الصحافة البريطانية تكشف عن مضمون عروض امريكية مغرية لصنعاء        كهرباء عدن ....ماساة الصيف المتكرره تحت جنح الفشل والفساد الحكومي        غروندبرغ : نعمل على إطلاق الاسرى وتحسين القطاع الاقتصادي والمالي         مركز بحري دولي يحذر من سلاح يمني جديد      
    تحقيقات. /
التاريخ يفقد هالته والمدينة بلا بساط أخضر ..مقاشم صنعاء القديمة متنفسات خارج الزمن

2010-07-14 14:06:03


 
 استطلاع/ رشيد الحداد تشير العديد من مظاهر الإهمال والتجاهل في صنعاء القديمة إلى أن هناك صراعا غير متكافئ الأطراف بين الأصالة والمعاصرة يكاد أن يقضي على خصوصية التاريخ والموروث التراثي في مدينة سام بن نوح التي تعيش اليوم أسوأ مراحلها التاريخية، فمنذ عدة سنوات تلاشت العديد من معالم المدينة القديمة وافتقدت لمقومات الجمال فبساطها الأرضي أضحى في حكم كان ورونق جمال مقاشمها وبساتينها سقط في بئر سحيق من اللامبالاة، فعدد من الجهات تجاهلت انحسار الرقعة الخضراء في عاصمة التاريخ والأصالة   التي أصبحت كتلة أسمنتية لا متنفساً لأهلها.. الوضع الحالي لمقاشم  صنعاء القديمة ومدى عبث الحداثة في الفقرات التالية:  يكاد التاريخ أن يفقد هالته في صنعاء القديمة التي قهرت كل سلبيات العصور الغابرة وأضحت رهينة حداثة القرن الواحد والعشرين وعبثية الحداثيين الجدد الذين حالوا دون تربع مدينة سام بن نوح وشعرم أوتر على هرم التراث الإنساني والثقافي العالمي، كما أسقطوا حق عجيبة الإنسان اليمني القديم في الدخول ضمن عجائب الدنيا السبع رغم ثرائها التراثي وعراقة أصالتها وتناغم مكوناتها البديعة مع حكمة التخطيط العمراني والمدني ودقة التنظيم الذي استبق الزمن بقرون عديدة إلا أن ما هي عليه اليوم من مظاهر أسوأ ما في الحداثة، ابتداء من باب اليمن الشهير أحد أشهر أبوابها التاريخية وشوارعها التي استوعبت مدخلات ومخرجات عصور مديدة وأسواقها التقليدية المتخصصة التي تغيرت معالمها ولم يتبق منها سوى اليسير يحمل نمط الأصالة وسماسرها التي كانت يوما مراكز حية للتقنية الجمالية والتفنن في الصناعة التقليدية ومبانيها الشامخة شموخ تاريخ سبأ التي تواجه طوفان الحداثة الغاشمة ومصير الاندثار وقصورها المشيدة كقصر غمدان وبساتينها ومقاشمها التي أضافت لجمال الطابع الحضاري للمدينة جمال الطبيعة وبعدا اجتماعيا واقتصاديا فريدا، فمعشوقة الشعراء والأدباء والعلماء والملوك التي قال عنها شاعر لبنان الكبير حين زارها عام 1922م "أي صنعاء مثلك التاريخ فكنت مليك الزمان ومثلك لنا العلم فكنت ربة العرفان ومثلتك لنا الأساطير فكنت سيدة الإنس والجان.. إلى أن يقول: "صنعاء فيها الهواء أعذب من الماء والماء أصفى من السماء والسماء أجمل من حلم الشعراء" ولكن بأي حال هي صنعاء القديمة من الداخل وبعد مضي 25 عاما على نداءات الكاتب الإيطالي بازولي الهادفة لإنقاذ صنعاء القديمة وتراثها الإنساني من الضياع.  اندثار الملامح والخصوصية  تحدث بصنعاء التاريخ عدة مخاطر جميعها من صنعة الحاضر، فـ30% من منازلها مهددة بالانهيار من أصل 9827 منزلا وحسب إحصائيات مؤكدة فإن الوضع الحالي لمنازل المدينة التاريخية يتفاوت بين 8% من المنازل سيء جدا و14.7% ممتاز و49.1% جيد و26.9% عادي وأشارت الإحصائية إلى أن 99% من المنازل المتضررة مأهولة بالسكان و3% مأهولة جزئيا و5% غير مأهولة. وأشارت دراسة تابعة لمركز الدراسات التابع للهيئة العامة للحفاظ على المدن التاريخية إلى أن 33.4% من منازل صنعاء القديمة تابعة لمواطنين و1.9% منازل عامة و64.7% وقف و5.54 لملكيات مختلفة وحول وظيفة المباني أشارت الدراسة إلى 20.6% من المباني متخصصة و73.6% سكنية و5.8% متعددة الوظائف أما مكونات المدينة التاريخية التي قهرت الازمة وحافظت على خصوصيتها العمرانية والثقافية في زمن والمكونات الحداثية كالهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية والمجلس الأعلى للحفاظ على صنعاء القديمة وكذلك الحملة الدولية لإنقاذ صنعاء القديمة فإن ضياع خصوصية المدينة بات وشيكا كما تشير ملامح اندثار السماسر التي كانت تتجاوز الـ30 سمسرة تنتشر في أرجاء المدينة ولم يعد منها سوى 8 سماسر فقط وكذلك معاصر الزيوت التي لم يتبق منها سوى 6 معاصر من أصل 50 معصرة، الأفدح من ذلك تشوه ملامح جمال المدينة وسقوط سحر بساتينها التي لم يتبق منها سوى 8 بساتين من أصل 109 بساتين كانت قبل 2000م تصل إلى 49 بستاناً أما وضع مصادر صنعاء القديمة المائية -خصوصا المياه الجوفية- فإن عدد 55 بئراً جف منها 53 بئراً ولم يتبق سوى اثنين. متنفسات صنعاء  صنعاء القديمة التي كانت تنام فوق بساط أخضر ويتنفس أهلها هواء نقياً كل صباح أضحت شبه مجردة من تلك البساطات الخضراء التي أضفت على مدينة صنعاء لمسة جمالية بعد سقوط حق بساتينها ومقاشمها من الاهتمام الحكومي كمتنفسات تقليدية خلال نزولنا الميداني إلى صنعاء القديمة لمعرفة الأسباب الحقيقية التي أدت إلى اندثار مقاشمها الشهيرة التي شكلت على مدى القرون الماضية أحد أهم المصادر الاقتصادية لشرائح واسعة من المجتمع الصنعاني، علمنا من أحد المرجعيات الدينية -نتحفظ عن ذكر اسمه بناء على طلبه- أن ما تسمى بالبساتين ملك حر بخلاف  المقاشم التي تتبع المساجد وتعد من ملحقاتها وهي أرض وقف خصصت لخدمة وطهارة المساجد حد قوله أي أن مياه الوضوء أو "المياه الرمادية" كانت تستخدم في زراعة المسطحات الخضراء "المقاشم" وكانت عائدات المقاشم للقائمين عليها، كما أشار إلى أن مياه الحمامات "التركية" العادمة كانت مخارجها إلى المقاشم وأضاف لقد كان لكل جامع أو مسجد مقشامة تتبعه وكان له بئر خاص وحتى فترة زمنية قريبة كانت الآبار التابعة لمساجد صنعاء القديمة البالغة 48 مسجدا بما فيهم الجامع الكبير تغطي احتياجات المساجد والمنازل المجاورة بالماء وكان عمق كل الآبار لا يتجاوز الـ20 متراً ورغم وفرة المياه كان هناك توظيف أمثل لها.  المقاشم أكثر من دور  بلغت المقاشم 48 مقشامة على عدد مساجد صنعاء القديمة وعلى مر العصور قامت المقاشم بدور مزدوج، فهي جزء من موروث زراعي تقليدي ولعبت دورا كبيرا في تأمين جزء من احتياجات السكان من الخضروات، حيث تخصصت تلك المقاشم بزراعة أنواع من احتياجات الإنسان اليومية كالبصل والثوم والكراث والفجل ونظرا لمواقع المقاشم فقد مثلت متنفسا جماليا للمنازل المطلة عليها من الاتجاهات الأربعة وبالرغم من أثرها الإيجابي من الجانبين الاجتماعي والاقتصادي وكذلك البيئي لما لها من دور في تجديد الهواء النقي وامتصاص التلوث البيئي إلا أنها انحسرت وبشدة خلال السنوات الماضية كما تعرضت مساحات بعض المقاشم إلى القرصنة ومن ثم التقاسم وضاقت مساحتها بعد أن فقدت أهميتها الزراعية في نظر القائمين وأصبحت مساحتها تسيل لعاب النافذين.  خطأ الشاطر بعشرة  عزا جل من التقيناهم في القديمة العتيقة انحسار المسطحات الخضراء والمقاشم إلى شحة المياه الحادة حسب قولهم ولكن الجميع اعتبر جفاف الآبار وتفاقم أزمة المياه في المدينة نتيجة لسبب تعلمه المجالس المحلية منذ عدة سنوات وكذلك أمانة العاصمة، جوهر المشكلة التي سبق للوسط أن تطرقت إليه في استطلاع قبل عام تمثل في رصف الشوارع والمساحات في المدينة واستخدام الأسمنت بصورة مفرطة مما شكل طبقة عازلة بين التربة وسطح الأرض وتسبب بأضرار كبيرة على 30% من المنازل حسب الإحصائيات كما حال دون وصول مياه الأمطار إلى جوف الأرض لتغذية الآبار الجوفية فجفت الآبار وتفاقمت أزمة المياه، وأشار المواطنون إلى أن خطأ الشاطر بعشرة، فحسب قولهم أن الخطأ الذي قامت به شركة تابعة لابن مسئول كبير في الدولة أضر بالحرث والنسل ودفع ثمنه الجميع.  بساتين أصبحت جرداء  البساتين الخاصة ليست أحسن حالا من حال المقاشم، فعلى مدى العصور اشتهرت صنعاء القديمة ببساتينها ومقاشمها زراعيا فصنعاء القديمة كانت تقسم إداريا إلى خارج السور وداخل السور، أي ما بين سائلة شرارة المسماة حاليا بالتحرير من الجهة الغربية لصنعاء وما تحتها سكان بئر العزب والتي كانت تتبع مديرية بني مطر والتي كان معظمها بساتين ومزارع وحدائق كما كانت صنعاء القديمة رقعة خضراء ذات طابع جمالي فريد، فعشرات البساتين سميت بأسماء القصور مثل بستان الخير التابع للقصر الملكي إبان الحكم الإمامي ودار الوصول (القصر الجمهوري حاليا) كانت تتبعه عدة بساتين تمتد مساحتها إلى مكان دائرة التوجيه المعنوي حاليا وكذلك بستان دار السعادة ودار الذهب إلى جانب تلك البساتين عرفت صنعاء القديمة عدة بساتين شهيرة كبستان عمر قبلي مدينة صنعاء وبستان عنقاد وبستان شارب وبستان السلطان وبستان الطاووس وبستان القاسمي وبستان الهبل في طلحة، ورغم تعدد مسميات البساتين التي لا زالت عالقة في ذاكرة من عايشوها إلا أن 75% من مساحاتها تحولت إلى مبان نتيجة الازدحام السكاني الشديد الذي تعانيه صنعاء القديمة.  أزمة مياه  محمد عبدالرحمن أفاد بأن مقشامة جامع الأبهر داهمها الجفاف منذ 5 سنوات نتيجة قلة الماء وصراع القائمين عليها الذين استحوذوا على أجزاء منها، المقشامة التي تتبع الجامع الذي أوقفه علي بن المنصور لم تحظ بأدنى اهتمام من قبل وزارة الأوقاف رغم كبر مساحتها، كما أشار إلى أن عددا من المقاشم فقدت لونها الأخضر منذ سنوات مثل مقشامة داوود ومقشامة معمر ومقشامة الفليحي التي لم تعد تزرع سوى جزء بسيط منها، مقشامة الجامع الكبير هي الاخرى جف مصدر مائها.  دراسة حديثة أوصت بإعادة حقن مياه السيول في الحوض المائي السطحي عبر آبار التغذية والحفر الامتصاصية والسدود الأرضية (15-30م) من جانب وشددت على أهمية حصاد مياه الأمطار عبر أسطح المباني العامة والسكنية والمسطحات المرصوفة المحيطة بتلك المباني.. وحول تجمع مياه الوضوء الخارجة من المساجد (المياه الرمادية) وإعادة استخدامها في زراعة المسطحات الخضراء والجزر الوسطية والمقاشم والبساتين قدرت الدراسة المياه الرمادية الخارجة من المساجد بـ240000 متر مكعب شهريا والتي يمكن أن تروي 34 هكتاراً.  الجدير بالإشارة إلى أن عددا من منظمات المجتمع المدني المعنية بالتنمية الزراعية حاولت إعادة حيوية المقاشم وتجديد فاعليتها كما تبنت منظمات أخرى تمويل الشبكة العالمية للزراعة الحفرية RUAF     برامج وخطط تهدف إلى إعادة نشاط المقاشم من خلال الزراعة الخضرية وشبه الخضرية والتي كانت تهدف إلى إعادة المسطحات الخضراء إلى عدد من مديريات الأمانة ولكن كل تلك الجهود فشلت لظروف غامضة ليست أكثر غموضا من دور الحملة الدولية لإنقاذ صنعاء القديمة بالتعاون مع اليونسكو التي دشنت عام 1984م وحظيت بتمويل دولي كبير وصل إلى 387 مليون دولار.  وزارة الأوقاف  وفي ظل انقراض مقاشم صنعاء القديمة التابعة جميعها لوزارة الأوقاف والإرشاد التي تمتلك موارد مالية كبيرة تتجاوز المليارات في العام الواحد ما دور الوزارة في إعادة تأهيل تلك المقاشم التي أصبحت بين فكي كماشة الطمع والجفاف؟! أليس الأحرى بوزارة الأوقاف أن تبحث عن البدائل الممكنة لإعادة المقاشم إلى طبيعتها أم أن الامر لا يعنيها؟!




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign