الصحافة البريطانية تكشف عن مضمون عروض امريكية مغرية لصنعاء        كهرباء عدن ....ماساة الصيف المتكرره تحت جنح الفشل والفساد الحكومي        غروندبرغ : نعمل على إطلاق الاسرى وتحسين القطاع الاقتصادي والمالي         مركز بحري دولي يحذر من سلاح يمني جديد      
    كتابات /
النزعة الانفصالية و الحركة الوطنية في جنوب اليمن



 
د. ناصر محمد ناصر
أولاً: بداية الحركة الوطنية والتعامل مع مشكل التجزئة
سيحاول الباحث في هذه الجزئية الوقوف على طبيعة الظروف والملابسات التي ولدت فيها الحركة الوطنية، وكيف تعاملت تلك الحركة الوليدة مع مشكل التجزئة؟
في بداية الثلاثينيات من القرن العشرين، بدأت ظاهرة تجمع الأدباء والمثقفين ونقاشاتهم في المقاهي العامة، ثم ما لبث هؤلاء أن أسسوا نوادي أدبية وثقافية، ومن هذه النوادي نادي الإصلاح الحضرمي، والنادي الثقافي، ونادي الإصلاح الإسلامي، ونادي شباب التواهي([1]). ولكن سرعان ما تحول نشاطها من نشاط ثقافي وأدبي إلى نشاط سياسي، حيث أخذت تطالب سلطات الاحتلال بتوظيف اليمنيين في الوظائف الحكومية المقصورة على الانجليز والأجانب، وأخذت تجمع تبرعات للثورتين الفلسطينية والجزائرية، ثم أخذت ترفع شعارات مناوئة للاستعمار مثل أرض العرب للعرب([2]). ثم أخذت الجمعيات في الظهور، ومن أبرز الجمعيات التي ظهرت في ثلاثينيات القرن العشرين، جمعية الأخوة والمعاونة، وجمعية التعارف الحضرمية، وجمعية الفضائل الإسلامية، وجمعية الحق، وكان هدفها نشر التعليم ومحو الأمية، وإنشاء المشاريع الاقتصادية الصغيرة، إلا أن نشاطها ما لبث أن أخذ أبعاداً سياسية، فأخذت تطالب بالإصلاح السياسي، وإنشاء مجالس تشريعية في السلطنات، وتحديد نسبة الرسوم والضرائب، ورفع الأجور والمرتبات([3]). وبعد الحرب العالمية الثانية ظهرت جمعيات أكثر تأثيراً مثل الجمعية الإسلامية، والجمعية العدنية، والأولى أسسها محمد عبدالله المحامي عام 1947م وهو باكستاني الأصل، وكان لها طابع ديني، قوامه شعار الأخوة الإسلامية، وبدأ اهتمامها أولاً بقضية كشمير، إلا أنها ما لبثت أن رفعت مطالب مناوئة للوجود الاستعماري. والثانية تأسست كرد فعل على تأسيس الأولى عام 1947م، ومؤسسها هو محمد علي لقمان وهو هندي الأصل، ووصل عدد أعضائها إلى ثلاثة آلاف عضو، وأصدرت صحيفتي فتاة الجزيرة والقلم العدني، واستقطبت تجار الجاليات من هنود وصوماليين وغيرهم([4]). ورفعت الجمعية شعار "عدن للعدنيين"، وكانت تطالب سلطات الاحتلال بعدم منح الجنسية العدنية إلا لمواليد مدينة عدن، ورعايا الكومنولث البريطاني، وعدم منحها لأبناء الشمال، وأبناء المحميات، وأخذت تطالب باستقلال مدينة عدن وفصلها عن محيطها العربي، وربطها بالكومنولث البريطاني، بحجة عدم وجود تجانس ثقافي وحضاري بين مدينة عدن ومحيطها العربي([5])، وكانت الجمعية تخشى من أن يتم تذويب الجاليات الأجنبية في محيط عربي غالب في حالة دمج المدينة في كيان أكبر. ثم ما لبثت أن انحلت وقام على أنقاضها حزب المؤتمر الشعبي الدستوري برئاسة علي محمد لقمان، والحزب الوطني الاتحادي برئاسة حسن البيومي، واستمر الأول في تبني أفكار الجمعية التي انبثق عنها، فتخلت عنه بريطانيا بعد أن أصبحت تؤيد فكرة دمج عدن في كيان أكبر، وانحازت إلى الثاني الذي كان يطالب بضرورة دمج عدن في الاتحاد المزمع قيامه، مع الاحتفاظ لعدن بوضع مميز، كما وافق على بقاء القاعدة العسكرية البريطانية في عدن([6])، التي كان يتواجد بها نحو 45 ألف جندي، وعارض بشدة مبدأ الكفاح المسلح ووصفه بالنشاط الهدام ([7])، وكان له صحيفتان ناطقتان باسمه هما الكفاح واليقظة([8])، وقد تلاشى كلا الحزبين لاحقاً مع تقدم الحركة الوطنية.
كما قامت بريطانيا من جانبها بالدفع بجنوب اليمن في طريق التطور الدستوري طبقاً لحساباتها، وفي هذا الإطار قامت بريطانيا عقب الحرب العالمية الثانية وتحديداً في عام 1947م باستحداث أول مجلس تشريعي كل أعضائه معينين من قبل الحاكم البريطاني([9])، مهمته مساعدة الحاكم العام البريطاني في إدارة شؤون المستعمرة. إلا أن المجلس كان يصدر توصيات، وكان يحق للحاكم العام رفضها، شريطة إبداء أسباب الرفض لوزير المستعمرات في الحكومة البريطانية. وكان المجلس محدود العدد، ويتكون تحديداً من 11 عضواً، منهم المدعي العام، وأمين المالية، وقادة القوات البريطانية، ورؤساء الجاليات الأجنبية، وبعض الموظفين العموميين، وفي عام 1955م سمحت سلطات الاحتلال بانتخاب أربعة أعضاء من إجمالي عدد أعضاء المجلس([10])، ثم استحدثت مجلس وزراء معين([11])، غير أن الكلمة الفاصلة ظلت للمندوب السامي البريطاني.
ولم يكن مثل هذا التوجه المناطقي والتشطيري يحظى بشعبية في جنوب اليمن بين اغلب السكان، الذين فشت بينهم التطلعات الوطنية والقومية، بحكم انتشار جهاز الراديو وعودة الطلاب المبتعثين من الخارج، ووجود المثقفين والمعارضين لحكم الإمامة من أبناء الشمال، حيث لجأ إلى عدن الكثير منهم في عام 1943م، نتيجة ملاحقة الإمام لهم وأسسوا حزب الأحرار اليمنيين عام 1944م، كما شكلوا الجمعية اليمنية الكبرى، وأصدروا صحيفة (صوت اليمن)، وفي عام 1946م وصل إلى عدن سيف الإسلام إبراهيم ابن الإمام أحمد، وأعلن تأييده لمطالب الوطنيين الإصلاحية. وكانت بريطانيا في البداية ترى في استضافة المعارضة الشمالية ورقة تضغط بها على الحكم الامامي في الشمال، ورفضت طلبا للإمام بطردهم بحجة أنهم لم يتعدوا حدود التعبير عن آرائهم، لكن تبنيهم لأفكار وطنية وقومية وتحررية أسهم في بلورة هذه الأفكار المعادية للاستعمار، فأخذت بريطانيا تتبرم من وجودهم، ولما رد الإمام على بريطانيا بدعم القبائل المناهضة للجود الاستعماري، قامت بريطانيا بالتوصل مع الإمام إلى صفقة تم بموجبها توجيه بريطانيا إنذاراً إلى الصحف التي تنتقد حكم الإمام تهدد فيه بإغلاق من لم يمتثل منها، مقابل أن يكف الإمام عن دعم قبائل الجنوب، وأن يقوم بمنع شيوخ القبائل من أبناء الجنوب الذين يستضيفهم في الشمال من تحريض القبائل في الجنوب ضد الاستعمار، وهو ما خلق قناعة لدى أبناء الشمال والجنوب بضرورة توحيد جهودهم تجاه الاستعمار والإمامة([12]). وبعد فشل ثورة 1948م في الشمال قام معارضو الإمام من أبناء الشمال بتأسيس حزب الاتحاد اليمني، وعندما انبثقت الجبهة الوطنية المتحدة انضم إليها ومارس نشاطه من خلالها، فأسهم في بلورة الأفكار الوحدوية بين أبناء الشمال والجنوب([13]).
وفي هذا الإطار بدأت تظهر أحزاب تدعو إلى الوحدة ومنها حزب الوحدة الحضرمية، وحزب الرابطة الحضرمية، وحزب السادة، وهيئة وحدة حضرموت، وأخذت تدعو إلى وحدة حضرموت المكونة من سلطنتي القعيطي والكثيري، وإلى ضمها بعد توحيدها مع الشمال، وعقدت عدة مؤتمرات لهذا الغرض، منها مؤتمر الإصلاح الحضرمي الأول عام 1927م، ومؤتمر الإصلاح الحضرمي الثاني عام 1928م. إلا أن سلطاني السلطنتين رفضا مبدأ دمج السلطنتين، حيث اشترط سلطان السلطنة القعيطية دخول سلطنة الكثيري تحت سيادته، وأسس الحزب الوطني القعيطي عام 1946م، وضم إليه لفيفاً من كبار التجار والملاك والموظفين، وجعل هدفه الدفاع عن العرش([14])، واتهم سلطان السلطنة الكثيرية الانجليز بالتآمر على سلطته باسم الوحدة([15]). وفي عام 1950م تأسست رابطة أبناء الجنوب العربي، لمواجهة الحركة الانفصالية التي تبنتها وروجت لها الجمعية العدنية([16])، وانضم إليها لفيف من خريجي الجامعات العربية وبعض النقابيين، وكان من مؤسسي الرابطة عبدالله باذيب ذو التوجه الماركسي، وقحطان محمد الشعبي، ذو التوجه القومي، ومحمد علي الجفري قاضي قضاة لحج وخريج جامعة الأزهر، والذي ترأس الرابطة([17])، فكانت تضم أوائل البعث والقوميين، وأوائل اليسار، وأيدهم أصحاب رؤوس الأموال في المحميات([18]). وحددت الرابطة هدفها بإنشاء دولة مستقلة في جنوب الجزيرة العربية تشمل عدن والمحميات([19])، وأن الوسيلة لتحقيق هذا الهدف تتمثل في النضال السلمي، عبر تحريك الجماهير، وتنظيم المظاهرات، وعقد الاجتماعات، وتقديم العرائض لسلطات الاحتلال([20]). وكانت الرابطة في هذه المرحلة على رأس الحركة الوطنية، ونجحت في تعبئة الرأي العام ضد الإدارة البريطانية، والضغط على الإدارة البريطانية لجعل اللغة العربية اللغة الرسمية بدلا من الانجليزية، والدعوة إلى تأسيس النقابات العمالية للدفاع عن حقوق العمال، والقضاء على الحركة التبشيرية([21]). إلا أن الرابطة، بقيادة الجناح التقليدي فيها الذي يقوده الجفري، لم تستطع اللحاق بالحركة الوطنية التي أصبح مطلب الوحدة مع الشمال على رأس مطالبها، وبالتالي لم تحظ بثقة لا القوميين ولا الوطنيين بسبب موقفها المتناقض من الوحدة، الذي يؤكد على عروبة الجنوب ويرفض يمنيته، فقد كانت ترفع شعار الوحدة العربية الشاملة، وفي الوقت نفسه ترفض مبدأ الوحدة مع شمال اليمن. وفي عام 1955م دخلت الانتخابات التشريعية التي لم تشارك فيها سوى الجمعية العدنية([22])، وكان قرارها هذا غير مقبول على الإطلاق من قبل كافة القوى الوطنية، فالمجلس التشريعي المزمع انتخابه يتكون من 12 عضواً، إلا أن أربعة مقاعد فقط هي التي تُشغل بالانتخاب والبقية معينون من قِبَل الحاكم البريطاني. كما أن السلطات البريطانية قصرت حق الانتخاب على مواليد مدينة عدن، والصوماليين والهنود، وحرمت أبناء المحميات وأبناء شمال اليمن من المقيمين فيها من حق الاقتراع([23])، وكان أبناء الشمال يتواجدون بكثافة في المحميات، وكان تركزهم أكثر في مدينة عدن، كونها منطقة جذب لليد العاملة. وبالتالي أصبح من يحق لهم حق الاقتراع بعد هذا الاستبعاد الجائر 21.5 ألف شخص، من أصل 180 ألف شخص، الذين هم في السن القانونية من سكان المدينة، وفي ظل هذا الوضع دخلت الرابطة الانتخابات التي وصلت نسبة المقاطعة فيها إلى 73?، وحصلت على ثلاثة مقاعد من أصل أربعة([24])، فكان الكل مجمع أن العملية الانتخابية برمتها مسألة عبثية، لا من حيث إدارتها فقط وإنما من حيث جدوى وجودها من حيث الأساس، وبالتالي أدت تلك المشاركة إلى انهيار شعبيتها فأصبحت قيادة بدون قاعدة. كما أن قادتها أخذوا يسعون إلى جمع المال حيث استولت قيادتها على المعونة التي منحها اتحاد العمال العرب للمؤتمر العمالي والبالغة عشرة ملايين جنيه مصري([25])، مما زاد من تدهور مكانتها. وبدلاً من أن تتلافى قيادتها هذا الوضع وتغير من سياستها أصدرت عام 1956م بياناً أكدت فيه على نهجها ومطالبها المتمثلة في منح أبناء الجنوب حقهم في تقرير المصير، وإنشاء دولة مستقلة ذات سيادة في جنوب اليمن، مما أدى إلى خروج من بقي فيها من الوطنيين ولم يبق فيها بعد هذا التاريخ سوى السلاطين والزعماء التقليديين. وانتهى وجودها في جنوب اليمن بعد أن نفت بريطانيا عام 1956م رأسها محمد علي الجفري، الذي افتتح مكتباً للرابطة في القاهرة ركز نشاطه في المجالين العربي والدولي([26]). إلا أن إنجازها تمثل في تجاوز الانتماءات المحلية الضيقة، التي حل محلها شعار وحدة الجنوب اليمني.
والملاحظ هنا أن هذه المرحلة قد بدأت بحركة ثقافية ما لبثت أن تطورت إلى حركة سياسية، سارت في مسارين متضادين، الأول ينادي بالتجزئة على أساس تبني الكيانات الصغيرة، والثاني ينادي بالوحدة ضمن مشاريع أكبر، وانتهت هذه المرحلة بأفول المشاريع الصغيرة لمصلحة كيان أكبر هو الجنوب اليمني، الذي كانت تختمر في داخله قوى تنادي بمشاريع تتعدى حدود هذا الكيان.
المراجع:
[1] - د. إبراهيم خلف العبيدي، مصدر سابق، ص 103،102،101. وفيتالي ناؤمكين، الجبهة القومية في الكفاح من أجل استقلال اليمن الجنوبية، ترجمة دار التقدم، دار التقدم، موسكو، 1984م، ص38.
[2] - د. إبراهيم خلف العبيدي، ص103،102،101.[3] - نفس المصدر، ص 105،104.[4]- علي الصراف، مصدر سابق، ص 78. [5] - د. سيف علي مقبل، من تاريخ الحركة الوطنية اليمنية، مركز عبادي للدراسات والنشر، صنعاء، 2004م، ص 125، 126..[6] - علي الصراف، مصدر سابق، ص 79.[7] - محمد سعيد عبد الله، عدن كفاح شعب وهزيمة إمبراطورية، دار ابن خلدون، بيروت، 1989م، ص 65. و د. إبراهيم خلف العبيدي، مصدر سابق، ص 154- 156.[8] - د. سيف علي مقبل، مصدر سابق، ص 146.[9] - ل. فالكوفا، مصدر سابق، ص 35.[10] - د. جاد طه، مصدر سابق، ص 360.[11] - فيتالي ناؤومكين، مصدر سابق، ص 15، 16[12] - د. إبراهيم خلف العبيدي، مصدر سابق، ص 100.
[13] - د. إبراهيم خلف العبيدي، ص 12[14] - د سيف علي مقبل، مصدر سابق، ص 108.
[15] - د. إبراهيم خلف العبيدي، مصدر سابق، ص 76.[16] - انفس المصدر، ص 113.
[17] - سلطان أحمد عمر، نظرة في تطور المجتمع اليمني، ط1، دار الطليعة للطباعة والنشر، بيروت، 1969م، ص 231، وفيتالي ناؤومكين، مصدر سابق، ص 43.
[18] - د. إبراهيم خلف العبيدي ، ص 114.
[19] - د. سيف علي مقبل، مصدر سابق، ص 135.
[20] - فيتالي ناؤومكين، مصدر سابق، ص 44.
[21] - د. إبراهيم خلف العبيدي، مصدر سابق، ص116،115. لمعرفة المزيد عن الرابطة والأحزاب التي تفرعت منها أنظر: قادري أحمد حيدر، الأحزاب القومية في اليمن، النشأة، التطور، المصائر، الآفاق للطباعة والنشر، صنعاء، 2010م، ص 24، وما بعدها.
[22] - د. إبراهيم خلف العبيدي، مصدر سابق، ص 121.
- [23] د. جاد طه، مصدر سابق، 160، 162.
[24] - نفس المصدر،، ص 160، 162.
[25] - قحطان محمد الشعبي، جنوب اليمن، عدن والإمارات، مصدر سابق، ص 223.
[26] - د. إبراهيم خلف العبيدي، مصدر سابق، ص 120،119.




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign