الصحافة البريطانية تكشف عن مضمون عروض امريكية مغرية لصنعاء        كهرباء عدن ....ماساة الصيف المتكرره تحت جنح الفشل والفساد الحكومي        غروندبرغ : نعمل على إطلاق الاسرى وتحسين القطاع الاقتصادي والمالي         مركز بحري دولي يحذر من سلاح يمني جديد      
    كتابات /
دولة يمنية اتحادية..لكن مع وقف التنفيذ

06/11/2013 09:11:27


 
عبدالله سلام الحكيمي
الظاهر أن مؤتمر الحوار الوطني لايزال منذ بدء أعماله واقعاً تحت تأثير كابوس "القضية الجنوبية" الممسكة بخناقه وتلابيبه بقوة وأحكام, فارضة عليه حالة من الاضطراب والحيرة تمنعه من إعلان مجمل منظومة نتائجه ومخرجاته المتعلقة بالقضايا والمهام التي انيطت به ولاشك أن هذا الوضع يعد طبيعيا ومتوقعا من البداية, ولقد أكدنا ومعنا كثيرون مرارا وتكرارا ان معالجة الأزمة والقضية الجنوبية تشكل مدخلا ومفتاحا رئيسيا لمعالجة وحل كافة أزماتنا ومشكلاتنا الوطنية التي لا يمكن حلها إلا من خلال بوابة حل القضية الجنوبية ناولا, ورغم أن هناك عددا من الرؤى والتصورات مطروحة على المؤتمر حول كيفية حل تلك القضية الجنوبية, صحيح إنها تتباين وتختلف حول طبيعة ذلك الحل ومداه وأهدافه إلا أن الأطراف السياسية التي صاغتها وقدمتها افتقرت إلى الدرجة المطلوبة من العمق والمسؤولية والشجاعة البنّاءة في إدارة الحوار حولها والمبادرة إلى مناقشة وطرح بدائل متعددة والالتقاء على أرضية لقاء القاسم المشترك, وظل كل طرف حبيس خندق رؤيته وتصوره في الغالب الأعم, وهو ما قيد الحوار وحال بينه وبين التقدم خطوات نحو الأمام وصولا إلى نقطة توافق تضمن تلبية المطالب والأهداف الموضوعية التي يطرحها الجنوبيون دون تنازل أو تفريط بالأسس والمعايير والمقومات العلمية المتعارف عليها في الفكر السياسي العالمي الخاص ببناء الدولة الاتحادية وفلسفتها والياتها وعلاقاتها ووظائفها..الخ..ولعل أكثر ما يهمنا في هذا السياق هو أهمية إجراء مناقشة بناءة وهادئة للرؤية والتصور التي طرحها الحزب الاشتراكي اليمني ومعه غالبية فصائل وقوى الحراك الجنوبي المشاركة في مؤتمر الحوار على اختلاف بينهم في بعض التفاصيل, والى حد كبير القيادات والقوى الجنوبية في الخارج، إضافة إلى فصائل الحراك في الخارج,بالإضافة إلى فصائل الحراك في الداخل غير المشاركة في الحوار التي نعتقد بأنها قد تلتقي في الهدف النهائي لتلك الرؤية والتصور وان اختلفت في أطرافه حول التفاصيل وسلم الأولويات فيه والتصور هذا الذي نحن بصدد مناقشته يقوم على المرتكزات الرئيسية التالية:أولاً:عودة كل من الجنوب والشمال إلى "نقطة الصفر" أي إلى وضع الجغرافي الذي كانا عليه قبل اعل الوحدة العرجاء في 22 مايو 1990كإقليمين وليس كدولتين حسب فهمنا المتصور..
ثانياً: إقامة دولة اتحادية"فيدرالية" بين الإقليمين: الجنوب والشمال بحيث يكون لكل إقليم برلمان وحكومة وحاكمان منتخبان كسلطات إقليمية كاملة الصلاحيات والمسؤليات وأيضاً إنشاء سلطات اتحادية مركزية مماثلة يحدد الدستور والقوانين طبيعة وآليات العلاقة بين المستويين الإقليمي والاتحادي..
ثالثاً: تقوم الدولة الاتحادية هذه على قاعدة تقاسم كافة وظائفها المدنية والعسكرية وبكافة مستوياتها من الأعلى إلى الأدنى بالمناصفة بين الإقليمين وكذا الحال بالنسبة للثروات حسب ما فهمنا...
رابعا: على أن تحدد المدة الزمنية المعطاة لهذه الدولة الاتحادية الفيدرالية بين الإقليمين بفترة خمس سنوات, ينظم في نهايتها استفتاء عام لشعب إقليم الجنوب ليقرر مصيره أما بالبقاء ضمن هذه الدولة الاتحادية أو الانفصال عنها باستعادة دولته المستقلة..
تلك كانت أهم الأسس والمرتكزات التي تضمنها التصور المطروح على مؤتمر الحوار الوطني من قبل الحزب الاشتراكي وقوى وفصائل الحراك الجنوبي المشاركة في الحوار وبعضها الأخر غير المشارك حول كيفية حل القضية الجنوبية وبناء الدولة اليمنية الاتحادية الحديثة وهي ما سنقوم تاليا في مناقشتها بهدوء وموضوعية وود..
ويستند واضعو هذا التصور على مبرر محوري يقول بأن الجنوب الذي دخل الوحدة عام 1990م بقناعه وحماس تعرض بعد حرب صيف 1994م الظالمة إلى عملية ممنهجة من التهميش والإقصاء والنهب المنظم والجائر لمقدراته وثرواته وتسريح عشرات الآلاف من رجاله في الجيش والأمن والدولة عموماً بفعل الممارسات والسياسات الخاطئة والمتخلفة والمدمرة التي نفذتها بغباء وجهل السلطة الحاكمة الأسرية المناطقية الفاسدة وكل ذلك أدى مع المدى إلى أن الجنوبيين فقدوا الثقة كلية بالوحدة وجدواها وصاروا في غالبيتهم الساحقة لا يقبلون سوى باستعادة دولتهم المستقلة وفك ارتباطهم بالوحدة نهائيا ولهذا يرى واضعو هذا التصور بان تصورهم يهدف أساساً إلى تطمين الجنوبيين وإعطائهم كل الضمانات والإغراءات والمكاسب المحددة في مرتكزات وأسس التصور كأسلوب لاستعادة ثقتهم المفقودة بالوحدة وجدواها وإقناعهم بفوائد وايجابيات البقاء ضمن إطار الدولة الاتحادية الجديدة المحققة لمصالحهم ومستقبلهم المشرق..الخ, حتى إذا ما شارفت فترة الخمس السنوات المحددة لبقاء تلك الدولة الاتحادية وجرى استفتاء شعب الجنوب فلاشك انه سيختار حينها ويفضل البقاء في الدولة الاتحادية اليمنية ومع اتفاقنا وتسليمنا الكامل بالسياسات المدمرة والجرائم الواسعة التي ارتكبتها السلطة الحاكمة الفاسدة والمتخلفة بزعامة علي عبدالله صالح الذي اسقطته الثورة الشعبية السلمية العظيمة بحق الجنوب والجنوبيين خاصة, وبحق اليمنيين كافة عموما, لكننا نختلف إلى حد ما حول النتائج والمترتبات التي تبنى على ذلك المبرر الوجيه وسبل ووسائل مواجهته ومعالجته وتجاوز مفاعيله.. ونحن اليمنيين لسنا بدعاً من شعوب وأمم العالم التي رزحت في فترات من تاريخها لأبشع وأقسى صنوف الاضطهاد والقهر والاستبداد والطغيان الوحشي من قبل سلطاتها الحاكمة, لكنها اختارت سبل وأساليب النضال والكفاح الضاري والمرير في مقاومة ومواجهة حكامها الطغاة وقدمت تضحيات جسيمه باهظة من الأرواح والدماء والمعاناة والعذاب لإسقاط وإزاحة سلطات الحكم الطاغية والمستبدة وفرض إرادتها صائغة نصرها المبين ومعيدة بناء حياتها ومستقبلها المشرق الجديد وفقا لإرادتها وتطلعاتها وأهدافها العظيمة ولم تتوار منهزمة أو تعود إلى الوراء والقبول بإنصاف او أرباع الحلول فالطغاة والجبابرة والمستبدون يزولون ويختفون إلى الأبد مشيعين بالخزي والعار وتبقى الشعوب والأوطان هي الخالدة والمنتصرة دوما..
وعندما تتخلص الشعوب والأمم الحية والعظيمة من سلطات حكمها الجائرة وحكامها الطغاة والمستبدين والفاسدين وتسقطهم نهائيا فإنها تنطلق مباشرة في إعادة بناء حياتها من جديد وتضيع مستقبل أجيالها وفق قيم ومثل ومبادئ جديدة كريمة عزيزة وعلى أسس الحرية والعدالة ونحو أفاق التقدم والازدهار دائما فذلك هو قانون التاريخ الرئيسي الذي ما سار يوما إلا قدما والى الإمام ونحو المستقبل المشرق الواعد لا تلتفت إلى ما عانته من مراحل المأساة والمعاناة والعذابات والقهر إلا لاستخلاص العبرة والموعظة والتزود بطاقات وقوى ومحركات وحوافز الانطلاق الوثاب نحو المستقبل وتؤبى أن البقاء والعيش ضمن إطار واسر الماضي البغيض الذي إن ظلت الشعوب والأمم أسيرة له ولاحباطاته فان ذلك يعني أن حكامها الطغاة المستبدين لا يزالون مؤثرين ومهيمنين عليها ومتحكمين في حركتها وحاضرها ومستقبلها بقبولها العيش تحت تأثير منطقهم وقانونهم الماضوي المتخلف,,
ولهذا نقول بان تطمين اخواننا الجنوبيين وإعادة ثقتهم بالوحدة واقتناعهم بجدوى وفوائد وايجابية الوحدة واقناعهم بكل ذلك لا يمكن ان يأتي أو يتحقق عبر إعطائهم حقوقا إضافية استثنائية آو تميزهم بمميزات ومكاسب دون سائر مواطني الدولة وعلى حسابهم من قبيل مناصفة وظائف الدولة مدنية وعسكرية ومن أعلى إلى ادني بين الجنوب والشمال مثلا,بل يأتي ويتحقق يقينا حاضرا ومستقبلا عبر ومن خلال وبإقامة الدولة الاتحادية الديمقراطية الحديثة المنشود وفقا وعلى أساس المقومات والمعايير والشروط العليمة والسليمة المتعارف عليها عاليما في بتاء الدول الحديثة ومنها بل واهمها البناء المؤسسي الدستوري لسلطاتها وهيئاتها والاحتكام والاحترام التام للدستور والقوانين, وبسلطة قضائية نزيهة ومستقلة وحيادية وبالتقيد الكامل بالمضامين الديمقراطية وحقوق الانسان والحريات الفردية والعامة وبمساواة المواطنين مساواة تامة في الحقوق والواجبات وبعبارة أخرى المواطنة المتساوية وتحقيق أقصى قدر من المشاركة الشعبية راسيا وأفقياً في إدارة شئون الحكم والمجتمع ,مشاركة حقيقية فعالة.
ذلك ان دولة بكل هذه المواصفات والمعايير والمضامين هي وحدها التي لا تطمئن ولا تستعيد ثقة ورضا الجنوبيين فحسب بل وكل مواطني الدولة بمختلف فئاتهم وشرائحهم الاجتماعية والسياسية بدون استثناء أو إقصاء..
وبناء على كل ما سبق ومع كامل احترامنا وودنا للأطراف السياسية التي طرحت ذلك التصور في حل القضية الجنوبية وشكل ومضمون بناء الدولة الاتحادية بمرتكزاته المشار إليها آنفاً إلا أننا نفتقد أن مرتكزات ذلك التصور لا يمكن إلا أن يقيم ويبني دولة تستند إلى تمييز جهوي مناطقي عنصري بين شعب ومواطني الدولة ويحمل في طياته سواء من حيث تقسيم الدولة إلى إقليمين جنوب وشمال بالحدود الجغرافية التي كانا عليها قبل وحدة 1990م أو من حيث تقاسم كافة وظائف الدولة المختلفة بين الجنوب والشمال بالمناصفة الكلية بذور وعوامل تفجير الدولة وفنائها لأنها وان نجحت في إقناع الجنوبيين فانها ستغضب الشماليين وهكذا فان هذا التصور كانه فر من الرمضاء ليقع في لهيب النار ولا شك انه أذا ما أوخذ به وبمرتكزاته فانه سيساهم إلى حد بعيد في خلق بيئة ملائمة ويصنع مداميك انفجار حرب أهلية شعبية شاملة ومروعة حقا سواء علم بذلك أو جهل..
ولعل اخطر ما في مرتكزات هذا التصور انه يسعى في المحصلة النهائية له كما تبين المرتكز "رابعا" الذي اشرنا إليه آنفا في سياق بلورة مرتكزاته إلى إقامة دولة اتحادية فيدرالية جديدة لليمن مع وقف التنفيذ أو تحت التجربة والاختبار لمدة خمس سنوات وبعدها إما أن تتلاشى وتندثر أو تبقى وتستمر على ضوء نتائج استفتاء شعب الجنوب! ولا اعلم, بحسب معلوماتي, إن أي دولة أقيمت في العالم على التمييز والمفاضلة بين مواطنيها من ناحية وبأن تكون مؤقتة من أو مربوطة بأجل زمني محدد ثم يقرر جزء من مواطنيها مصيرها بقاء آو زوالا, على غرار عقد الزواج لأجل محدد أو ما يعرف بزواج المتعة!! ان مثل هذا التصور لا يخدم شعب الجنوب ولا قضيته في المدى البعيد وان ادعى غير ذبك بل يضر به وبقضيته ابلغ ضرر وكذا باليمنيين كافة وقضاياهم الوطنية المشتركة.. والواقع أن قيادة الشعوب والأمم وبناء الأوطان والدول المحترمة لا تتم وفق عقلية ومنهج واضعي مثل ذلك التصور بمرتكزاته وإنما تتم بعقليات وأفكار عظيمة وببصائر قادة تاريخيين عظماء تمتد أبصارهم الى آفاق المستقبل البعيد مستشرفين قوانين التاريخ وجوهره ومقتضيات ومتطلبات نهضة ورقي شعوبهم وأوطانهم وقوتها وحريتها وكرامتها ولا تغوص أقدامهم تحت رمال الماضي البغيض المتحركة فيتسمرون هناك ولا يبرحونه حتى يواريهم النسيان والعدم..
ويساورنا في الواقع إحساس نأمل أن نكون مخطئين فيه بان ذلك التصور الذي نناقشه هنا قد صاغ مضمونه ومرتكزاته ومراميه قادة سياسيون لأحزاب وجماعات قصدوا به من حيث طبيعة وتركيب دولة اتحادية مؤقتة بفترة خمس سنوات ثم يصبح مصيرها ومستقبلها في مهب الريح ومن حيث الاصفرار على إقامتها بين اقليمين الجنوب والشمال فقط وبحدودها السابقة لعام 1990م وتقاسم وظائفها وثرواتها بينهما بالمناصفة الخ...خدمة وتحقيق طموحات أولئك القادة ومطامحهم ومصالحهم الحزبية والشخصية من خلال استثمار نتائج بناء شعبيتهم وتمكين قواعدهم الإدارية في مختلف المواقع والسلطات وتوسيعها وتعزيزها وخلق وبناء ترتيبات وأوضاع على الأرض تمكنهم من العودة مجددا لحكم دولة الجنوب القادمة حتما وفقا لمرتكزات تصورهم ذاك اذا لو كان هدفهم خدمة شعب الجنوب والانتصار لقضيته العادلة حقا لكانوا طرحوا مادام والكل مقر بالمناصفة بين الجنوب والشمال تورا مختلفا يقوم على انتخابات شعبية حرة ونزيهة لجمعية تأسيسية أو وطنية او أية تسمية اخرى, تمثل الجنوب وتكتسب شرعيتها من خلال انتخاب شعب الجنوب لها, ومثلها وعلى ذات الاسس في الشمال بحيث تتولى هاتان الجمعيتان الشرعيتان المنتخبتان شعبيا من إدارة حوار بينهما لتقرير مصير دولة الوحدة وشكلها ومضمونها أن أردنا البقاء ضمن إطار الوحدة أو الاتفاق على كيفية وآليات الوحدة إلى واقع ما قبل 22 مايو 1990م ذلك انه ما من قائد سياسي ولا حزب ولا سلطة بإمكانها أن تدعي الآن امتلاكها شرعية تمثيل الجنوب او الشمال وليس باللجوء الى حلول عوجاء وغير سليمة والالتفاف على شعب الجنوب ومغالطته بتقديم رشاوى سياسية ومنحه مكاسب وامتيازات هم أول من يعلم عدم شرعيتها وتناقضها مع المبادئ والأسس المتعارف عليها عالميا في بناء الدول وشراء صمته وموافقته واسترضائه لمدة خمس سنوات ثم "يحلها الحلال" كما يقولون!
إن استفتاء شعب الجنوب اليوم ليختار ما يريد حتى إذا قرر استعادة دولته المستقلة لهو أهون واسلم واقل ضرراً وإضرارا من ترحيل القضية والأزمة إلى ما بعد خمس سنوات تحت حكم تمييز مناطقي عنصري متخلفة ستقود إلى تفجير حرب أهلية شعبية شاملة تأكل الأخضر واليابس سببها جهل القيادات السياسية وضيق افقها وانتهازيتها المدمرة..
هذا رأينا وهذا موقفنا نسجله للتاريخ..فهل هم منتهون؟ نأمل ذلك إذا شاء الله
عبدالله سلام الحكيمي




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign