الصحافة البريطانية تكشف عن مضمون عروض امريكية مغرية لصنعاء        كهرباء عدن ....ماساة الصيف المتكرره تحت جنح الفشل والفساد الحكومي        غروندبرغ : نعمل على إطلاق الاسرى وتحسين القطاع الاقتصادي والمالي         مركز بحري دولي يحذر من سلاح يمني جديد      
    كتابات /
ابو امجد: الربيع العربي فصل ازدهار التيارات والأحزاب الإسلامية وحزب الإصلاح في اليمن.. هل سيزهر في أرض منبته شمالا؟ أم هل سيتمدد جنوبا؟

2011-12-14 14:04:25


 
إن الدين عند الإنسان إيقاظ للشعور بالمسئولية تجاه كل شيء في السر والعلانية، ويجعله على حذر من مقارفة الذنوب بينه وبين ضميره، ويوحي إلى الأغنياء والفقراء -على السواء- أنهم لن يستحقوا أجر السماء بغير عمل وغير جزاء، والحذر الأكبر للإنسان في عصرنا هو من تغليف السياسة بالدين ابتداء.   إن الانتكاسة التي شهدتها الدولة العربية في السياسة على مدى الزمن المتوسط والحديث للتطور العالمي -ولا زالت إلى الآن- هي التي جعلت الفكرة الدينية في حالة تقدم، مع ازدياد الطلب الاجتماعي على الدين باعتباره الأمل الوحيد للجماهير العربية في الخروج من المعاناة والفقر والبطالة والتفاوت الكبير لمستوى المعيشة والدخل حتى في الدول الريعية أو النفطية، ومن أجل إعادة بناء العلاقات الاجتماعية على جميع المستويات، لإبراز التوجه الفكري والأخلاقي والسياسي والاجتماعي والاقتصادي، وهو ما يجعل من الرجوع إلى الدين -كمعيار رئيسي وفي التقيد بأحكامه- وسيلة للخروج من الانحطاط والتخلف والفوضى والفساد عند الإنسان العربي كفرد وكجماعة للبحث عن منقذ ومخلص لها يجتاز به الوضع الحالي إلى حياة جديدة تعيدها إلى المجد العربي أو تعيد إنتاج الواقع على ضوئه.   لقد كانت ثورات الربيع العربي تحمل في طياتها نواة لهذا التوجه المندفع والمدفوع بفعل عوامل مختلفة هيجته إلى الساحات تحت يافطة الثورات السلمية وتمخضت نتائج التغيير التي قامت في بلداننا العربية بمؤشراتها الأولية عن تقدم التيارات والأحزاب الإسلامية بصورة أو بأخرى، كما أظهرت الانتخابات التي جرت في تونس وتجري مراحلها الأولى في مصر هذه النتيجة، كما نشهد إخفاق الجماعات والأحزاب الليبرالية التائهة بين فكرتها في بناء الدولة الحديثة وبين برامجها العملية البعيدة عن الواقع وحالة التعاطي معه والتعبير عن همومه.   العوامل التي وسعت شعبية الأحزاب الدينية العربية ومنها الإصلاح   يلحظ اتساع الرقعة الشعبية لحزب الإصلاح عن بقية الأحزاب في الساحة اليمنية وهو ما جعله يتربع على قيادة الثورة الشبابية والأحزاب بشكل عام، وهذا ما عزز الغرور والثقة المغمورة بالفرحة المبطنة لديه لتحقيق نبوءته الدينية بقرب استيلائه على السلطة.. جميع تلك الأحزاب والجماعات الدينية العربية تقريبا لديها هذه القاعدة الجماهيرية وأغلب هذه الجماهير لا ترتبط بانتماء حزبي معها بل إن ما يربطها هو الحالة التعبيرية والانجذابية باتجاه لغة الخطاب الديني المتسم بدغدغة المشاعر والمنطلق من الجانب الروحي للناس المتماهي مع التراث الديني المتراكم، لذا فحزب الإصلاح يشترك مع جميع هذه التيارات الفكرية الدينية بما فيها الجماعات والأحزاب الإسلامية في ظل واقع عربي مترد ينطلق من الأبعاد التالية:   -      الأحزاب الدينية في العالم العربي ومنها اليمن بالطبع عريقة في التأسيس وتعمل بشكل منهجي ومنظم إلى حد مواز مع الالتزام العقائدي انطلاقا من مرجعيتها الفكرية للتأكيد على المصداقية في النشاط والعمل.   -      هذه الاحزاب –عدا السلفية المعبأة بسياسة طاعة ولي الأمر- أغلبها أحزاب راديكالية (حركية ثوريا) وبرجماتية (عملية) في نفس الوقت وتعمل في الميدان العام بين الناس في الخدمات الجماهير ذات الصبغة الإنسانية (المساعدات الغذائية والعلاجية للأمراض الخطيرة وكفالة اليتيم ومساعدة الفقراء والإغاثة وغيرها).   -      تعتمد هذه الأحزاب الدينية على الإرث التاريخي المتراكم للجانب الروحي المتمثل بالدين الذي أصبح نمطاً سلوكياً بعد 14 قرنا وأصبح عند الناس رمزاً للتفاؤل بالخير والقوة في التوحد والدفاع عن الشعوب تحت الراية العقيدية.   -      الإحباط واليأس الذي يسود مجتمعاتنا العربية جراء التخلف والفقر وانعدام المساواة وكبت الحريات وغيرها تولد عنها الحيرة والتردد في طريقة الخروج من هذا الواقع بعد فشل الأنظمة الاستبدادية في استثمار الإنسان وفرض التنمية وخلق الاستقرار ومجاراة التطور وما يرتبط بالذهنية الاسترجاعية أن الإسلام معناه الأعلى في التطور وهو السائد في السيطرة والتفوق على الآخر بحكم ما تردد ولاكته الألسن عن العصر الذهبي للإسلام حتى توسعت التيارات السلفية بمنهج العودة إلى الأصل والمنبع، وأصبح لدى العامة أن أي حديث عن التخلف هو بسبب الخروج عن الأصل وعن نهج السلف الصالح وهكذا.   وهذا ما أبرز لدينا الإحياء أو الرجع الديني، مما سينتج عنه مفهوم إلحاق الدولة بالدين وربط التفكير السياسي بتطوير المفاهيم والقيم الدينية، وهنا تكمن الخطورة في إغفال المطلب الرئيسي لشباب الثورة في الساحات بدولة مدنية حديثة وديمقراطية، وسيطرة الإسلاميين على السلطة سيعيدنا إلى الدخول من الباب الآخر لتسطيح فكرة الدولة وتحويلها كأداة لتحكم فيها من يحكمها. إذا افترضنا التحكم الحالي للساحات مؤشراً لما بعده، فإن ذلك يعبر عن تراجع التفكير الحقيقي بالدولة كمؤسسة جامعة وقواعد عمل وقيم ومبادئ وأصول قانونية ثابتة ومستقرة تعمل في نطاق مفهوم النفع العام لا للدفاع عن قيم وعقائد فكرية وفلسفية تواجهنا بتعسفها وانحرافها بوسائل إجرائية ودستورية وقانونية. مع أننا مسلمون ويمتثل دستورنا للتشريع الإسلامي ونلتزم بالأصول في أي دولة قادمة لا أن تكرس الاجتهادات المختلفة كقيم دينية وهي ليست من الأصول بشيء.   الخصوصية اليمنية ووضع حزب الإصلاح   تكمن عقدة حزب الإصلاح في أنه لا يميز بين وضعه كحزب سياسي وبين وضعه كتكتل قبلي، صحيح أنه حزب واسع الطيف وهذا يعود إلى طبيعة شعاره الديني فقط، مع تجاهل أن اليمن بلد متخلف تتحكم فيه عوامل التركيبة البنيوية للمجتمع خاصة القبلية وكذا الطائفية، وانغلاقها في هذه الحدود ، وهذه التركيبة تفرض عوامل التبعية والتعصب في المواقف والصراع لارتهان الفرد والجماعة إلى العصبية أو القبيلة أو الجهة النافذة في المكونات الاجتماعية.   بدأ تشكل وتكون التيار الإسلامي في اليمن منذ بداية الأربعينيات من القرن الماضي تقريبا من منطلق قبلي تتزعمه الرموز الجهوية والقبلية، وتأسس حزب الإصلاح على منواله في العام 1990م من المنطلق القبلي، واعتبر الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر رمز القبيلة الكبيرة (حاشد) هو الحاضن الرئيسي لهذا الحزب لاستثماره سياسيا وقبليا في تقوية وتعزيز مكانة القبيلة وأصبح التحالف الديني القبلي عامل من عوامل التأثير السياسي والقوة داخل أجنحة الدولة اليمنية ما بعد الوحدة، وتداخلت عوامل كثيرة في هذا الجانب اختلط فيها الإرهاب بالاعتدال داخل هذا الحزب، خاصة بعد عودة الأفغان العرب من الجهاد في أفغانستان، وكذلك عوامل التأثير السعودي على زعماء الحزب القبليين والدينيين، ومعروف أن السعودية هي بؤرة الإنتاج الايديولوجي لفكر القاعدة لأنها بنيت على التحالف الديني القبلي النابع من خط التشدد الوهابي وهم يدينون بالفضل لمثل هذا التحالف في إقامة المملكة، وهم يعلنون تفكيك الخلايا تلد الخلايا الإرهابية في كل عام، ولذلك فإن متنفسهم الوحيد (الإرهابيون) هو اليمن.   بالمقابل الاتجاه الديني المتشدد في الحزب أحد رموزه يدير جامعة الإيمان ويعرف كم عناصر متخرجة من هذه الجامعة دخلت خط التطرف والإرهاب. وما يهمنا القول إن البناء الفكري هو عامل لتوليد الإرهاب، والخطورة أن تكون مثل هذه الرموز في قيادة الدولة مستقبلا مع أن هناك خطاً معتدلاً داخل الحزب وهو العامل الكبير لتوسع وانتشار قاعدته الجماهيرية. بهذا التنوع لا نستطيع الحكم على من بيده قرار الحزب ولكن هذا شيء يخص الحزب في سياسته. فمثلا السعودية لها علاقة بكل الأطراف الداخلية في اليمن ولها علاقة بكل الرموز على حدة -قبائل وأحزاباً- وعلاقتها بالرموز الدينية والقبلية لاستخدامها كأوراق وقت الطلب.   من هذا المنطلق فقد حيدت الجارة الكبرى الشيخ عبدالله في موقفه من حروب صعدة لصالح النظام في محاربة الزيدية الحوثية رغم أن ذلك يضرهم قبليا ووقف الحزب نفس الموقف. وبعد وفاة الشيخ الأحمر وقف أولاد الأحمر كزعماء لأكبر القبائل اليمنية في نفس الخط مع قيادة الحزب بطريقة التحالف الديني القبلي وانقسم الأبناء بين المؤتمر والإصلاح كأدوار فقط ولكنهم في النهاية كتلة قبلية وتمثيل واسع لخدمة القبيلة ودخلوا جميعهم في معمعة الصراع الحالي ولكن تحت راية سياسية موحدة وهو التحالف الذي يقود حزب الإصلاح في الصراع الجاري والوصول به إلى النتائج التالية:   -      استفاد حزب الإصلاح من زعامة آل الأحمر قبليا بعد توجههم إلى المذهب السني بحكم علاقتهم بالسعودة ولكن الحزب وزعامة آل الأحمر خسروا في التجزؤ للقبيلة الكبرى بين المعارض والمؤيد وبالتالي الخسارة في قاعدة الحزب الجماهيرية في هذه المناطق.   -      ظهر شرخ غائر العمق بين الإصلاح بزعامة آل الأحمر ومن يقف معهم قبليا وبين أنصار النظام ومواليه ومن يتبعهم قبليا كذلك وأصبح العداء مستحكم، وهو ما سينتج عنه بوادر تعارض وصدام يمكن أن تصل إلى حد العنف مستقبلا.   -      دخول حزب الإصلاح في العملية السياسية ما بعد المبادرة الخليجية بقوة ولكن لا تخلو من مخاطر صراع قادم إذا ما استمر موقف الإصلاح بالاستفراد في المواقف وبالاتكاء القبلي لرموزه مع حلفائهم في المشترك بالإضافة إلى المشاكل الطائفية الدينية والقبلية كمشاكل مغمورة تحت السطح.   -      تقلص شعبية الإصلاح كحزب في مناطق شمال الشمال نسبيا بعد تزعمهم لواء الثورة وتوسعت نسبيا في المناطق الوسطى والعمل من أجل التوسع إلى المناطق الجنوبية باستغلال شبه الفراغ الأمني فيها.     تمدد حزب الإصلاح في المحافظات الجنوبية:   اعتمد حزب التجمع اليمني للإصلاح في توسعه وانتشاره في المحافظات الجنوبية على القاعدة الحزبية من منظور التعددية السياسية، لكنه استخدم التأثير الإيحائي الديني في مخاطبة جماهير هذه المحافظات مستغلا في ذلك معاناة الناس من بعد الوحدة الاندماجية غير المدروسة وغير المخططة علميا، جراء الانتقال بهذا المجتمع من الاقتصاد الاشتراكي المخطط العام والمختلط الذي تسيره الدولة إلى اقتصاد السوق المفتوح وغير المخطط بل الفوضوي وما نتج عنه من فقدان جزء كبير من المجتمع لوظائفهم وتسريح قطاعات واسعة فيه إلى الأرصفة فنتج عنه تدهور الحالة المعيشية وزيادة البطالة مع نتيجة الدخول مباشرة في أزمة الصراع بين قيادتي الشمال والجنوب ومن ثم نشوب الحرب الكاسحة على المحافظات الجنوبية من قبل الطرف الآخر مما زاد في المعاناة مع تدمير ما تبقى من بنية الدولة الجنوبية وما سلب وما ضاع وغير ذلك حتى وقع أبناء هذه المحافظات في الصدمة والذهول والحيرة فتيقنوا أن لا ملجأ من ذلك إلا إلى الله، وظنوا أنه واقع بهم فلا بد من منصف حقيقي على الأرض يضمن لهم النذر اليسير من حق البقاء والعيش والحياة. وظن الكثير ألا مصداقية إلا فيمن حبله ممدود إلى السماء ولم يكن أحد يعرف بهذه الوسيلة إلا أصحاب التقى والهدى وعباد الله المقربون فكانوا هم حزب الإصلاح الإسلامي.   البعض من الجنوبيين المنجرفين إلى عضوية حزب الإصلاح فكروا وقدروا أن الإصلاح ربما يكون شعاراً دينياً أكثر منه عملياً ينقذهم من المحن ويعيد الحقوق خاصة عند البعض من رموزه وأعضائه ثم فكروا وقدروا أن الإصلاح شريك رئيسي في حرب التكفير ووحدة الفريضة والقوة عام 1994م، وهم من حقق الحسم الأكبر والنصر في هذه الحرب وهم من قادوا آلاف الأفغان في يوم الفتح (هذا بحديثهم) وهم من ضمن من استولى ونهب ومن تفيد من الأرض والمصالح. وأخيرا تراجع الكثير من الجنوبيين المنضمين إلى حزب الإصلاح. ومن ثم تغيرت اللعبة بعد ظهور الصراع الأخير بين الإخوة الأعداء، وتبنى حميد الأحمر كزعيم ديني وقبلي للإصلاح تقريب الكثير من قيادات الجنوب السابقين في الخارج إلى صفه لإسقاط النظام مع وعد بالفيدرالية، بعد زياراته المكوكية إلى القاهرة وتزامن هذا بالعمل بالداخل بعد انتزاع تفويض العمل معا من أجل التغيير وإسقاط النظام وتقديم متطلبات الاعتصامات من المال والخيام والبطانيات لمن يعتصم في صف الإصلاح، ودفع بمن يسمي نفسه أمين عام الحراك والوصي عليه للتصريح المستمر باسم الحراك في الصحف اليومية والأسبوعية المحسوبة إصلاحيا، وتحدث بأحدها بتوصيف من يخرج عن مطالب التغيير ويطالب بحقه عبر رفع الأعلام والشعارات الجنوبية بأنه خائن ومجرم وما إلى ذلك أملا في سلطة أو جاه أو ثروة ليزيد المظلوم ظلما والظالم غنيمة وربحا، ولكن يبدو أن مهمة مثل هؤلاء انتهت طالما اللعبة كسرت شوكة الخصم.   والله على ما أقول وكيل




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign