الصحافة البريطانية تكشف عن مضمون عروض امريكية مغرية لصنعاء        كهرباء عدن ....ماساة الصيف المتكرره تحت جنح الفشل والفساد الحكومي        غروندبرغ : نعمل على إطلاق الاسرى وتحسين القطاع الاقتصادي والمالي         مركز بحري دولي يحذر من سلاح يمني جديد      
    كتابات /
تجربة اللامركزية الإدارية والمالية في اليمن

11/01/2013 17:18:09


 
الدكتور / موسى علاية
يعد التُوجّه نحو اللامركزية الإدارية والمالية (السلطة المحلية)، اسلوبا حديثٌا ومهمٌا لدعم و تفعيل المسيرة التنموية في اليمن، ولكن هذا الاتجاه لم يتبلور برغبة يمنية خالصة، بقدر ما جاء تبنيه استجابة للضغوط التي مارستها الجهات المانحة من خلال الربط بين تقديم المساعدات إلى اليمن في مختلف المجالات، وسلك اليمن طريق اللامركزية الإدارية ومشاركة المجتمع المحلي في الحكم.

ويعتقد المانحون: أولا، إن حكومة مركزية قوية بشكل مُفرط من شأنها أن تشكل عقبة رئيسية أمام التحول الديمقراطي في هذا البلد، كما غيرها من دول العالم الثالث، وأن الاتجاه نحو اللامركزية قد يؤدي إلى التخفيف من القوة المهيمنة للحكومة المركزية، وبالتالي تعزيز الحكم الرشيد، وتحويل نمط الحكم من أسفل إلى أعلى. ثانيا، تُعد اللامركزية المالية والإدارية، من وجهة نظر المانحين، أفضل وسيلة لتعزيز الكفاءة، والمساءلة، والشفافية، والقدرة على الاستجابة للمتطلبات المواطنين في المستويات المحلية، ولتفعيل صلاحيات الحكومة المحلية، من أجل تعزيز التنمية المحلية، وتحسين آليات تقديم الخدمات، وبالتالي التخفيف من حدة الفقر في المجتمع اليمني.

وبناءً على ذلك، فقد خصصت الجهات المانحة قدرا كبيراً من المساعدات المقدمة إلى اليمن لتعزيز اللامركزية من خلال تطوير الإطار القانوني والمؤسسي، التدريب والمساعدة التقنية للمؤسسات الحكومية والمسئولين المحليين، وتوفير المهارات التقنية ذات الصلة لعمل الحكومة المحلية،مثل تصميم وتنفيذ الانتخابات المحلية، وتقديم الخدمات وتعبئة الموارد، وتطوير مهارات التخطيط والإدارة في المستويات المحلية.

وبعد قرابة سنين من المناقشات والوعود بين الحكومة اليمنية والجهات المانحة، سنت الحكومة اليمنية في عام 2000 قانون السلطة المحلية ، والذي تم بموجبه إنشاء مجالس محلية منتخبة شعبياً في عموم محافظات ومديريات الجمهورية اليمنية في عام 2001م. وتم إعطاء المجلس المحلي على مستوى المحافظة والمديرية (كل في نطاق وحدته الإدارية) صلاحياتٍ واسعة لاقتراح مشروعات خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية والإشراف على تنفيذها، بما يكفل توفير وتطوير الخدمات الأساسية للمجتمع المحلي وتنميته، كما يقوم بالتوجيه والإشراف والرقابة على أعمال الأجهزة التنفيذية للوحدة الإدارية وتقييم مستوى تنفيذها للخطط والبرامج ومساءلة رؤسائها ومحاسبتهم وسحب الثقة منهم عند الإخلال بواجباتهم.

ومع ان تقييم هذه التجربة وقياس مدى نجاحها أو فشلها بمختلف جوانبها، هو خارج نطاق هذا المقال، الإ ان هو تقييم مثل هذه التوجهات التي تتبناها الجهات المانحة بدون دراسة منهجية وعميقة، للتعرف على المجتمعات أو المؤسسات التي تحاول إحداث التغيير فيها . فتبني اللامركزية الإدارية والمالية، يثير قضايا سياسية، واقتصادية، وإدارية، واجتماعية عديدة ، خصوصا في الديمقراطيات الناشئة، حيث أصحاب القوة والنفوذ في المجتمع والمسئولين في الحكومة المركزية، عادة ما يكونون مترددين في نقل السلطة الحقيقة للحكومات المحلية ، بسبب الخوف من فقدان السيطرة .
وتكون النتيجة أن المشاريع الإنمائية الخارجية في هذا السياق، لن يكون لها تأثير حقيقي إلا إذا كان تصميمها قد بُنيِ على تحديد وفهم مختلف الجهات الفاعلة في المجتمع وعلاقة المصالح والسلطة الفعلية كضرورة حتمية.
وبينما تصر الجهات المانحة على المضي قدماً في تطبيق نظام السلطة المحلية باعتبارها الطريقة المثلى والبداية الحقيقية للإصلاح في اليمن بدون دراية كاملة حول طبيعة التركيبة الاقتصادية والسياسية والإدارية، والاجتماعية وهو الأهمفإن الواقع يحدثنا اليوم وبعد عشر سنوات من تجربة السلطة المحلية في اليمن بأنها عملية سياسية طويلة ومعقدة، ومرتبطة بشكل وثيق بإصلاح النظام الحكومي والإداري برمته وبتركيز خاص على الهيكل القبلي في اليمن. وعادة ما تواجه العملية باعتراضات وتعاني تكراراً من إخفاقات، وتحتاج إلى هياكل جديدة لا يمكن إنشاؤها إلا على المدى الطويل، وإن أصبح الإطار القانوني والمؤسسي للامركزية متقدماً إلى حد ما.
والأسئلة التي يجب اثارتها هنا هي: لماذا لم تُركز الجهات المانحة العاملة في اليمن على تقوية وتطوير الحكومة المركزية قبل البدء في تنفيذ مثل هذه الإصلاحات، تجنباً لقضية استهلاك الوقت والمال في مشاريع ليس لها جدوى؟ لماذا الجهات المانحة عند تصميمها المشاريع الخاصة بتعزيز تجربة اللامركزية الإدارية والمالية في اليمن لم تُدرج برامج تدريبية لكبار المسئولين في الحكومة المركزية والسياسيين ولا سيما القوى الفاعلة (القوى التقليدية) في المجتمع لتغيير التصورات والمعرفة، ولكسر حاجز الخوف من فقدان السيطرة لدى هذه الكيانات قبل المضي قدماً في تنفيذ مشاريع وبرامج واستراتجيات تخلق فقط الإطار القانوني والمؤسسي للامركزية
إذا كان الاعتبار الأساسي من اعتماد المانحين طريق اللامركزية الإدارية والمالية كطريق للإصلاح في اليمن هو الاعتقاد السائد لديهم بأن إجراء انتخابات محلية في اليمن ستؤدي إلى خلق قيادات وقوى جديدة في المستوى المحلي مختلفة عن القوى التقليدية ( زعماء القبائل) لتتزعم مسيرة التنمية في هذا المستوى، ومن ثم إضعاف البنية القبلية في المجتمع اليمني وتحقيق تنمية حقيقة على المستوى الوطني، وبغض النظر عن الاتفاق أو الاختلاف مع هذا التُوّجه، يمكننا القول من خلال ملاحظة التطور التاريخي للمجتمع اليمني منذ آلاف السنين أن الهياكل والقيم القبلية في اليمن تتميز بقدرة كبيرة على التكيف والتحول بسبب علاقتها المعقدة مع الدولة.

فمن الطبيعي أن شيوخ القبائل في اليمن قد ادركوا منذُ الوهلة الأولى أن قوتهم ونفوذهم على مجتمعاتهم المحلية قد تتقلص بفعل خطط اللامركزية، فقد عملوا بهمة عالية على السيطرة على العملية وفي كثير من الأحيان فإن شيوخ القبائل هم رؤساء و أعضاء المجالس المحلية، حتى أن مسألة التمييز بين النخب التقليدية والبيروقراطية الحكومية غالبا ما تكون معقدة في المستويات المحلية. وفي الحقيقة، فإنه بدلاً من أن تؤدي اللامركزية الى اضعاف سلطة النخب التقليدية في المستويات المحلية فقد عملت تلك النخب على توظيف اللامركزية لتعزيز سلطتها ومصالحها وقيمها وإضفاء الشرعية على تلك المصالح والتوجهات والقيم

ويعتقد الكثير من المهتمين بالشأن اليمني ، ويلتقون في هذا مع المانحين، أن تجربة المجالس المحلية المنتخبة تٌمثل بعداً جديداً في عملية الإصلاح الإداري في اليمن، كونها تتيح فرصة للتحرك بعيدا عن السيطرة المركزية وتساعد في : (1) معالجة الفساد في أماكن تواجده على مستوى المحافظات والمديريات،(2) تقليص انتشار الفساد مع استمرار توجه اليمن نحو اللامركزية، فإن ما يحدث على أرض الواقع، ونتيجة للتصميم و التطبيق الرديء وغير المنظم والمدروس لهذا التحول نحو اللامركزية قد قاد إلى لامركزية أكثر في الفساد، بدلا من الحد منه.

وإجمالا، فإن تطبيق اللامركزية كان خياراً غير فعال في ظل طبيعة الهيكل الاجتماعي في اليمن،. وفي حين يمكن الإتفاق مع المانحين في اعتماد المشاركة المجتمعية في عملية التنمية باعتبارها وسيلة لتشجيع المجتمع على الاهتمام، والملكية، و تحقيق استدامة في المشاريع، وفي نهاية المطاف إحداث تغيير حقيقي فإن هناك قضايا أخرى يجب النظر فيها مثل درجة المشاركة، وعلاقات النخب التقليدية و القوى المختلفة.
وبالنسبة للمشاركة المجتمعية فيمكن النظر اليها من منظورين مختلفين : الأول ينظر اليها على أنها عملية مشاركة الناس في الأنشطة الإنمائية (موجهة من الجهات المانحة) لضمان الاستدامة عن طريق فرض استراتيجيات لتغيير حياة الناس من خارج الإطار المحلي، أو لا تتناسب مع طبيعة تركيبة المجتمع المحلي . وتكون النتيجة لاعتماد مثل هذا النهج التنموي في اليمن، كما تم مناقشته سابقاً، هو تفاقم المشاكل المتنوعة في المستويات المحلية، وبالتالي زيادة التعقيد.

يبدوا واضحا أن المانحين اهتموا أكثر بالعمليات لا بالنتائجواغفلوا حقيقة ان الحكومة المركزية حتى الآن غير قادرة على أن تمول بشكل كامل، الخدمات الاجتماعية، فما بالك بالمؤسسات المحلية. ولذا، فإن بناء مؤسسات مركزية قوية قادرة على تقديم الخدمات الاجتماعية لتطوير السكان في المستويات المحلية سيكون بمثابة اللبنة الأساسية التي من خلالها سيُجسد المنظور الثاني من المشاركة المجتمعية في إحداث تغيير في [تفكير الناس] لتوليد طلب ذاتي في الدفع بعجلة التنمية من خلال المشاركة المجتمعية الفاعلة، وباعتماد هذا النهج سيكون الاهتمام في النتائج أكثر من العمليات.وهذا يعني أن التحول إلى نظام اللامركزية الإدارية والسياسية في اليمن كما يطرح حاليا من قبل العديد من الجهات الداخلية والخارجية لابد ان يكون مصحوبا ومتزامنا مع جهود تقوية المركز. وما لم يتم هذا فإن تبني نظام اللامركزية بكل أشكالة لحل مشاكل اليمن لتحقيق ما نسميه (لامركزية الضعف).





جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign