الصحافة البريطانية تكشف عن مضمون عروض امريكية مغرية لصنعاء        كهرباء عدن ....ماساة الصيف المتكرره تحت جنح الفشل والفساد الحكومي        غروندبرغ : نعمل على إطلاق الاسرى وتحسين القطاع الاقتصادي والمالي         مركز بحري دولي يحذر من سلاح يمني جديد      
    كتابات /
[الحلقة السادسة] الأخيرة
سقوط حكم "الإخوان" في مصر.. نظرة حول الأسباب والتداعيات

28/08/2013 10:27:41


 
عبدالله سلام الحكيمي
تحدثنا في الحلقة الخامسة السابقة حول ثالث تداعيات سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر على تركيا ودورها الإقليمي المتصور في الإطار العام لمشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد الذي صاغته وأعلنته الإدارة الأمريكية عام 2002م، لإعادة رسم وصياغة الخارطة السياسية لهذه المنطقة الإقليمية المترامية الأطراف والمهمة اقتصاديًّا واستراتيجيًّا..
وفي هذه الحلقة سيتطرق حديثنا حول رابع التداعيات المقصورة على الحاضر والمستقبل السياسي للدول العربية في أرض وطنها الكبير الممتد من المحيط الأطلسي في المغرب العربي غربًا وحتى البحرين على الخليج العربي شرقًا، والذي يحتل من حيث الأهمية والموقع قلب منطقة الشرق الأوسط الكبير..
والواقع أن هذا الوطن العربي الكبير ظل منذ ما بعد مرحلة التحرر الوطني لبلدانه مطلع الخمسينيات والستينيات والسبعينيات، تحديدًا، في ظل حالة مريرة ومزرية من الصراعات والانقسامات والتنافرات بين دوله وأنظمة حكمه الوطنية حديثة النشأة والتجربة، ولم تستطع قيادات تلك الأنظمة الحاكمة على اختلاف مشاربها ومناهجها السياسية ومصالحها المتباينة، أن تبتكر وتتفق على صيغة سياسية لإدارة تبايناتها وخلافاتها وتعارض توجهاتها، والاتفاق على أرضية لقاء مشتركة وواقعية ومثمرة لتعاونها وعملها المشترك حول حماية مصالحها الوطنية وأهدافها وتطلعاتها المشروعة غير المختلف عليها لتكوين وحدة موقف لمواجهة التحديات والمعوقات، وتعرّضها للاستهداف الناتج عن صراعات وتنافسات القوى الدولية الكبرى والإقليمية والمؤثرة، وهو ما جعلها، جميعًا، بطيئة الخطى، ضعيفة القوة، متعثرة في انطلاقتها التي كانت ضرورية ومُلحّة في صنع التقدم والازدهار والنهوض الحضاري الشامل في مختلف المجالات العلمية والصناعية والتكنولوجية والاقتصادية والاجتماعية أسوة بأمم أُخرى بدأت في مسيرتها بعدها وسبقتها وتجاوزتها على سلّم الرقيّ بمراحل طويلة.. ولعل السبب الرئيس لذلك الواقع العربي المتصارع، والمنقسم والمفكك والمضطرب، بالغ السوء، والمتردي، يكمن في صعود زعامات إلى سدّة الحُكم في العديد من البلدان أو الدول العربية، بعضها كانت له رؤى وتوجّهات سياسية وأيديولوجية، تتجاوز نطاقها الوطني المحلي، الذي تحكمه وتُديره دستوريًّا وقانونيًّا، وتمتد في طموحاتها إلى النطاق القومي، وأيضًا الأممي العالمي، وبصرف النظر عن الاتفاق أو الاختلاف معها حول ما تُمثّله من قناعات وتوجهات، إلا أن الحقيقة الماثلة تشير إلى أن تلك الزعامات وظّفت إمكانات وطاقات وقدرات الدولة الوطنية التي تقودها وتحكمها نحو تنفيذ وتحقيق أهداف وغايات الرؤى والتوجهات الأيديولوجية السياسية، التي تؤمن بها، وتعتبرها أساس شرعيّتها ومشروعيتها، مما جعلها تستهدف أنظمة حكم في دول عربية أخرى، وتُشكِّل تهديدًا لزعاماتها الحاكمة التي لم تجد أمامها مفرًّا؛ بهدف حماية وجودها، سوى التوجّه صوب قوى دولية عظمى ونافذة لعقد اتفاقات وتحالفات غير متكافئة معها للحماية مقابل منحها مصالح ومكاسب مختلفة في مختلف المجالات لحمايتها من الشقيق الذي يتهددها، وهي التي لا تعرف ولا تعترف سوى بمصالحها الخاصة بها على حساب مصالح الحليف الأضعف، وهناك صنف آخر من الزعامات العربية ظلت، على اختلاف المستويات، متأثرة ومحاكية لعقلية شيخ القبيلة والدفاع عن حِمى القبيلة وشرفها أو عِرضها، ومتشربةً لثقافة "الثأر" و"العار"، حاصرة رؤيتها واهتماماتها على نطاقها الوطني المحلي ومنكفئة عليه، عازفة عن التعامل والتعاطي مع مجريات وأحداث ما يدور حولها وإلى جوارها القريب والبعيد، والذي سيؤثّر عليها حتمًا، ويتأثر بها بحكم منطق وطبيعة الأشياء في عالم السياسة والعلاقات الخارجية الإقليمية والدولية، وما بين جموح وشطحات والاندفاع الحماسي المتأجج لنمط الزعامات العربية ذات المرجعيات الأيديولوجية الثورية المتجاوزة للحدود الوطنية المحلية، وجمود ورتابة وسكون وانكفاء نمط الزعامات التقليدية، وانحصار اهتماماتها على الشأن الداخلي البحت وحده، وردود الأفعال والمترتبات التي تمخضت عن سياسات كليهما، حلّ العِداء المرير محل الإخاء الحميم بين البلدان والدول العربية، وتقطعت وشائج القربى وصلات المحبة بينهما، وسادت حالة بالغة العمق من انعدام الثقة والشكوك المستحكِمة في علاقاتها البينية، وأغلقت المعابر ونسفت جسور الصلات والاتصالات على اختلافها وتعددها فيما بين شعوبها وشبابها وسياسييها ومفكريها، واتسعت الشقة الفاصلة بينها، وتعمقت الهوّة المباعدة بينها على نحو لا نظير له حتى بين البلدان والدول الغريبة عن بعضها البعض، بل والمتصارعة في الغالب.. وفشلت تلك الزعامات العربية الحاكمة للدول العربية في تنحية حساسياتها واعتباراتها الشخصية والتنازل، قليلًا، عن كبريائها وأنفتها تغليبًا للصالح العربي العام والأهم والأبقى لتلتقي جميعها وديًّا، وتتفاهم بهدوء وواقعية وموضوعية متجردة للاتفاق على كلمة سواء، والخروج بصيغة لتعاونها وعملها حول المشترك والمتفق عليه والمحقِّق لمصالحها ومصالح شعوبها جميعًا، وتُنحّي - جانبًا - كل القضايا والمسائل المثيرة للخلاف والتباين والهواجس والشكوك المتبادَلة تجاه بعضها البعض، وتغض النظر، تمامًا، عن محدداتها وأحكامها الأيديولوجية المسبقة وعدم إقحامها في مجال العلاقات العربية - العربية، والتعاون والعمل العربي المشترك بين الدول العربية، وقبول واحترام تعدد واختلاف وتباين الأنظمة العربية أيًّا تكون مناهجها وطبيعتها، فمصالح البلدان والشعوب العربية هي الأولى والأهم والأجدى والأخلد والأنفع.. وما لم تنهض الزعامات العربية الحاكمة في نهضة وتقدُّم وازدهار وعزة بلدانهم وشعوبهم الواحدة عقيدة وأصلًا وتاريخًا ولغةً وأرضًا ليأخذوا مكانة لائقة وكريمة في عالم اليوم، فإن القوى الأخرى غيرهم لن تحقق لهم شيئًا، وإنْ أغدقت عليهم عبارات المديح والحب والحرص عليهم أبدًا، على الإطلاق، إلا إذا أخذوا الزمام والمبادرة بأيديهم أولًا فإن الآخرين سيستجيبون لمطالبهم وحقوقهم، وعلى ضوء هذه الإطلالة التاريخية السريعة والتي كانت ضرورية لإلقاء الضوء حول ما سنطرحه لاحقًا، حول تداعيات سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر، في ضوء ثورات الشعوب العربية الأخيرة، على حاضر ومستقبل العرب وعملهم المشترك والمُلِح للغاية.
والواقع أنه لابد لنا من إجراء مقارنة خاطفة بين ما سمُّي بثورات الربيع العربي الأولى، التي اندلعت مطلع العام 2011م، وأدت إلى سقوط بعض أنظمة الحكم العربية بقوة شعوبها وثوراتها الهادرة، وبين موجتها الجديدة والمتجددة التي تفجّرت في مصر على نحو أضخم وأوسع وأقوى كثيرًا من سابقتها، وشارك في احداثها ما يزيد عن 33 مليون مواطن على امتداد مصر كلها، فيما اعتُبر أضخم تجمع بشري في التاريخ الإنساني كله، ونجحت في إسقاط حكم الإخوان المسلمين لمصر، والذي لم يدُم أكثر من عام، وهي مقارنة من حيث أسلوب التعامل وطبيعة مواقف شعوب وأنظمة حكم عربية متباينة في طبيعتها وتوجهاتها من الثورتين، خاصة وأن موجة الثورة الشعبية الثانية وقد نجحت في مصر، فإن أحداثها وإرهاصاتها لا تزال تتفاعل وتُعتمل في تونس وليبيا واليمن، وربما غيرها، فأحداث الثورات الشعبية في موجتها الأولى، مثلًا، قوبلت بموقف سلبي ومتوجس، وربما رافض لها من قِبل أنظمة حكم متجذرة كالمملكة العربية السعودية وسائر دول مجلس التعاون الخليجي باستثناء دولة قطر لاعتبارات وأسباب مختلفة تمامًا، فهذه الدول ذات نظم الحكم الملكي كان طبيعيًّا، وقد داهمتها الثورة وأحداثها فجأة وعلى غير توقُّع، أن تشعر بالريبة والتوجس والقلق من نتائجها وآثارها وأهدافها، لكنها فيما يتعلق بأسلوب التعامل والموقف من ثورة 30 يونيو 2013م في مصر، وهي الأكثر حشدًا وقوة وشمولًا على نحو غير مسبوق ونظّمتها وقادتها قوى شبابية ثورية جديدة، حيث تعاملت معها تلك النظم التقليدية الراسخة وقابلتها بموقف إيجابي مرحب بل وداعم، على نحو غير مسبوق، رغم اختلاف وتباين الطبيعة والتوجهات السياسية والفكرية عمومًا، والواقع ذلك الموقف يكتسب دلالات وأبعادًا ومضامين جوهرية غاية في الأهمية من حيث كونه يؤسس لمنهج جديد ومختلف - تمامًا - عما سبقه في أسلوب إدارة العلاقات العربية - العربية، والمعايير والأسس الجديدة التي ستحكم وتنشئ ما يمكن أن نُطلق عليه النظام العربي الجديد بمعزل عن الاعتبارات والقناعات الأيديولوجية المختلفة لأطراف العمل أو النظام العربي الجديد والمنشود فلكلٍّ قناعته وفكره وتوجّهه التي يجب أن يُقر بها ويحترمها الجميع ولا يحق لأية دولة أو طرف عربي التدخل أو التأثير بشكل مباشر أو غير مباشر في طبيعة الخيارات الخاصة بكل دولة وطرف بدون استثناء، فلا القوى الثورية الجديدة يحق لها تصدير خياراتها والتدخل في الشأن السياسي الداخلي لأية دولة ونظام حكم عربي، كما لا يحق لتلك الدولة أو نظام الحكم العربي لأية دولة عربية أن يتدخل أو يصدر خياراته السياسية والمعتقدية للقوى الثورية الجديدة، فكل هذه الأمور ينبغي أن تكون محصورة، بالكامل، بالإرادة الحرة لكل شعب عربي على حِدة دون تدخّل أو تأثير من أي نوع.. وفي اعتقادي بأن بوادر هذا المنهج السياسي الجديد، الذي يتبلور ويتشكّل على نحو إيجابي وسريع لإقامة وإدارة شئون النظام العربي الجديد، قد طرحته وعجّلت به طبيعة مسار ثورات الربيع العربي الأولى، التي استطاعت أمريكا وحلفاؤها الغربيون والإقليميون كـ تركيا وقطر، أن تخطف نتائجها ومخرجاتها السياسية، في استغلال إرباكات الظرف الانتقالي وإرباكاته وممارسة مختلف أشكال الضغوط والتدخلات والتأثيرات القوية، لصالح الدفع بوكلائهم المحليين (التنظيم الدولي السري لجماعة الإخوان المسلمين والقوى الإسلامية المرتبطة به، وتمكينهم من السيطرة على مقاليد الحكم والدولة في مصر وتونس وليبيا واليمن والبقية تأتي تِباعًا، في إطار تنفيذ وتطبيق مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير الذي أعلنته الإدارة الأمريكية عام 2002م، والذي شرحناه وتطرقنا لجوانبه وأهدافه في الحلقات السابقة، والذي يستهدف أول ما يستهدف إسقاط كل أنظمة الحكم القائمة في البلدان العربية على اختلاف مشاربها وتوجهاتها السياسية والعقائدية بدون تمييز لصالح وكلائها المحليين والقوى الإقليمية والمرتبطة بأحلافها العسكرية واستراتيجياتها الكونية على حساب أنظمة الحكم العربية القائمة كلها بدون استثناء، وهو مشروع كوني أجهضته ثورة 30 يونيو المصرية العظيمة، وأعاقت حركته وأربكت خططه بإسقاط حكم الإخوان المسلمين، واستمرار تصاعد أحداث الثورة الشعبية للإطاحة بحكمهم في تونس واليمن وليبيا وغيرها من البلدان، ولتفسح المجال واسعًا أمام تأسيس وبناء أسس ومقوّمات النظام العربي الجديد بإدارة جديدة لعلاقاته وحركته تحقيقًا للمصالح والتطلعات العربية المشتركة من خلال مركز الثقل الاستراتيجي الحامل لهذا المشروع، والذي سيتكون من مصر والسعودية وسوريا لاحقًا، ومعهم دول مجلس التعاون الخليجي عدا دولة قطر، ومركز الثقل الاستراتيجي هو الذي سيحمي ويوجّه مسيرة النظام العربي الجديد نحو النهوض الحضاري العربي الشامل.
وباكتمال هذه الحلقة السادسة تكون نظرتنا العامة حول سقوط حكم الإخوان المسلمين في مصر من حيث الأسباب والتداعيات المتوقعة قد تكاملت أو كادت بعون الله تعالى.
عبدالله سلاَّم الحكيمي
بريطانيا/ شيفلد 15 أغسطس 2013م

 





جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign