صنعاء ترفع سقف التصعبد البحري مع اسرائيل إلى البحر الأبيض        صنعاء ,, مسيرات مليونية تضامناً مع غزة        مخاوف سعودية من تحقيق صنعاء المزيد من المكاسب على الارض       واشنطن تجدد اعترافها ,, معركة البحر الأحمر ليس كالمتوقع      
    كتابات /
شمسان:حركات الاحتجاج المجتمعي 2011م في الجمهورية اليمنية: فرص الاتساق في مسار الانتقال الديمقراطي

2012-01-25 07:54:13


 
كتب/د.عبدالباقي شمسان   صادق مجلس النواب على قانون الحصانة للرئيس صالح ومعاونيه يوم السبت 21 يناير 2012، بعد عمليات صراعية بين أطراف المنظومة السياسية الموقعة على المبادرة الخليجية والآلية التنفيذية من جانب أول وأحزاب المعارضة والجماعات والشخصيات العسكرية والقبلية المتموقعة معها وشباب ساحات الاحتجاج المجتمعي من جانب ثان نتيجة لتباين الرهانات والخشية من فقدان السيطرة والتأثير على ساحات الفعل الثوري.   إن دوافع الجماعات العسكرية والقبلية ليست بالضرورة وطنية وديمقراطية نقية، فالعديد منها تضررت مصالحها وتقلص نفوذها وهُددت في وجودها نتيجة للسياسة المتبعة من قبل الرئيس صالح التي عملت على تركيز السلطة والنفوذ دستوريا وواقعيا بيد الرئيس صالح وتزامنا معها تخلى (تدريجيا) عن حلفاء وشركاء الأمس بفعل صعود وتأهيل وتولي الأبناء مواقع ومفاصل النفوذ والسيطرة في مختلف القطاعات المدنية والعسكرية والأمنية، إنه انتقال من حيث الاعتماد من العصبية الواسعة إلى العصبة الضيقة، الأمر الذي قاد تدريجيا إلى قبول جبري لمسألة التوريث من منظور نفعي (الموالات) أو واقعي.   لقد عمل الرئيس صالح على ذلك المشروع ما قبل الوطني من خلال عدة عمليات ممنهجة: إضعاف الدولة ومؤسساتها، إعادة إنتاج القوى التقليدية على حساب قوى التحديث، إضعاف الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني، تعميم ثقافة الفساد والمحسوبية وتوريث الوظائف، تعميم وترسيخ البديل الأسوأ، تقسيم المؤسسة العسكرية والأمنية إلى قطاعات مستقلة تخضع صوريا لوزارتي الدفاع والداخلية، وواقعيا لقيادتها شديدة الارتباط بالرئيس صالح، إحلال جماعة تجارية ورأسمالية جديدة وشريكة بدلاً عن تلك التاريخية المنتمية إلى تعز والمناطق الجنوبية..الخ.   إن ذلك المشروع ما قبل الوطني أدى إلى أزمة مشاركة حادة أبرز مظاهرها: مطالب أبناء المناطق الجنوبية المنادية باستعادة الهوية الجنوبية، حروب صعدة الستة، تعثر الحوار مع أحزاب المعارضة، تدني مؤشرات التنمية الإنسانية. وعليه نرى ضرورة قراءة مخرجات سياسة صالح وتقدير كلفتها الوطنية من منظور منهجي عقلاني، ونستطيع القول إن المجتمع اليمني فقد الموجة الديمقراطية الأولى التي جاءت عام 1990 بمعية الوحدة اليمنية وها هي تهب الموجة الثانية عام 2011م مع رياح الربيع العربي، إذا لم نعمل على إدارتها عقلانيا مستفيدين من الإسهامات النظرية والخبرات العملية للمجتمعات المماثلة فإن فرص انتظار موجة ديمقراطية ثالثة بعيدة الاحتمال، مقابل تدفق متسارع لصراعات وحروب وتشظ للهوية أكثر وضوحا وعلانية. وبناء على ما تقدم نرى أن قانون الحصانة لا ينبغي أن يأخذ اهتماما أكثر من كونه أحد مخرجات العمليات التفاوضية بين طرفي المنظومة السياسية بناء على عمليات حسابية لموقع طرفي التفاوض في الحقل السياسي والعسكري والأمني، ليس من حيث النصر أو الهزيمة فحسب بل كذلك -وهذا الأهم- من حيث الكلفة الوطنية والمجتمعية لخيار الاحتراب.   إن التحديات والتراثات المعيقة لاتساق المجتمع اليمني في مسار الانتقال الديمقراطي عديدة وذات أبعاد شمولية، سوف تستوعب مسألة الحصانة ومعالجتها في إطار السلم الأهلي، كشرط جبري لتحقيق الانتقال الديمقراطي.. وما يهمنا الإشارة إليه بخصوص المصالحة الوطنية والسلم الأهلي، أن الأمر أكثر أولوية في إجرائه بين مكونات الاحتجاج المجتمعي، التي تتباين في رهاناتها إثر انتهاء الهدف التحالفي الوحيد المتمثل باجتثاث الرئيس صالح من الحقل السياسي.   *الموجة الديمقراطية الثانية 2010   لقد تناولنا في أكثر من مقالة ودراسة (انظر على سبيل المثال وليس الحصر كتاب: اللامركزية الإقليمية في الجمهورية اليمنية: مقاربة من منظور الحكم الجيد (صنعاء: المنتدى الاجتماعي الديمقراطي 2011) أن المجتمع اليمني لم يعرف انتقال ديمقراطياً بل انتقال إلى الديمقراطية، فالأول برادجم ثلاثي المراحل: 1- المرحلة الأحادية.  2- الانتقال الديمقراطي (عمليات عقلانية مركبة وطويلة المدى مهيئة للولوج إلى المرحلة الثالثة).  3- مرحلة التجذر الديمقراطي. والثاني لا يتجاوز حد الإعلان وإنشاء المؤسسات الديمقراطية المفرغة من وظائفها، وفيه تصبح العملية الانتخابية هدفاً بحد ذاتها (تعيد إنتاج شرعية النظام دون حدوث تبادل سلمي للسلطة). والنموذج الثاني يماثل الحالة اليمنية بفعل عدد من العوامل منها:   1- جاءت الديمقراطية بقرار فوقي براجماتي كمحصلة لعمليات حسابية للفضاء الدولي أحادي القطب الذي حصر منافذ الانتفاع بحمايته وهباته بالاتساق في مجاله ومرجعيته.   2- جاءت الديمقراطية تلك في بيئة مجتمعية طاردة لكل ما هو تعددي وحزبي.   *باتجاه حرب صيف 1994:   إن غياب القناعة لدى النخب السياسية الحاكمة الموقعة على دمج الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في كيان دولي بالديمقراطية وكذا كونها -أي الديمقراطية- لم تكن مطلبا نخبويا أو جماهيريا أسقطت الاهتمام والجدوى بشروط الانتقال الديمقراطي ومنها العدالة الانتقالية التي كانت ستعمل على تقليص فرص التوجه نحو الحرب مع بقاء الحقل السياسي متأزماً وهو أقل تكلفة.   *عقد اجتماعي جديد:   إن إعادة بناء الدولة على أساس المواطنة تستوجب إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع، من خلال حوار بناء يشارك فيه كل المكونات يتم من خلاله التوصل إلى توافقات حول خمس قضايا ذات أولوية في هذه المرحلة: 1- أولوية إعادة بناء شرعية الدولة والسلطة.  2- تقوية المؤسسات وتعزيز المشاركة.  3- تأكيد الحقوق والحريات.   4- إقرار المواطنة الكاملة وإشاعة العدالة الانتقالية.  5- إنجاح المصالحة الوطنية. (لمزيد من التفصيل انظر: أ. محمد مالكي، "العقد الاجتماعي الجديد ومسار الانتقال الديمقراطي" ورقة عمل قدمت إلى المنتدى الدولي حول التنمية بالمشاركة وتسوية النزاعات الذي عقدته الاسكوا في بيروت 23-24 نوفمبر 2011) وبالرغم من الأهمية المتساوية لجميع العناصر أو القضايا آنفة الذكر إلا أن الحالة اليمنية تجعل من العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية مسألة ذات أولوية ملحة.. وكنت قد تناولت في مقالة نشرت في صحيفة الوسط العدد 291/ 9 يونيو 2010 العدالة الانتقالية تحت عنوان قسطرة الأزمات المحتقنة تدخل مؤقت "إدارة النزاعات في متنها الانتقالي والعدالة الانتقالية شرطان لاستئصال رحم الأزمات" أي قبل اندلاع الحركة الاحتجاجية المجتمعية 2011 التي أعادت تشكيل مواقع الجماعات في الحقل السياسي والاحتجاجي وبعبارة أكثر وضوحا مكونات الحركة الاحتجاجية المجتمعية التي تحمل داخلها إرثاً نزاعياً واحتقاناً حاد مخفيا مؤقتا، يتوجب معالجته قبل طفوه إلى السطح وبهذا الاصطفاف الجديد ازدادت الأهمية والأولوية للعدالة الانتقالية وسنعرض ذلك كما يلي:   1-العدالة الانتقالية:   في هذا المستوى سنعيد نشر جزء من مقالنا سابق الذكر العدالة الانتقالية هي جملة من الإجراءات والآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبذلها المجتمع لتفهم تركته من تجاوزات الماضي بغية كفالة المساءلة وإقامة العدالة وتحقيق المصالحة.. وتتضمن استراتيجية العدالة الانتقالية خمسة مسارات (البحث عن الحقيقة، جبر الضرر، المحاسبة القضائية، الإصلاحات المؤسساتية، إحياء الذكرى) (....) إن آلية العدالة الانتقالية يمكن توظيفها في مرحلة سابقة للانتقال الديمقراطي أو بالتزامن وذلك بهدف إعادة صياغة ذاكرة جماعية بحيث تتحول من ذاكرة حاقدة إلى ذاكرة وطنية من خلال إشاعة ثقافة الاعتراف والاعتذار.   2- ثقل التراثات:   تم إعلان الوحدة والانتقال الديمقراطي دون توظيف آلية العدالة الانتقالية وبذلك نقلنا إلى الحقل الموحد الجديد كل ثارات واحتقانات الماضي النزاعي والتسلطي، على سبيل المثال صراع الجبهة القومية وجبهة التحرير، أحداث يناير 1986 (الطغمة والزمرة) انتهاكات حقوق الإنسان في عهد الحكم الشمولي جنوبا والصراع الجمهوري الملكي والجمهوري جمهوري، أحداث الحجرية وانتهاكات حقوق الإنسان إبان الحكم الشمولي شمالا علاوة عن الحروب بين الجمهورية العربية اليمنية وجمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وما ترتب عليه (الجبهة الوطنية والجبهة الإسلامية) كما يتوجب معرفة مصير المخفيين وملابسات اغتيالات الرؤساء (الحمدي، فتاح، سالمين، الغشمي) وأخيرا حرب صيف 1994، وحروب صعدة الستة، وانتهاكات قمع التعبيرات الاحتجاجية لأبناء المناطق الجنوبية.   3-انتهاكات ساحات الاحتجاج المجتمعي 2011   هناك جملة من الأسئلة التي أوردها وجمعها الدكتور محمد المحيفيظ (العدالة الانتقالية، ورقة عمل قدمت في الورشة الإقليمية الحل السلمي للنزاعات والانتقال الديمقراطي، الدوحة 29/ 30 مايو 2010): كيف يمكن للناجين من الصراعات المدمرة أن يتعايشوا مع الذين أودوا بحياة أعز ذويهم؟ كيف يمكن استعادة الثقة في مجتمع تعرضنا فيه لخيانة أفضل أصدقائنا؟ هل من الممكن تحقيق المصالحة بالفعل في مجتمع ينكر المتورطون جرائمهم؟ كيف يتم جبر الضرر؟ هل بالأموال؟ هل بواسطة أفعال رمزية ومعنوية؟ هل باعتبار كل شخص على حدة أم جماعيا؟ هل بتوفير التعليم لأبناء الذين ماتوا أم بمنح موارد للمجموعة التي تعرضت للضرر؟ هل يمكن ترقيع ذلك النسيج الذي كان يوحد المجتمع في السابق قبل أن يتعرض للتمزيق؟..الخ أسئلة كثيرة تجيب عليها استراتيجية العدالة الانتقالية بنجاعة، وعليه نرى أن تعالج انتهاكات حقوق الإنسان اليمني خلال حركة الاحتجاج المجتمعي في إطار خطة استراتيجية شاملة لبناء السلم الأهلي المؤسس للتعايش والاستقرار والاتساق في مسار الانتقال الديمقراطي، وعلى جميع المكونات أن تولي اهتماما لمعالجة هذه المسألة في إطارها الشامل، فقانون الحصانة ما هو إلا شرط تفاوضي تم قبوله لتقليص الكلفة الوطنية في مرحلة متوترة والاكتفاء بالمعالجة عند ذلك الحد ستجعل الحقل المجتمعي متأزما ومستعدا لتكرار المواجهة على المدى القريب والمتوسط والبعيد، فلا بد من معالجة المسألة مع جميع الأطراف بعد تجاوز مرحلة انعدام الثقة والاحتقان من منظور وطني وفي إطار العدالة الانتقالية.   4-الخطر من الداخل:   إن الحركة الاحتجاجية المجتمعية إعادة صياغة الجماعات وفقا لرهاناتها ومصالحها وإن استمرار الاصطفاف حول تلك الأهداف المعلنة يتطلب تماسك المكونات من خلال تسوية النزاعات فيما بينها، فعلى سبيل المثال: التجمع اليمني للإصلاح (أحد المكونات الرئيسية لتكتل اللقاء المشترك) ينظر إليه من قبل تكتلات أبناء المناطق الجنوبية كخصم، بسبب مشاركته في حرب صيف 1994 (حليف المؤتمر الشعبي العام).   كما تعد قبيلة حاشد وتحديدا بيت الأحمر والجيش المساند لشباب الثورة بقيادة اللواء علي محسن خصما للجماعة الحوثية جراء حروب صعدة الستة، وقال أحد القيادات الحوثية لكاتب المقال : بأن الحوثيين سوف يطالبون بمحاكمة اللواء علي محسن وقيادات جيشه لمشاركته في حروب صعدة إثر الانتهاء من إسقاط النظام، كما يعتبر التجمع اليمني للإصلاح خصما مباشرا للجماعة الحوثية لدوره إلى جانب النظام في عمليات إحلال المذهب السلفي بدلاً عن الزيدي في الموطن التاريخي والاجتماعي والرمزي للمذهب الزيدي في صعدة ..الخ. (لمزيد من التفصيل انظر: عبدالباقي شمسان، الحراك في الجمهورية اليمنية ودور المجلس الوطني في الانتقال الديمقراطي، ورقة عمل قدمت لـ: اجتماع فريق الخبراء لمتابعة منتدى المجتمع المدني بشأن الحراك الجديد ومسار النهضة العربية الذي عقدته الاسكوا في بيروت 25/26 أغسطس 2011).   الخاتمة:   إن تسوية النزاعات واحتقاناتها لا يتوقف عند الانتهاكات التي تعرضت لها ساحات الاحتجاج المجتمعي وصدور قانون الحصانة بل تذهب بعيدا نحو اللحظة التأسيسية للدولة الوطنية وما قبلها (الملكيون والجمهوريون، السلاطين والثوار) ويزداد الأمر تعقيدا عندما يهدد الإرث النزاعي مكونات الحركة الاحتجاجية المجتمعية بالانقسام والتفتت إثر انتهاء الهدف المشترك الأول إسقاط النظام وعليه إن إشاعة العدالة الانتقالية وبناء السلم الأهلي يعد أولوية وطنية ملحة وشاملة إذا أضفنا إليها توظيف نظام صالح للنزاعات القبلية والسياسية التاريخية في بناء التحالفات من خلال تجديد خارطة الثارات باستمرار.   وكل ما تقدم يجعل من الاتساق في مسار الانتقال الديمقراطي أمراً كثير الاحتمال.   *أستاذ علم الاجتماع جامعة صنعاء   Fanon107@yahoo.com




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign