الصحافة البريطانية تكشف عن مضمون عروض امريكية مغرية لصنعاء        كهرباء عدن ....ماساة الصيف المتكرره تحت جنح الفشل والفساد الحكومي        غروندبرغ : نعمل على إطلاق الاسرى وتحسين القطاع الاقتصادي والمالي         مركز بحري دولي يحذر من سلاح يمني جديد      
    تقارير /
بعد 23 عامًا ما الذي يمكن أن يفعله الجنوب

22/05/2013 07:43:41


 
الوسط - تقارير
بحثا عن دولة في الجنوب، تحاول القوى الجنوبية المعارضة في الداخل والخارج استغلال المناسبات ذات الرمز التاريخي في مسيرة المشهد السياسي اليمني بشقية الشمالي والجنوبي لتعطي الرأي العام الدولي والمحلي دلالة تحركات الشارع الجنوبي المناهض للحكومة الحالية وحقهم في استرجاع دولة ما قبل 90م.
فمرورا بفعالية "يوم التصالح والتسامح"، وذكرى حرب 94م، ويوم 27 أبريل..، تأتي ذكرى 22 مايو، اندماج اليمن بشقيه الشمالي والجنوبي، وهي الأكثر حضورا في وسط المناطق الجنوبية وأهمية، لاسيما بعد مرور 23 عاما من الوحدة التي يصفها الكثير بالهشة.
فقد قامت وحدة اندماجية ولم تكن فيدرالية برغم الاختلافات بين النظامين المكونين لدولة الوحدة، وللمرة الأولى تم توحيد أغلب الأراضي اليمنية سياسيا على الأقل. ففي فترة انتقالية مدتها 30 شهراً أكملت عملية الاندماج السياسي والاقتصادي بين النظامين، فتم انتخاب مجلس رئاسي من قبل الـ26 عضواً في المجلس الاستشاري للجمهورية العربية اليمنية والـ17 عضواً في مجلس الرئاسة لجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وعين المجلس الرئاسي حيدر العطاس رئيسا للوزراء، إضافة لمجلس برلمان يضم 301 عضو، يتكون من 159 عضوا من الشمال و111 عضوًا من الجنوب و31 عضوًا مستقلًا يتم تعيينهم من قبل مجلس الرئاسة.
وضمت الحكومة دستورا موحدا اُتفق عليه في مايو 1990 وتم الاستفتاء عليه في مايو 1991، تم فيه تأكيد التزام اليمن بالانتخابات الحرة، ونظام سياسي متعدد الأحزاب، والحق في الملكية الخاصة، والمساواة في ظل القانون، واحترام حقوق الإنسان الأساسية، والاستفتاء وهو ما يعتبره النظام الحاكم اليوم انه استفتاء على الوحدة ودستورها في حين يجادل آخرون انه لم يكن هناك أي استفتاء على الوحدة وإنما مجرد استفتاء لدستور نتج بين الحزبين الحاكمين آنذاك فقط.
مرت الوحدة بشكلها المختزل بين طرفين، وتشكلت وحدة اندماجية بين دولتين شمالية وجنوبية دون استثناءات، غير أن الوضع الذي لجأ إليه علي سالم البيض للوحدة لم يجد ملاذه المعتبر، حتى خلصت إلى حرب 94، قال البيض في حينها: إن علي عبدالله صالح أقصى شركاء الحكم واستحكم بقوة الإسلاميين على مقاليد الحكم، لكن الحرب لم تكن في صالح البيض فليس الطريقة السهلة التي دخل بها الوحدة هي نفسها أثناء الخلاص من الشمال، فمرت الوحدة بعد الحرب بشكلها الهش، واستدار النظام عن تنمية الجنوب والشمال، مقتصرا على تقليص نفوذ دولة الجنوب عسكريا وسياسيا؛ فأصبحت أثرا بعد أن كانت ماثلة، ولكن لم يستمر الوضع مستقرا في المناطق الجنوبية بعد الحرب حتى تكون الحراك الجنوبي عام 2007م، وظهرت عدة مكونات ومجاميع حراكية اختلفت دون أن يكون لها رؤية وحدة سوى فك الارتباط، غير أن نسيجها التنظيمي ظل منقسما على نفسه إلى أن جاءت الثورة الشبابية.

القوى المعارضة الجنوبية
تواجه القضية الجنوبية قدرا من الخلاف البيني في مكوناته الداعية للانفصال واسترجاع دولة الجنوب المتمثلة ما قبل 90م، ويبدي المشاركون في الحوار الوطني من القوى الجنوبية عن الخلاف الذي يكتنف القوى الجنوبية في الداخل والخارج، وهو ما جعلت القضية الجنوبية تتشظى منذ أن أعلن علي سالم البيض الدعوة لاستعادة دولة الجنوب في 94م، إبان الحرب بين الحكومة اليمنية في الشمال والجنوب.
وتنقسم المكونات الجنوبية في إطارها العام إلى الآتي:
أولا- فصيل في جنوبي قدم رؤيته منذ حرب 94م إلى فك الارتباط بعد أن اعتبر أن النظام في الشمال توجه إلى الإقصاء العمدي للشريك الأساسي في الوحدة، وهو الحزب الاشتراكي سابقا ممثلا بعلي سالم البيض، وقد بدأ الانسداد السياسي بين العليين (صالح والبيض) بعد انتخابات 93م، وبعد حصول الحزب الاشتراكي على أقلية في البرلمان بفعل كثافة السكان في المناطق الشمالية وحصول حزب الإصلاح على المكون الثاني في البرلمان بعد حزب المؤتمر امتعض من الوضع حين رأى نفسه في مكان قصي من الحكم، أفضى الأمر إلى الحرب في 94م، ولا يزال هذا الفصيل يحتكر الأكثر شعبية في المناطق الجنوبية وتشارك في أكثر من فعالية حتى الآن.
ثانيا- فصيل ينحو إلى الانفصال غير أنه لا يتوافق بشكل كلي مع طرح مكون علي سالم البيض، ويمثله حسن باعوم، وكانت بعض الدول في المنطقة حاولت أن تستقطبه بالدعم لاحتواء شعبية أخرى في الجنوب تضاهي شعبية البيض، وشهدت خلال الأسبوع قبل الماضي خلافا في محافظة الضالع بين فصيل البيض وباعوم تداعى إلى حد الاقتتال، سقط على إثره قتلى من الطرفين.
ثالثا- مكونات تؤمن بحق تقرير المصير من بعض الجماعات الإسلامية مثل حركة النهضة والتي تمثل خطابا إسلاميا في الجنوب بقيادة عبد رب السلامي.
رابعا- مكونات متفرقة تعبر عن آراء تختلف في رؤيتها لحل القضية الجنوبية وتتمثل في الرئيس السابق علي ناصر محمد الذي دعا بعد حرب 94م إلى الفيدرالية، ويعتبر الخط المتزن بالمقارنة بخطاب البيض وأبو بكر العطاس، إضافة إلى مكونات أخرى مثل حزب رابطة أبناء اليمن بقيادة عبدالرحمن الجفري، وتبنى منذ نهاية مارس الماضي مع بقية القوى السياسية في الخارج التنسيق لعقد الحوار الجنوبي في القاهرة بحضور جمال بن عمر المبعوث الأممي لدى اليمن.
خامسا- مجاميع من القوى الجنوبية التي اتفقت على المشاركة في الحوار الوطني تحت مسمى "مكون شعب الجنوب" وتأسس مطلع العام الجاري، والذي يقوده حاليا محمد علي أحمد بعد انسحاب الصريمة من مؤتمر الحوار نهاية أبريل الماضي.

موقف هادي من الوضع في الجنوب
لم تتمكن في ظل هذا الانقسام الواضح بين القوى الجنوبية الداعية للانفصال من تجاوز الخلاف، الأمر الذي أضعف صوت الشعب في المناطق الجنوبية، ولم تتمكن من تجاوب المجتمع الدولي حتى الآن لا سيما بعد اندلاع الاحتجاجات مطلع 2011م، واستقوت في المقابل الحكومة اليمنية برئاسة عبدربه منصور هادي، برفض أي حوار مع القوى الجنوبية خارج إطار مؤتمر الحوار مراهنا بالدرجة الأولى على عدم اتفاقهم، إضافة إلى الخلاف التاريخي بين ما يسمي بـ "الزمرة والطغمة" فما زال الطرفان يضمران العداوة كل منهم للآخر، فهادي الذي وقف مع الوحدة وساندها في حرب94م لا يمكن في نظر البيض أن يتم الحوار في اليمن برئاسة هادي والأخير لا يمكن أن يوافق على حوار خارج اليمن حتى لا تعطى للقوى في الخارج برئاسة البيض شرعية دولية فتتسع مطالبهم فيكون من الصعب تجاهل أي تصعيد تقدمه القوى الجنوبية في الخارج.
لكن يبدو أن رفض الحوار الجنوبي من قبل الرئيس هادي بعد لقائه بجمال بن عمر الأسبوع المنصرم جاء سدا لأي تصعيد تفرضه القوى الجنوبية المكونة من علي سالم البيض والعطاس وعلي ناصر محمد والجفري، فيما إذا تم الاعتراف بالحوار (الجنوبي جنوبي) في القاهرة.


موقف المجتمع الدولي من الجنوب
يتحدد موقف المجتمع الدولي إزاء القضية الجنوبية منذ الوحدة مرورا بحرب 94 وحتى ما قبل الثورة الشعبية، بالمنفعة التي تصب في مصالح المجتمع الدولي، وتركت الوضع في ظل وحدة مهشمة دون توجيه نقد للحكومة ما دام وأن ما يمس مصالحها بعيد عنها.
ولم يتحرك المجتمع الدولي في شأن القضية الجنوبية خلال هذه الفترة إلا بما يتعلق بالجانب الأمني في إطار الحرب على الإرهاب، كون القاعدة تتوغل في المناطق الجنوبية أكثر من الشمال.
وقدم المجتمع الدولي بعد الثورة الشبابية رؤيته برئاسة الولايات المتحدة الأمريكية حول القضية الجنوبية في إطار المبادرة الخليجية، وهو ما ترفضه القوى الجنوبية المبادرة لأنها لم تولِ القضية الجنوبية شأناَ منفصلاَ يتم حلها في إطار دولتين وليس دولة واحدة.
وفيما يتعلق بمفهوم قراري مجلس الأمن 924 و931 كتب نائب السفير الألماني ومسئول الشئون الإعلامية بالسفارة الألمانية فليب هولسابفيل مقالاً، قال فيه: إن العلاقة القانونية الحالية لهما قد تقلصت في الوقت الحاضر، ولا يوجد سبب عدم رجوع قرار مجلس الأمن 2014 حول اليمن الصادر في أكتوبر 2011 الى هذين القرارين، وقد اتفق المشاركون في مؤتمرات التشاور غير الرسمية التي انعقدت في "بوتستدام" في ألمانيا في 9-12 مارس 2012م على الرجوع لهذه القرارات في الحوار الوطني، واعتبر أن أي قرار في شأن القضية الجنوبية لا يمكن حلها إلا في إطار الحوار الوطني، حيث يقول: "قدمت هذه الملاحظات من اجل الوصول إلى فهم جيد للموقف التوافقي الدولي والشرعي حول القضية الجنوبية إلا أن القرار في هذه القضية لن يأتي من خلال المحاكم، لكن بالحوار بين كل الأطراف المعنية فالقضية الجنوبية مثلها مثل التحديات الأخرى التي تواجهها اليمن".
في هذا التوجه من المجتمع الدولي يبدو في منأى عن التدخل المباشر في حل القضية الجنوبية، مقتصرا على تحركات بن عمر، غير أنه يبدي للقضية اهتماما بمعرفته بأهمية حل النزاع بين الشطرين، إلا أن القوى الجنوبية بدت في حيرة بعد أن غادر بن عمر اليمن 11 مايو الجاري بتصريح قال: إن القضية الجنوبية "ليس هناك أية طريقة لحلها إلا عبر الحوار"؛ وهو ما يثير جدلًا عن مستقبل تسوية القضية الجنوبية باعتبارها المدخل الرئيس للخروج من الانسداد السياسي برمته.

رؤية القوى السياسية في الجنوب
حين قدمت المكونات السياسية رؤيتها في مؤتمر الحوار لم تكن بعيدة عن الصواب في توصيف القضية الجنوبية، بل حاولت أن تقترب من الحقيقة مع توخي الوقوع في اللائمة كون تلك المكونات أغلبها شريكة في الحكم وضالعة في تأزم الجنوب، فقد اعترف اللقاء المشترك بأحزابه الستة أنه مورست أخطاء في المحافظات الجنوبية بعد الوحدة، وأنه حسب رؤيتها تتضمن عدة جوانب، وهو الجانب السياسي والحقوقي والاقتصادي، وقدم حزب المؤتمر هو الآخر نظرته للجنوب واعترف بوجود خطأ في التعاطي مع الجنوب.
ومع هذا فإن الحراك الجنوبي بجميع فصائله لا يزال يرى حقه في الانفصال فلن يشفع ما قدمته القوى في مؤتمر الحوار من اعتراف بقضيتهم، لكن في ظل إيجاد الحلول لليمن بشكل عام بما فيها الجنوب للخروج من مأزق التشظي والانقسام بعد 23 عامًا من الوحدة يعطي حرجًا للصوت الجنوبي الداعي للانفصال، فقد قدم حزب الإصلاح في إطار حل القضية الجنوبية شكل الدولة على عدة أسس، وهي أن تزول من الدولة تمركز السلطة في قمة الهرم الإداري وتحقق فيها اللا مركزية بالشكل الذي يناسب اليمن، واعتماد مبدأ الانتخاب كأساس لتشكيل وتكوين قيادات الحكم اللا مركزية، والتحديد الواضح للسلطات والصلاحيات المركزية واللا مركزية، بما يمكن هيئات وقيادات الحكم اللا مركزية من إدارة شؤونهم.
وأما الحزب الاشتراكي رأى أن يكون نظام الحكم في الجمهورية اليمنية جمهوريا ديمقراطيا برلمانيا يقوم على أساس اللاَّ مركزية، والنظام السياسي يقوم على التـعددية السياسية والحزبية، إضافة إلى حزب المؤتمر الذي قال إن الجمهورية اليمنية دوله اتحادية لامركزية، تقسم إداريا إلى عدد من الأقاليم تديرها حكومات ‏محلية، ويكون لكل إقليم شخصيته الاعتبارية كجزء من الجمهورية اليمنية، ولكل إقليم استقلال مالي وإداري، استقلالا أصيلا كاملا، مصدره دستور الجمهورية اليمنية ‏والسلطة التشريعية.‏
وبعد أن قدمت القوى السياسية في الداخل والمجتمع الدولي نظرتهم للقضية الجنوبية يبدو أن القوى الجنوبية المعارضة بعد 23 عاما تجد حيرة بعد الثورة الشبابية أكثر مما كانت عليه في السابق، فاختلافها الذي تجلى للمجتمع الدولي صعب عليه أن يتعاطى مع الجنوب، وهو التحدي الذي يقف أمام القضية الجنوبية في الوقت الراهن.





جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign