشاف الجهة أو الجهات الحقيقية التي تقف وراءه وتنفذه..
ومما يعزز وجهة النظر هذه ويجعلها وجيهة ومعقولة، أنه وعلى مدى العامين الماضيين، إلا قليلا ، جرت سلسلة من عمليات التصفيات الدموية والاغتيالات، بلغت المائتي عملية أو كادت ، لقيادات وكوادر أمنية وعسكرية في المحافظات الجنوبية - على وجه الخصوص - وفي العاصمة صنعاء وبعض محافظات البلاد، وعدد من الهجمات المسلحة الأوسع والأكبر التي استهدفت بعض معسكرات ومقرات وحدات الجيش والأمن في محافظات ابين وعدن وحضرموت والبيضاء ومأرب، ولا تزال تلك الاغتيالات متواصلة بشكل يومي، تقريبا، إلى اليوم، مع توسيع نطاقها مؤخرا لتشمل قيادات صحفية ونشطاء وسياسيين ومراسلين إعلاميين ومعظمها تتم في وضح النهار، وفي مناطق مزدحمة وبذات الأسلوب والوسيلة، ومع ذلك لم يحدث ولم نسمع أو نعلم بواقعة واحدة تمكنت فيها أجهزة الأمن أو غيرها من إلقاء القبض أو محاكمة ولو مجرم واحد من منفذي تلك الاغتيالات أو الهجمات الإرهابية المريبة حقا! وإذا أضفنا إلى كل ما سبق إشعال نيران الفتن والحروب الأهلية ذات الطابع المذهبي الطائفي العنصري المناطقي ، يصبح من الواضح والجلي أمام أعيننا وعقولنا أن كل تلك الجرائم والأعمال الإرهابية المشار إليها آنفا والتي توجت اليوم بهجوم نوعي وبالغ الخطورة على وزارة الدفاع في وضح النهار وفي وسط وقلب العاصمة، إنما هي، في حقيقة الأمر، خطوات وعمليات تُمهد وتُعد وتهيئ الأوضاع السياسية في البلاد، على نحو مدروس ومخطط ومنظم للقيام بانقلاب عسكري كهدف نهائي لها، وهو ما يدركه ويُسلم به كل من له إلمام بسيط في المسائل السياسية والعسكرية والأمنية وخاصة أساليب وأشكال وآليات الانقلابات العسكرية على المستوى العالمي وسجلات تجاربها التاريخية قديما وحديثا، ومعلوم، بديهيا، أن هذا الأمر، أي التخطيط والإعداد للقيام بانقلاب عسكري فيه ولا تعمل على تنفيذه سوى جهة أو جهات متحالفة تملك مجموعة من وسائل وأدوات القوة والتأثير والحسم العملي مثل وحدات من الجيش وقوى الأمن ومصادر القوة والتأثير المالي الكافي، وقوى ووسائل التغطية السياسية والشعبية كالاحزاب والقوى السياسية والاجتماعية والمنظمات وغيرها، إضافة إلى توفر الأداة المُفكرة والمُخططة والمُنظمة من القيادات والكوادر المؤهلة وذات الخبرات والتجارب الكافية والمتصفة بالشجاعة والإقدام وخصوبة الخيال والطموح المتأجج، المتمتعة بقدر كبير من التكتم والسرية اللازمتين لضمان وتأمين بلوغ هدف الانقلاب العسكري في المحصلة الأخيرة، وجميعنا يعلم ويدرك حقيقة أن الجماعات والعصابات الإرهابية المسلحة لا تتوفر لها كل، أو بعض، تلك القدرات والخصائص والسمات، لأنها لا تجيد سوى القتل والتدمير وسفك الدماء وغالبا ما تكون أدوات تستخدمها وتوظفها مراكز قوى ونفوذ ذات سطوة لتحقيق اهدافها وحساباتها ومصالحها السياسية والنفعية الأشمل..
وحتى لو افترضنا- جدلا - أن جماعات وعصابات مسلحة إرهابية محترفة قد شاركت في الهجوم الأخير على وزارة الدفاع وبعض المناطق في العاصمة، وفي غيره من عمليات اغتيالات ومواجهات مسلحة سابقة، فإن مشاركتها لا تكون عادة إلا في إطار تقديم أو بيع خدماتها لمن ترتيط بهم من مراكز القوة والنفوذ ذات السطوة والهيمنة والقوة الأكبر والرؤية الاشمل التي تستخدمها كادوات تنفيذية على طريق تحقيق أهدافها وحساباتها السياسية لقاء بعض المصالح والمنافع المادية والحصول على مظلة تغطيها وتبسط عليها الحماية والتأمين وتسهيل تحركاتها وعملياتها ! ولهدا نجد بأن كل الجماعات أو العصابات الإرهابية المسلحة والإجرامية عادة بل دائما ما تكون متكئة أو مستندة أو مرتبطة إما بسلطة حاكمة أو بمركز قوة نافذ من مراكزها أو بقوة كبرى ذات قدرة وسطوة ونفوذ واضح، وبمعنى آخر فإن تلك الجماعات والعصابات المسلحة الإرهابية الإجرامية لا تملك أي مشروع سياسي متكامل خاص بها وتسعى إلى تحقيقه والانتصار له، وهوما يجعلها دائما مجرد مُلحق أو ذيل تابع لهذه القوة أو تلك، وفي حالة فقدانها لمثل هذا الغطاء والسند السياسي النافذ سرعان ما تتفكك وتتوارى وتتلاشي وكأنها لم تكن، هذا ما تؤكده تجارب التاريخ الإنساني كله بدون استثناء ، فإننا لا نعثر على اي جماعة مسلحة إرهابية احترفت العنف والقتل والإجرام في العالم، قد وصلت يوما إلى سدة الحُكم أو إدارة شئون دولة ومجتمع في أي بلد من بلدان العالم كله!.
بهذه الرؤية التحليلية الموضوعية وعلى ضوئها، التي اسهبنا بالحديث عنها وقد كان ذلك ضروريا، يجب علينا جميعا، أحزابا وقوى سياسية ومنظمات مدنية وفعاليات اجتماعية وشخصيات عامة ، وفي المقدمة منهم، القائمون على السلطة والحُكم في بلادنا اليوم، أن ننظر ونقيم ونشخص الهجوم الإجرامي الخطير على وزارة الدفاع ومشفاها وغيرها من المناطق في أمانة العاصمة وكذا ما سبقه من مسلسل الاغتيالات والمواجهات المسلحة المتواصلة والتي أشرنا إليها في سياق حديثنا هذا، وأية نظرة أو تشخيص لها بغير تلك الرؤية الموضوعية من شأنه أن يجعلنا نمضي في التيه ونستمر في الظلام والضياع ، ونتخبط في دهاليز وسراديب الظلال والإظلال، إظلال في أحكامنا وسياستنا وإظلال لشعبنا والعالم المحيط بنا..
إن الهجوم الارهابي على وزارة الدفاع اليوم وتداعياته مثله مثل سائر عمليات الاغتيالات المتواصلة والمتصاعدة والهجمات على معسكرات الجيش ومقرات الأمن، ما كان لها أن تتم ، بأي حال من الأحوال، وعلى ذلك المنحى الخطير والمتصاعد، لولا تمتعها وحصولها على دعم ومساعدة وتمويل وتغطية حماية وتأمين أمني كامل من قبل أطراف ومراكز قوى نافذة ومهيمنة داخل الدولة بمختلف مستوياتها، ومن قيادات مسيطرة على أجهزة الأمن ووحدات عسكرية ومؤسسات مدنية، في غلبة وسيطرة منطق وواقع الصراع التنافسي المرير بينها للاستراد والاستحواذ على السلطة لنفسها وإقصاء وازاحة غيرها، وبالتالي فإن ما تعانيه البلاد من تدهور مريع لاوضاعها العامة كلها وانفلات أمني شامل واضطرابات وقلاقل وحروب وعدم استقرار وفساد مستشر في كل نواحي ومجالات الحياة في بلادنا من فعل وصنع مراكز القوى والنفوذ المهيمنة والمكونة للسلطة الحاكمة والدولة، وعلى مراكز القوى والنفوذ المهيمنة تلك أن تتيقظ ، ولو للحظة واحدة، لتدرك حقيقة ساطعة بأن استمرار حالة التردي والانفلات والتدهور بالغ الخطورة لأوضاع البلاد العامة، من شأنه أن يدفع البلاد والشعب والكيان الوطني سريعا نحو هاوية الانهيار والضياع الشامل ، وأن انفجار بركان الفوضى والانهيار ستحرق حممه الملتهبة كامل الوطن والشعب، وستحرقهم وكل مصالحهم ومراكزهم وامتيازاتهم ووجودهم هم أنفسهم قبل غيرهم حين لن يبقى هناك وطن ولا يمن ولاكيان ولا شعب على خارطة الجغرافيا السياسية..
لقد آن الأوان الآن وفورا وبدون إبطاء أن تبادر مراكز القوى وأطراف السلطة الحاكمة المنتخبة- ومعها كل الأحزاب القوى السياسية والاجتماعية والمدنية والخيرين الشرفاء من أبناء اليمن ورجالاته- إلى الوقف الفوري والنهائي لفصول المسرحية التراجيدية العبثية للمأساة الرهيبة التي يعانيها شعبنا ووطننا والتي صنعناها ونصنعها بأيدينا وبعقلياتنا الغبية اللامسئولة ، وأن يعود الجميع إلى ضمائرهم ويغلبوا الشعور بالمسئوولية العامة والقيم الوطنية والأخلاقية السامية في أنفسهم، ويقرروا جميعا، وبدون استثناء، التخلص النهائي من الماضي البغيض الذي أعماهم وافسد فطرتهم الصافية بكل رواسبه وتجاربه المريرة والآمه القاسية وحساسياته ومشاحناته المتراكمة وأحقاده وبغضائه وعداواته السخيفة، ويجلسوا جميعا إلى بعضهم البعض تحت فضاء مفتوح ومشرق بأنواره وأجوائه الصحية النقية المفعمة بالرجاء والأمل والخير، ليتحدثوا حديث مصارحة ومكاشفة شاملة ليستخلصوا منه، في بداياته عِبَر ودروس وتجارب الماضي وكيف قادت أهواؤنا ومطامحنا ومصالحنا الضيقة الزائلة البلاد والعباد الى ما وصلت اليه احوالهم واوضاعهم المريرة المنهارة ،وننطلق بعد ذلك لرؤية المستقبل الجديد المنشود ورسم معالمه وصورته الإيجابية الأفضل للحاضر وآلاف من الاجيال، وحينها ، وإذا خلصت النوايا وصدقت، فإن حديث المصارحة والمكاشفة الشاملة ذاك سيوصلهم، حتما، إلى الإقرار والتوافق على الحقائق الاساسية التالية:
1) أن الوطن يتسع لكل أبنائه ، بمختلف قواهم وفئاتهم ومكوناتهم ومشاريعهم وتوجهاتهم دون استثناء، وأنه بأمس الحاجة لجهود وطاقات وإسهامات وإبداعات كل أبنائه لبناء حاضر حياتهم الكريمة، ومستقبل أجيالهم القادمة مشرقا حرا سعيدا عزيزا قويا منتجا للخير والرفاهية..
2) ان نزوع ورغبة قوة أو فئة أو مكون بعينه، بالتفرد والاستحواذ لوحده على مقاليد ومقدرات البلد والشعب، وإقصاء أو تهميش أو إبعاد الآخرين لم ينتج عنه ولن يقود إلا إلى الأزمات والكوارث المدمرة للجميع، وأن احتكار قوة السلطة والدولة والثروة لمفردها منهج عقيم وهدام بشكل مطلق، وأن بناء حاضر ومستقبل الأوطان لا يتحقق إلا عبر أسلوب المشاركة والتوافق الحقيقي بين جميع القوى والفئات والمكونات الوطنية دون إقصاء أو تهميش أو ظلم أو قهر لأي منها..
3) ان الحصول على مكاسب ومصالح وامتيازات فردية أو حزبية أو فئوية بطرق غير مشروعة وبدون وجه حق، سبب في انتشار واستفحال أساليب الفساد والإفساد وخلق الفوضى والأزمات وتدمير أسس ومقومات الدولة الوطنية، التي تحفظ للجميع مصالحهم وحقوقهم المشروعة والعادلة.
4) ان الدولة الوطنية الحديثة الراشدة والنزيهة والنظيفة والقوية هي المُحقق والضامن لعزة وكرامة وتقدم وشرف الشعب والوطن وهيبته وحريته ورفاهيته، ويجب على الجميع المساعدة والمشاركة على إقامتها وبنائها وتطورها على قواعد الدستور والقانون والحق والعدل والمساواة وعبر مؤسسات دستورية سليمة تضمن أوسع مشاركة شعبيه ممكنة في اتخاذ القرار وإدارة شئون الحُكم، وهي المحققة والضامنة والكافلة لكرامة وعزة وحقوق ومصالح الأفراد والجماعات بالقانون والحق والعدل والمساواة، وعلى الجميع أن يحرصوا، دائما، على عدم التدخل أو التأثير على شئون إدارة الحُكم والدولة للانحراف بمسارها وخلق الفساد والافساد المتعدد الأشكال في مؤسساتها ومرافقها وأجهزتها التنفيذية أو الرقابية أو القضائية، لأن ذلك نذير شئوم بانحلالها وسقوطها في الأخير، مما يهدد مصالح وحقوق وتطلعات الجميع سواء منهم الجيل الحالي أو الأجيال القادمة من بعده وهدم للوطن والشعب من خلال انتشار الفقر والتخلف وفقدان الأمل ومن ثم فتح الأبواب أمام التدخلات الخارجية وسيطرتها على مقدراتنا الوطنية وحريتنا واستقلالنا الوطني برمته..وعلى الجميع أن يدركوا ويقتنعوا بأن بناء الدول وإدارة شئون الحُكم والمجتمع، لا يحققه وينهض بأعبائه ومسئولياته الجسيمة، سوى الكفاءات والخبرات والقدرات العلمية المتخصصة والنزيهة والمخلصة من أبنائها المبدعين، وليس أصحاب القوة والنفوذ السياسي أو العسكري أو الاجتماعي القائمين على قانون الغلبة والفرض والقهر..
كان هذا أحد الجوانب الخطرة للغاية التي كشفت عنها عمليات الاغتيالات والمواجهات الإرهابية المسلحة التي جاء الهجوم على وزارة الدفاع وغيرها يومنا الأسود هذا في صنعاء آخر مسلسلها الطويل ولن يكون الأخير، وهناك إلى جانبه وبالتوازي معه، جانب آخر لا يقل خطورة وأثرا، وهو امتداد وتوسع وانتشار (( ثقافة العنف والقتل)) المؤسسة والمبنية على الفكر التكفيري الشامل المُستغل والمُحرف لقيم وتعاليم الدين الإسلامي الحنيف، وهي ثقافة وفكر دخيل ومحدث على مجتمعاتنا الإسلامية عبر تاريخها الطويل، ويسعى ويعمل بدأب ونشاط مكثف ومدعوم ماديا بشكل هائل ومن مصادر غير معلومة ، على ترسيخ القيم والسلوكيات الرئيسية التالية:
1) غسل الأدمغة وإعادة تشكيلها على نحو يُحقر النفس الآدمية وينسف عظمتها وقدسيتها باعتبارها نفحة من روح الله الخالق جل جلاله، ويكره ويؤثم كل مظهر من مظاهر الحرص عليها والتعلق بها والمحافظة عليها، ويعلي ويرفع مقام ومكانة وصدق إيمان كل من يستهين بها ويكرهها ويمتهنها ويستخف بها، ونشر ثقافة حب الموت واستعذابه والتسابق إليه تخلصا من الحياة وكراهتها! على نحوما نشاهده من عمليات انتحارية مجنونة إجرامية عبثية لا هدف من ورائها سوى القتل والمزيد من القتل وسفك الدماء البريئة..
2) تعميم وتوسيع نطاق التكفير إلى أقصى الحدود، حيث تعتبر كل جماعة على حدة من الجماعات التكفيرية، كل من ليس في إطارها وخاضع لإرادتها كافراً حتى ولو كان منضويا في إطار جماعات تكفيرية أخرى مماثلة لها أو مُسلما متدينا ومؤمنا من عموم المسلمين بالإضافة إلى كافة أتباع ومعتنقي الديانات السماوية والمعتقدات الأخرى، وكذا كافة الأحزاب السياسية بمختلف توجهاتها بما فيها ذات توجهات إسلامية ومنظمات مدنية وحقوقية ...الخ، وكل هؤلاء جميعا وقد صُنفوا كفارا يجب قتلهم، ومن يقوم بقتلهم يُجازى بالجنة والنعيم الأبدي وينال رضى الله تعالى والقرب منه وابتغاء مرضاته! وهذه الثقافة والفكر التكفيري المنحرف والضال المتعارض مع كل تعاليم وقيم ومبادئ الدين الحنيف، جعلت أعدادا من الشباب المتأثرين به يبحثون عن كل فرصة متاحة ويجهدون في البحث والتنقيب عنها للقيام بقتل النفس الإنسانية وسفك الدماء بقناعة وبرودة أعصاب باعتبارها فريضة دينية مقدسة وواجبة رغم أن(( القرآن الكريم)) يحث على احترام حرمة النفس الإنسانية عامة ويُحرم قتلها إلا كحق في القصاص العادل في حالة عدم قبول أولياء دم القتيل ببديل الدية النقدية..
3) خلق أجيال ، تتزايد أعدادها يوما بعد يوم، داخل المجتمعات التي تعيش وسطها وتنتمي إليها، أسريا وقرابة ، مشبعة بمشاعر الكراهية والبغض لمجتمعاتها والمجتمعات الأخرى، وتستخف وتحتقر وتتبرم بالحياة والنفس الإنسانية ، وتتشوق متعطشة للقتل الجماعي العشوائي وسفك الدماء بما في ذلك نحر وقتل أنفسها وحياتها هي بالدرجة الأولى، حيث افتقدت تماما أي شعور بقيمة ومعنى وقدسية الحياة، وحلت محلها قيم الموت وعشقه وإعلاء مكانته، وأصبحوا يشكلون خطرا داهما على الحياة الإنسانية عامة، وفي مقدمتها حياتهم أنفسهم! وباتوا كالحيوانات الضارية المفترسة بل أشد خطرا وفتكا منها، ذلك أن تلك الحيوانات لا تقتل فرائسها إلا لضرورة حياتها وإشباع جوعها فقط لا غير، أما هذا الجيل الشاذ فإنه يحترف القتل الجماعي والشامل لمجرد القتل وسفك الدماء على نحو عبثي، وتحولوا إلى قطعان مترحلة عابرة للحدود والقارات والدول من القتلة والمجرمين بحثا عن أماكن توفر لهم فرص إشباع نزعاتهم الشريرة للقتل وسفك الدماء والدمار العبثي المجنون.
إن هذا الجيل المنحرف الذي انتجته ثقافة ومناهج العنف والتكفير العدمي وتلقفته الحركات والعصابات الإرهابية المنظمة في بلادنا، هو الذي تستخدمه وتوظفه مراكز القوى والنفوذ المتصارعة على السلطة لخدمة مصالحها وحساباتها السياسية عبر سلسلة من العمليات الإرهابية الدموية البشعة والخطيرة، مقابل ما تمنحه لهم من مصالح ومكاسب مادية وحمائية معينة..
والواقع أن نموهم يتزايد وخطرهم يتفاقم مع استمرار حالة الصراعات المريرة على السلطة والحُكم بين مراكز القوى والنفوذ المهيمنة، ولا شك أنه، وعلى المدى المنظور ، سيهددون أمن واستقرار وتماسك المجتمع والدولة معا بما في ذلك مراكز القوى والنفوذ التي تستخدمهم وتوظفهم ، ربما تكتيكيا ومؤقتا، لمصالحها وأهدافها السياسية لكنهم في لحظة ما سوف يلتهمون مستخدميهم حين لم يعد هناك ما يلتهمونه! إن هناك حاجة وضرورة ملحتين لتنظيم مواجهة وطنية شاملة ومتعددة الأوجه والمجالات للتصدي لثقافة ومناهج العنف والتكفير وما نتج عنها من جماعات وعصابات مسلحة إرهابية متطرفة، مواجهة تشترك في فعالياتها كل الأحزاب والمنظمات والجامعات ومراكز البحوث والدراسات والجمعيات العلمية والمفكرين والمثقفين وعلماء الدين الملتزمين بجوهر الإسلام وتعاليمه وقيمه السامية العظيمة التي تحظ على حفظ الحياة والتعاون والسلام والحق والعدل والحرية بين خلق الله تعالى جميعا، مواجهة فكرية إقناعية حوارية تبث القيم البديلة الإيجابية الأفضل وكما قلنا، في سياق حديثنا هذا، فإن المواجهة تبدأ وتنطلق أولا وقبل كل شي من إقامة الدولة الوطنية الحديثة، دولة القانون والحق والعدل والمساواة، دولة النزاهة والاستقامه والشفافية، دولة لا فساد فيها ولا محسوبية ولا فئوية ولا فوضى وعبث، دولة تقضي على البطالة والفقر وتفتح الآفاق والآمال أمام كل أبنائها وتفجر طاقاتهم الكامنة لتحقيق تطلعاتهم وتوقهم لحياة أفضل وأكرم وأرغد..
فهل نحن فاعلون؟ وهل تصحى ضمائرنا وأخلاقنا؟ وهل نلتقي جميعا لانقاذ وطني شامل مُلح وعاجل ؟ دعونا نأمل ذلك والله الموفق.





جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign