امريكا تقر بصعوبة المعركة في خليج عدن ,, وتتحدث عن اشتباك بحري واسع        انسحاب مذل لحاملة الطائرات الامريكية " ايزنهاور من البحر الأحمر        صنعاء تشن عمليات هجومية ضد سقناً امريكية واسرائيلية في خليح عدن والمحيط الهندي        صنعاء تنهي الجدل الدائر حول شحنات المبيدات الزراعية      
    كتابات /
الفتاوى التكفيرية جذورها - تداعياتها

19/06/2013 15:30:16


 
يحيى عبدالله قحطان
إن الفتاوى التكفيرية السياسية التي صدرت بحق شعب الجنوب، والتي بررت غزو الجنوب وحرب 94 المشؤومة. واستباحت دماء الجنوبيين من نساء وأطفال وشيوخ. ونهب وسلب لأراضيهم ومساكنهم وثرواتهم، والتي اسموها (بالغنائم)، والإقصاء كليًّا للمؤسسات الامنية والعسكرية والمدنية. ولكل المنظومة السياسية لدولة الجنوب الشريك الأساس لدولة الوحدة التي تمت عام 90 م.
ان تلك الفتاوى التكفيرية لم تكن الاولى ولن تكون الأخيرة. وفي نفس الوقت لم تأتِ من فراغ. وإنما جاءت بسبب جملة من الصراعات والتباينات الجهوية والمناطقية والثقافية والتعصبات الحزبية والمذهبية والطائفية والأيديولوجية. ووقوع اليمن بشطريه تحت عباءة مناطق النفوذ الناجمة عن مرحلة صراع الحرب الباردة. ومع كل ذلك فقد تشكل في اليمن كيانات ومماليك وأنظمة غير موحدة لعقود طويلة. بل لقرون من الزمن. لكل كيان منظومته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبنيوية, حيث ظل الشمال قرونا تزيد على الف عام تحت الحكم الامامي والحكم العثماني والنظام الجمهوري الرأسمالي, وظل الجنوب لعدة قرون تتداوله مماليك، ثم تحت الحكم الاستعماري والحكم السلاطيني والمشايخي, واتحاد الجنوب العربي, والنظام الجمهوري الاشتراكي. هذا التباين بين النظامين الجنوبي والشمالي يجب الاعتراف به بعيدا عن المكابرة والنظرة الرومانسية غير الواقعية, فالجنوب له حدوده الجغرافية المعترف بها دوليا, وكذلك الشمال, فليس الجنوب جزءا من الشمال, وليس الشمال جزءا من الجنوب, وليس الشمال - أصلًا - والجنوب فرعًا، كما يُروج لذلك، من قبل مسعري الفتن ومصدري الفتاوى التكفيرية, وهنا يلاحظ ان الانظمة المتعاقبة على حكم الشمال منذ عدة قرون ظلت تستغل الدين الاسلامي استغلالًا سيئًا وتوظيفه سياسيًّا بما يخدم مصالحها الوصولية والانتهازية والسلطوية والامتيازية, والاستئثار بالسلطة والثروة كحق شرعي. تصبغ على نفسها من القداسة والغلو الديني. وكأنها تمثل ظل الله في أرضه. ومن خرج عن ولايتها وطاعتها يعتبر كافرًا. وتسعى جاهدة على ضم الجنوب بالقوة تحت شعار الوحدة او الموت, منطلقين من مبدأ الضم والإلحاق. وعودة الفرع الى الأصل، بل والتعامل مع الجنوب كالابن العاق الخارج عن الطاعة, ولذلك يجب ان يبقى تابعًا خانعًا خاضعًا, تفرض عليه المسكنة والتبعية والهيمنة, وليس شريكًا في دولة الوحدة يتمتع بالمواطنة المتساوية والشراكة الوطنية المتكافئة, مع ان رسولنا الكريم - صلى الله عليه وآله وسلم - أرشدنا ان سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر، وتكفيره كفر, وتحقيره كبر. ولا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر, كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه, وقال عليه الصلاة والسلام في حجة الوداع: (لاترجعوا بعدي كفارًا يضرب بعضكم رقاب بعض).
لقد صار هؤلاء الذين يصدرون الفتاوى التكفيرية على شعب الجنوب المسلم. فتاوى التمترس (والتي تبيح قتل النساء والأطفال والشيوخ والضعفاء الجنوبيين. المتمترس بهم والمتواجدون تحت رعاية البغاة في الحزب الاشتراكي اليمني الملحدين والمرتدين)،
حسب تعبير الفتوى التكفيرية الصادرة في حرب 94، والتي تضمنت: (أن اهل العلم اجازوا قتل المتمترس بهم في الحرب، ولأن عدم قتل هؤلاء المسلمين يترتب عليه مفسدة اعظم من قتلهم)، ولم تقف فتاوى التكفير عند ذلك, بل صار الكثير من اخواننا في الله يتنافسون على كرسي الافتاء للإمام مالك في المدينة المنورة, ويعلنون ان الوحدة فريضة مقدسة, وتعتبر الركن السادس من اركان الاسلام, والبعض يعتبرها الفريضة السادسة بعد الخمس الصلوات المفروضة, ويعلن مفتٍ آخر أن من يدعو الى الانفصال كمن يدعو الى الكفر, وهناك مفتٍ يصرح ان ترديد شعار تقرير المصير, فإن ذلك شرك بالله؛ باعتبار ان الله وحده هو من يقرر مصير عبادة. وان الوحدة فريضة مقدسة يجب فرضها بالقوة وتعميدها بالدم, منطلقين من مبدأ الوحدة او الموت, مع ان الله سبحانه وتعالى، والذي يعتبر الايمان بالله من اقدس المقدسات, لم يقل سبحانه وتعالى الايمان بالله او الموت, ولم يكره احداً على الايمان, بل قال الله عز وجل: (فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر)، فكيف يحق لهؤلاء فرض الوحدة بالقوة, مع انها خيار سياسي. كما ان رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - وخلفاءه الراشدين, لم نسمع ان رفع احدهم شعار الاسلام او الموت, او ان يعمد الاسلام بالدم, ولم يكره احدا على الاسلام. مع ان الاسلام هو دين الله في ارضه. ومع ذلك يقول تعالى: (لا إكراه في الدين)
عندما تم فك الارتباط مع بعض الاقاليم اليمنية. وسلمت لأشقائنا هنا او هناك. هل يعد ذلك مروقًا عن الاسلام؟، وعندما قام اخواننا في شمال اليمن بالنضال والدعوة للانفصال من الخلافة الاسلامية العثمانية.. هل يعتبر ذلك دعوة الى الكفر؟، وعندما انفصلت سوريا عن الوحدة مع مصر.. هل يعتبر ذلك كفرًا؟، اضافة إلى ذلك عندما قامت المملكة المتوكلية اليمنية بفك الارتباط مع الاتحاد الفيدرالي الذي تم بين مصر وسوريا واليمن.. هل يعتبر ذلك كفرًا؟.
وقبل هذا وذاك بعد مقتل الخليفة الثالث سيدنا عثمان - رضي الله عنه - تمت البيعة الشرعية لسيدنا علي كرم الله وجهه.
ولكن - للأسف - حصلت الفتنة والدسائس بين المسلمين. فكانت موقعة الجمل وصفين. حيث قام معاوية بن ابي سفيان وأتباعه بفصل الشام عن الدولة الاسلامية الموحدة. ومع ذلك لم يتهم امير المؤمنين - سيدنا علي - معاوية وأتباعه بالشرك والكفر. ولم يرفع شعار الوحدة او الموت. وعندما سئل سيدنا علي عن اولئك الذين تمردوا عليه وفصلوا ارض الشام. هل هم كفرة ومشركون؟. قال من الكفر والشرك فروا. قيل: أهم منافقون؟، قال: ان المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلا. وقيل: من هم؟، قال: هم اخواننا بغوا علينا, وسئل عن قتلى موقعة الجمل وصفين؟، فقال: قتلانا وقتلاهم في الجنة - إن شاء الله - وأرجو أن نكون كالذين قال الله فيهم: (ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانًا على سرر متقابلين).
ومن المفارقات العجيبة نجد بعض علمائنا في اليمن، والذين أفتوا بقتل المتمترس بهم في حرب 94 يفتون اليوم بأن الوحدة، والتي تمت بالطرق السلمية بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، تعتبر فريضة شرعية مقدسة، ومن دعا الى الانفصال، او بتقرير المصير لشعب الجنوب، او حتى فيدرالية من اقليمين، يعتبر ذلك كفرًا وشركًا بالله عز وجل.
ولا ريب فإن مثل هذه الفتاوى التكفيرية. لها تداعيات كارثية، وعواقب تدميرية، ويتحمل وزرها وإثمها العظيم كل من تجرأ بإصدارها, وصدق رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه، القائل:
( أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار)،
لذلك فإن كل دم يسفك، وكل روح تزهق، وكل شخص يسجن، وكل انسان يُشرد وتهان كرامته الآدمية، وكل ارض وممتلكات تُنهب، في اليمن جنوبًا او شمالًا، إلا كان على مسعري الحروب والفتن ومصدري الفتاوى التكفيرية وزر وإثم مبين, (وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون).. قال الله تعالى في الحديث القدسي: (ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرمًا فلا تظالموا)، ويقول صلى الله عليه وسلم: (لهدم الكعبة حجرًا حجرًا أهون عند الله من سفك دم امرئ مسلم)، وقال رسولنا الكريم: (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإنما أهلك من كان قبلكم حملهم حتى سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم).. والسؤال الذي يضع نفسه: بأي حق يسمح لكم يا أصحاب الفضيلة العلماء بإصدار الفتاوى التي تبيح ظلم شعب الجنوب، واستباحة دمائهم، ونهب أراضيهم وممتلكاتهم الخاصة والعامة؟.. (ألا إنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور)..
وحيث إن فتوى التمترس سيئة الصيت تعتبر من أخطر الفتاوى التكفيرية على مستوى الوطن اليمني والعربي والإسلامي. التي تتنافى مع تعاليم ديننا الاسلامي الحنيف. وليس لها أي دليل شرعي. والتي أباحت قتل المدنيين من نساء وأطفال وشيوخ وضعفاء, فقد بادر علماء كثر من الدول العربية الاسلامية. بالتصدي لهذه الفتوى وإدانتها من الناحية الشرعية في حينها. فهذا الإمام الأكبر شيخ الأزهر الأسبق جاد الحق علي جاد الحق. والشيخ الراحل محمد الغزالي. والشيخ الدكتور جعفر عبدالسلام - نائب رئيس جامعة الأزهر الأسبق. والشيخ احمد حسن - عضو لجنة الإفتاء في الأزهر، والشيخ عبدالله بن جبرين من السعودية. والدكتور محمد سليم العوا - الأمين العام للهيئة العالمية لعلماء المسلمين - جميع هؤلاء وغيرهم قد دانوا هذه الفتوى. والتي تجيز قتل المتمترس بهم، المدنيون من نساء وأطفال وشيوخ وضعفاء في جنوب اليمن. معلنين انه لا يجوز تسويغ الذرائع لسفك دماء المدنيين. سواء أكانوا مسلمين أم غير مسلمين. بحجة ان عدم قتلهم يمنع الانتصار على العدو، خاصة وأن سكان الجنوب مسلمون.
وهنا يتساءل الضمير اليمني: أليس الأجدر بجميع علماء اليمن ومؤتمر الحوار الوطني الاستنكار والتنديد بهذة الفتاوى التكفيرية، وتداعياتها التدميرية؟، ومطالبة مصدري الفتاوى ومسعري حرب 94 المشؤومة بالاعتذار للجنوبيين. وإعادة مساكنهم وأراضيهم وثرواتهم المنهوبة. وإرجاعهم إلى أعمالهم. وتنفيذ النقاط العشرين التي تم التوافق عليها من قبل اللجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني. وحل القضية الجنوبية حلًّا عادلًا وبما يرضي شعب الجنوب واحترام إرادته في حق تقرير المصير. بالطرق السلمية والديمقراطية.
مؤكدين ان ذلك سيزيل ما علق في النفوس المكلومة من احتقان وأحقاد وكراهية. بسبب الظلم والإقصاء الذي تعرض له الجنوبيون, كما نؤكد أن ذلك سيعزز ويرسخ بين اليمنيين شمالًا وجنوبًا الاخوّة الإيمانية والمصالح المشتركة ووشائج القربى والمودة والتوحد والاحترام المتبادل. كما يرسخ ذلك الامن والاستقرار والتعايش السلمي على المستوى المحلي والإقليمي والدولي.
(يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السلم كافة ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين) صدق اللة العظيم. والله المستعان.




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign