الصحافة البريطانية تكشف عن مضمون عروض امريكية مغرية لصنعاء        كهرباء عدن ....ماساة الصيف المتكرره تحت جنح الفشل والفساد الحكومي        غروندبرغ : نعمل على إطلاق الاسرى وتحسين القطاع الاقتصادي والمالي         مركز بحري دولي يحذر من سلاح يمني جديد      
    كتابات /
جدبان: المفكر الزيدي المدني!

04/12/2013 16:35:59


 
د. مصطفى يحيى بهران
كان أول لقاء بيننا قبل حوالي 11 عاما، بالتحديد في منتصف أكتوبر 2002، عندما زارني في مكتبي في اللجنة الوطنية للطاقة الذرية - حينما كنت انشؤها آنذاك - حاملا معه هدية فكرية هي كتابه (تحقيق ودراسة من جزئين) "مجموع رسائل الإمام القاسم بن ابراهيم الرسي"، من منشورات دار الحكمة اليمانية عام 2001، ودار بيننا حديث مسهب، أو لنقل عاصفة فكرية جميلة، عن الفكر الزيدي والزيدية في اليمن، اختلفنا واتفقنا، في سجال مدني حضاري جميل، ولم يكن الفقيد عبدالكريم جدبان قد دخل مجلس النواب آنذاك، فلم يكن رجل سياسة بل كان باحثا ومفكرا زيديا متخصصا (من مؤسسي مجموعة "الشباب المؤمن" مع زميله محمد عزّان صاحب كراس "قرشية الخلافة"، و كان لا ينزعج من حدة هجومي على موضوع البطنين).
عندما التقينا أول مرة كان الفقيد يَعلم مبادئي التحررية، وجاء يقص عليَ قصة جدي الأكبر رحمه الله وطيب ثراه قبل مئات السنين، أحد مؤسسي الفقه الزيدي إبان حكم الإمام شرف الدين، صاحب "التحفة" و"الكافل" و"البيان" و"المعتمد" و"الشافي" وغيرها من المؤلفات، وصاحب اللامية الصعدية الشهيره، القاضي العلامة والفقيه المجتهد/ محمد بن يحيى بهران، فقصصت عليه قصة والدي المرحوم بإذن الله الأستاذ/ يحيى محمد بهران، القاضي الشافعي الذي ثار مع زملائه السبتمبريين ضد الإمامة الكهنوتية السلالية البائدة فخلع عمامة القاضي وارتبط بجماهير الشعب في سيرة حياة كلها كفاح على خلفية إرادة ثورية قومية يسارية تحررية، أمين عام التنظيم الشعبي الثوري، مستشار رئيس الجمهورية، وزير إعلام حكومة المرحوم السلال (كان والدي طيب الله ثراه وعطر قلبي دائما بذكراه في صحة جيدة حينها)، ولكم أن تتخيلوا كيف كان النقاش بيننا عاصفا وممتعا في آن.
استمرت الصداقة والنقاشات القائمة على كل محبة واحترام بيننا، أما بشأن صعدة فأتذكر أنني قلت له في مارس 2008 في مكتبي في وزارة الكهرباء عندما جاء يهديني كتابه "من مجموع كتب ورسائل الإمام العياني"، الذي نشره مركز التراث والبحوث اليمني في 2006، إنني كنت قد طلبت من المختصين أن يعدوا لي رسما بيانيا على شكل أعمدة يُحدد ما أنفقته الدولة في مجال الكهرباء على كل محافظة يمنية على حده خلال العقد الماضي، وعندما نظرت إلى ما أُعدّ من رسم ملون جميل شكلا وجدت أن محافظة صعدة (هي ومثيلاتها من المحافظات المحرومة) كان عمودها صغيرا لا يكاد يرى بالعين المجردة، وكتبت بخط يدي حينها على الرسم "والله ما عندهم حجه أصحاب صعدة" متعاطفا ومستهجنا الحروب العبثية التي كانت قائمة حينها، وكنا في قطاع الكهرباء قد رسمنا خططا إستراتيجية لتغيير ذلك الوضع (مثلما كان لنا خطط مماثلة لبقية المحافظات المحرومة لم يسمح لنا الوسخ السياسي بتنفيذها) من خلال الاستفادة من اتفاق الربط الكهربائي الذي كان قائما بيننا وبين اشقائنا في المملكة العربية السعودية (لم يتم حتى يومنا هذا).
كلما أتذكر حواراتنا كلما تهف على قلبي عواطف متداخلة ما بين الحزن على هذا الرجل العظيم وبين الشوق لتلك المداخلات في عمقها ومدنيتها وطبيعتها الإنسانية الراقية.. قلت له ذات يوم وهو ينوي التحضير للدراسات العليا من خلال الاستمرار في دراسة وتحقيق التراث الفكري الزيدي: "إنك تمثل البعد المدني الحضاري للفكر الزيدي اليمني المعاصر"، وذلك لأن الكتابة اليمنية المتخصصة في هذا الفكر وعنه منذ الشوكاني وقبله وبعده أغلبها كتابات تقليدية (غير أكاديمية متخصصة باستثناءات قليلة مثل أطروحات الجميل علي محمد زيد)، وكون الفقيد كان بصدد تأطير دراساته حول الفكر الزيدي في إطار أكاديمي جامعي بما لهذا الإطار من شروط وتقاليد ومناهج معرفية يعني أنه يتحول من مفكر زيدي تقليدي إلى مفكر زيدي مدني حديث.
يُخطئ الكثيرون عندما يحصرون الحديث عن الفقيد المرحوم بإذن الله تعالى عبد الكريم جدبان في إطار سياسي أو في إطار "أنصار الله" بالتحديد، فهو أوسع من ذلك بكثير لأنه بحق يمثل الفكر الزيدي اليمني في عراقته وتطوره وتجدده، وبالتالي فإن القتلة المجرمين الجبناء لم يقتلوا سياسيا يمنيا فحسب بل قتلوا مفكرا يمنيا من الطراز الأول.
اللهم إني أعوذ بك من القتلة والمجرمين، وأرفع يديا إليك مترحما على الفقيد الصديق، المفكر الوثيق، والباحث الدقيق، والمحاور الرفيق، الزيدي الأنيق، عبدالكريم جدبان، الإنسان ذي الميزان، فاللهم بحق عظيم القرآن، اغفر له وارحمه واسكنه فسيح الجنان، وألهمنا وأهلة وأحبته الصبر والسلوان، واحفظ هذا البلد الطيب وأخرجه إلى بر الأمان، إنك أنت العزيز الرحمان.




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign