صنعاء تشن عمليات هجومية ضد سقناً امريكية واسرائيلية في خليح عدن والمحيط الهندي        صنعاء تنهي الجدل الدائر حول شحنات المبيدات الزراعية        واشنطن تقر حزمة مساعدات عسكرية جديدة للكيان        المدمرة الالمانية الحريية " هيسن "تغادرالبحر الأحمر بعد تعرضها لاكثر من هجوم      
    كتابات /
قسطرة الأزمات المحتقنة تدخل مؤقت:" إدارة النزاعات في متنها الانتقالي والعدالة الانتقالية شرطان لاستئصال رحم الأزمات "

2010-06-09 09:31:43


 
 كتب/د.عبد الباقي شمسان حروب صعدة ، التعبيرات الاحتجاجية في المناطق الجنوبية مسلسل تعثر الحوار - بما فيه تأجيل الانتخابات البرلمانية - بين أطراف المنظومة السياسية ، أزمات بنيوية معالجتها  خارج متنها الانتقالي ، مجرد عملية قسطرة ، تمهيداً للتدخل العلاجي ولن يتوقف الأمر عند الجماعات المتنازعة آنفة الذكر ، فالحقل قطب جاذب للنزاع  الثنائي بين طرفين الطرف قد يكون جماعة أو جماعات ، يستمد فعلها السياسي والاجتماعي معناه من الصراعات السياسية والاجتماعية - الثارات- الممتدة في جذورها إلى عقود بعيدة في تراتب اركولوجيا طبقته الأولى دلالاتها وطنية و"ديمقراطية". وسنعمد لتوضيح وجهة نظرنا من خلال تأطير أكاديمي يحاول أن يحلل ويفسر الأزمات آنفة الذكر علاوة على حرب 1994م ، ومقدماتها :   برادجيم الانتقال الديمقراطي : منذ سقوط الكتلة  الاشتراكية وانسحابها كمرجعية - وهيمنة القطب الليبرالي انخرطت العديد من الدول في المجال الديمقراطي ( طوعاَ ، جبراَ ، استحقاقاَ ) ، وأطلق على تلك الدول بلدان الديمقراطيات الناشئة ، وبعد عقدين من المتابعة من قبل الباحثين و الأكاديميين ، توصلوا إلى نتائج أفضت إلى تأسيس حقل جديد "Transitologyس يدرس الانتقال الديمقراطي كصيرورة من ثلاثة أطوار و آخر ليس بجديد وإنما أضيف إليه بعد هام يتمثل بـ " polemologyس يدرس النزاعات ليس في بعدها  السببي و إنما كتقنيات يمكن توظيفها لتفجير النزاعات على مستوى الأفراد ، والجماعات ، والدول . وإذا كان الأول يوظف  لمقاربة الانتقال الديمقراطي في صيرورته الثلاثية  بهدف تحديد وتقييم المسار المقطوع  باتجاه الترسيخ الديمقراطي  فان الثاني يوظف كآلية من آليات الانتقال الديمقراطي : التفكيك المتدرج للنظام السلطوي : " مفهوم "  الانتقال الديمقراطي يعني تلك المرحلة الانتقالية ، مابين النظام الشمولي والديمقراطي ولتحقيقها يستوجب القيام بجملة من عمليات التفكيك المتدرج للنظام السلطوي  وصولاَ إلى تجذير الحكم الديمقراطي  بآليات ديمقراطية ، وهي تحولات  ممنهجة يمكن تحديدها نسبياَ  من خلال المهام والأثر المحدث كما يلي: 1- طور الانفتاح : وتوصف بمرحلة اختمار الديمقراطية بالنظر لما تعرفه من مظاهر الليبرالية ،وتوسع  هامش الحرية كخطوة  أولى نحو تفكيك النظام السلطوي وتوفير الشروط  الملائمة للإنخراط في إصلاحات عميقة في مرحلة الاختراق . 2- طور الاختراق : تتميز بأفول النظام السلطوي وظهور نظام جديد ديمقراطي تمارس فيه السلطة حكومة منبثقة  عن انتخابات نزيهة وشفافة تشتغل في إطار بنى مؤسساتية  يتم إرساؤها عادة عبر صيغ جديدة . 3- طور التدعيم أوالترسيخ : وهذه المرحلة عبارة عن مسار بطيء يتم خلالها التحول من الديمقراطية الشكلية إلى جوهر الممارسة من خلال جملة من العمليات المتزامنة  ( إصلاح مؤسسات الدولة ، تنظيم انتخابات بشكل دوري يكون رهانها الممارسة الفعلية للسلطة ، تقويم ودعم منظمات المجتمع المدني لحماية الديمقراطية )  استئناس المجتمع المدني بقواعد اللعبة الجديدة لحماية الديمقراطية واستبطانها لتصبح جزءاً من الثقافة السياسية في المجتمع . الانتقال إلى الديمقراطية    إننا نفرق بين الانتقال الديمقراطي كصيرورة ثلاثية الأطوار والانتقال إلى الديمقراطية ، الذي  قد يتوقف عند الإعلان فالانتقال الديمقراطي يتحقق إذا توفرت : 1- قناعة لدى النخب السياسية القائمة بالانتقال الديمقراطي يتم ترجمته إلى إجراءات ضمن عملية ممنهجة . 2- حصول توافق بين السلطة القائمة  والقوى الحية أو قوى التغيير ( الانتقال التوافقي). 3- قيام السلطة القائمة بتحويل مطالب الشعب لفائدتها ( الانتقال الاستردادي).   إن الاشتراطات السابقة لم تتوفر في الحالة اليمنية ، فالقرار الفوقي الذي ربط شرطيا بين الوحدة والديمقراطية كان برجماتيا لعمليات حسابية لمعطيات البيئة الوطنية  والدولية وان كنا لا نحمل صانعي الوحدة والنخبة السياسية الوزر عند إعلان الانتقال لأسباب موضوعية ، فإننا نحملهم لمرحلة ما بعد .   إن الانتقال الديمقراطي يتطلب  الانفتاح التدريجي على المجتمع وعلى القوى الفاعلة وعلى مطالبه الأساسية في ثلاث مجالات الديمقراطية ،و حقوق الإنسان ، والاقتصاد في صيرورة ثلاثية تسمح بتحقيق الانتقال من النظام السلطوي  التي تتأسس فيه العلاقة بين الحكام والمحكومين على القوة  بدل الإقناع بعبارة أخرى يتخلى النظام السياسي عن احتكار السلطة ومركزة القرارات  في دوائر  ضيقة وفق منهجية تتأسس على النقاش والتفاوض والتوافق، فالانتقال الديمقراطي يولد مقاومة وصراعات بين القوى القديمة  والجديدة وبين مراكز النفوذ وشبكات المصالح مما يتطلب التفاوض على مجموعة من التوافقات وهذا يتطلب مسبقا تقديم التنازلات  من جميع المكونات . وعند مقاربة ما تقدم في سياقه اليمني نجد أن الحزبين الحاكمين في المرحلة الشطرية ، اعلانا الوحدة والديمقراطية ، وتقاسما الوظائف والمناصب والفوائد واحتفاظ كل طرف بالمؤسسة العسكرية والأمنية ورغم تفهمنا لذلك إلا أنه كان عمليات وأد مبكرة للانتقال الديمقراطي . فهامش الحرية الذي اتسمت به المرحلة الانتقالية لم يكن بفعل انسحاب الدولة وانفتاحها على المجتمع ومطالبه وإنما نتيجة تقاسم الحقل السياسي ، الذي انقسم إلى قطبين ( المؤتمر - الاشتراكي )  تدور حولها وتحظى بالحماية والدعم من عدد من الأحزاب ومؤسسات المجتمع المدني ووسائل الإعلام . وهذا ما يفسر انحلال بعضها وتدني وجود وأثر بعضها الآخر بعد حرب 1994م. ونختم بالإشارة إلى مسألة هامة لعبت دورا في إضعاف فرص الانتقال الديمقراطي ، تتمثل  بالآلية التي اتبعت إثر نتائج انتخابات عام 1993م والمتمثلة  بتقسيم ثلاثي للسلطة ( المؤتمر ، الاشتراكي ، والتجمع اليمني للإصلاح )  بدلا من تقسيم الخارطة الحزبية إلى سلطة ومعارضه الأمر الذي اضعف أحزاب المعارضة حتى يومنا هذا مع اعتبار تبدل الخارطة الحزبية وتكتلاتها:   إدارة النزاعات في متنها الانتقالي : أشرنا فيما سبق في مواضع عدة إلى الآلية المتبعة و المتمثلة بالتفاوض حول جملة من التوافقات بين جميع مكونات الحقل السياسي والاجتماعي ، وان المرحلة الانتقالية تواجه بمقاومة من قبل مختلف القوى  ومراكز النفوذ .... الخ  وبناء عليه تؤدي أي عملية إقصاء لطرف أو أطراف من خلال هيمنة طرف واحد أو مجموعه  إلى رفض يتم التعبير عنه كإجابات بحجم وقد ونوع الإقصاء تدريجيا في مسار مفتوح لا تتوقف نهايته عند الصراع المسلح المفضي لخسارة طرف وإنما إلى انهيار الدولة . إذا ما تجمعت عدد من العوامل كما هو الحال في اليمن ودون التوسع في استيعاب كل المعطيات  مجتمعة سنعمد إلى تحليل وتفسير بعض الأزمات اعتماداً على  فصل منهجي  مؤقت يقارب آلية إدارة النزاعات في مرحلة الانتقال الديمقراطي أو في التهيئة له . أولا : إدارة النزاعات المتبعة خلال الفترة 1990-2010م التعبيرات الاحتجاجية  في المناطق الجنوبية : لقد أفضت نتائج حرب صيف 1994 م إلى هزيمة احد صانعي الوحدة اليمنية الحزب الاشتراكي اليمني وانتصار المؤتمر الشعبي العام وحلفائه أهمهم التجمع اليمني للإصلاح الذي تقاسم معه مؤقتا الغنائم والمناصب والوظائف ، ثم  دفعته نشوة الانتصار -أي المؤتمر الشعبي العام - نحو رغبة جامحة للتفرد، حيث هيمن تدريجيا على المجال والنفوذ وفرض فكره وأسلوبه  في إدارة المجتمع والدولة : تعديلات دستورية غيرت شكل رئاسة الدولة من مجلس رئاسة إلى رئاسة فردية ، ركزت الصلاحيات في  رئيس الجمهورية رئيس السلطة التنفيذية  الذي يعين رئيس مجلس القضاء الأعلى ، ويكلف من يشكل الحكومة  بالتشاور مع رئيس الجمهورية ، يعين ويعزل كبار المسئولين .. أما بالنسبة للسلطة التشريعية التي يعمل على الحصول على الأغلبية المطلقة بكل الوسائل  في مجلس النواب فانه أيضا أنشأ مجلس الشورى وفقا للدستور مادة ( 125) بقرار من رئيس الجمهورية  يتم اختيار أعضائه من ذوي الخبرات المتراكمة والكفاءات .. الخ وهم يمارسون مهاماً استشارية وتشريعية ولهم وفقا للدستور اجتماعات مشتركة مع مجلس النواب  ، وهذا ما يجعل السلطة التشريعية لا تمثل إرادة الناخبين . وإذا ما جمعنا الأغلبية في مجلس النواب ، وأعضاء مجلس الشورى المعين نجد أن القرار يتركز في طرف واحد فيختل التوازن بين السلطات (انظر عبدالباقي شمسان (وآخرون ) دور البرلمان في الإصلاح الديمقراطي والصادر عن مركز المعلومات والتأهيل لحقوق الإنسان ،2007م) وبالعودة إلى الحزب الاشتراكي  فقد اتبع المؤتمر الشعبي العام سياسة إقصاء ( حصار أمني ، مادي ، مصادرة مقرات ) أدت بالأول إلى الانسحاب من المشاركة في الانتخابات البرلمانية 1997م ومعه ثلاثة أحزاب أخرى واتبعت سياسة إعلامية تعيد إنتاج  نتائج حرب صيف 94م بكثافة عالية علاوة على إخفاء علي سالم البيض نائب رئيس الجمهورية و الرجل الثاني في صنع الوحدة باستخدام تقنيات فنية من الظهور على شاشة التلفزيون وصفحات الجرائد الرسمية أهمهما إبعاد صورة البيض إعلاميا  أثناء رفعه لعلم الوحدة جنبا إلى جنب مع الرئيس صالح   وبالتزامن تم إقصاء السياسيين والقادة العسكريين ( التقاعد المبكر )  مما فاقم الوضع مع شعور أبناء المناطق الجنوبية بالإقصاء الجماعي فقد سيطر على الأراضي أبناء المناطق الشمالية وخاصة المتنفذين بطرق شرعية مكافأة لدورهم أثناء حرب 94م  أو غير شرعية الاستحواذ وتم بيع المصانع والمنشآت العامة في إطار الخصخصة واستولت عليها أقلية متنفذة دون تسويات منصفة للعاملين والموظفين ولان الملكية في الأنظمة الاشتراكية عامة ، وجد  أبناء المناطق الجنوبية لا يملكون أرضا أو قدرة على شرائها ومع ارتفاع نسبة البطالة وتدني المستوى المعيشي  نتيجة برنامج الإصلاح المالي والإداري والاقتصادي بدأ الشعور يتجمع  ويتسق على مستوى أبناء المناطق الجنوبية وتحديد الآخر بأبناء المناطق الشمالية بالدحباشي- شخصية تلفزيونية تمثل  أبناء المناطق الشمالية من حيث اللكنة / الزي / وبعض السلوكيات- وعلى المستوى النخبوي وتحديدا في ديسمبر 2001م التقت مجموعة من كبار الشخصيات الجنوبية في صنعاء ( أعضاء برلمان ، قيادات أحزاب سياسية ومنظمات وقبائل  ورجال أعمال )  في اطار الملتقى العام لأبناء المحافظات الجنوبية والشرقية  وصاغوا شكوى إلى رئيس الجمهورية تسرد المظالم  الشعبية التي تعاني منها  المناطق الجنوبية والشرقية قوبلت بردة فعل حادة ( انظر ستيفن دي، التحدي السياسي للحراك الجنوبي في اليمن ، الصادر عن سلسلة أوراق مؤسسة كارينجي ،2010م) أدركت الشخصيات الجنوبية إثرها أن المناشدات  الشخصية أو العلنية ليس لها اثر ولا خيار غير الاحتجاج المنظم  ، ومنذ تلك الفترة حتى مايو 2007م بدأ ضباط الجيش من أبناء المناطق الجنوبية الذين اجبروا على التقاعد تنظيم اعتصامات أسبوعية في المدن  والمديريات  ، وأطلق على  محافظ محافظة عدن اسم بريمر حاكم بغداد بعد سقوطها   في إشارة إلى الاحتلال الشمالي بحسب تعبيرهم .. وعزز الشعور بالاحتلال  عوامل نفسية واجتماعية واقتصادية وسياسية ومكانية ورمزية ذات علاقة بالذاكرة الجماعية : تعميم العملة التي كانت سائدة في الشمال اليمني وكذلك الطيران المدني ، وملابس الجيش والأمن  وعرباتهم وشعار الدولة وتغيير اسم  تلفزيون عدن ( الجنوب)  إلى القناة الثانية ومن ثم إلى  قناة اليمانية بالإضافة إلى تغيير أسماء شوارع ومساجد ومدارس في عدن بأسماء بعضها مرتبط  بأحداث ( وانتصارات ) ما بعد حرب صيف 94م، مجمل العوامل سالفة الذكر ساهمت في اتساع رقعة الاحتجاج العلني والتضامن الشعبي معه من قبل أبناء المناطق الجنوبية . وإذا أردنا تشخيص الأسباب الباعثة للتعبيرات الاحتجاجية فإنها  تعود إلى تدني مستوى إدارة النزاعات، فلم يكتف الحزب الحاكم بإقصاء الرموز السياسية والشخصيات العسكرية والأمنية  بل اضعف الأحزاب السياسية كقنوات تجميعية لمصالح الجماهير ومطالبهم مما أدى إلى فقدان الثقة بقدرة هذه الأحزاب على تجميع مطالبهم وحمايتهم فلجأوا إلى تأسيس تنظيمات مدنية رفضت الجهات الرسمية منحهم تصاريح مزاولة نشاط .. وإذا كانت منحتهم تصاريح أو لم تضعف الأحزاب السياسية لكانت الاحتجاجات لا تتجاوز في مطالبها الثوابت الوطنية.  مما تقدم يمكننا القول إن إدارة الصراعات -وفقا لبرادجم الانتقال الديمقراطي- يكاد يكون منعدماً ، فإذا كان إقصاء الرموز السياسية والعسكرية له ما يبرره لفترة محددة بعد حرب صيف 94م ، فان استمراره يؤكد وجهة نظرنا .. لقد  استدعى  أبناء المناطق الجنوبية هويتهم الوطنية ورموزهم، فالفترة من إعلان الوحدة حتى حرب 94م غير كافية لتأثيث ذاكرة وطنية أخرى فما بالك لو كانت السياسة المتبعة من قبل الحزب الحاكم ( المؤتمر الشعبي العام ) ساهمت بفعالية في استدعاء الهوية الجنوبية برموزها وخلقت التفافا حولها عند أولئك الذين يحتلون مواقع حزبية ورسمية وشاركوا في حرب 94م  مع المؤتمر الشعبي العام  دفاعا عن الوحدة وانتقاما للماضي .    حروب صعدة الستة 2004 - 2010 :  شهدت محافظة صعدة ستة حروب طاحنة بين الدولة وجماعة الحوثي كانت كلفتها  البشرية والمادية والعسكرية عالية  وأدت إلى تشريد ما يتجاوز ربع مليون شخص، فكانت تتوقف النيران وتعود دون معرفة أسباب الوقف او العودة ، ولم تتعامل الحكومة المركزية باهتمام هادف لمعالجة المواجهة ودوافعها بمختلف أبعادها  ودون النظر إلى بعض الأطروحات التي أرجعت أسباب استمرار الحرب إلى: الصراع الدائر بين نجل الرئيس قائد الحرس الجمهوري واللواء علي محسن الأحمر قائد المنطقة العسكرية الشمالية  وكلاهما مرشحان محتملان لخلافة الرئيس علي عبد الله صالح ( انظر كريستوفر بوتشيك ، الحرب في صعدة / الصادر عن سلسلة أوراق مؤسسة كارينجي ، 2010م)     . *صفقات السلاح والمعاملات المالية الغامضة  من قبل شخصيات في النظام لهم مصلحة في استمرار  الحرب .  وعليه فإن أسباب الحرب في صعدة في بواعثه الأولى تعود في جزء كبير منه إلى ضعف إدارة الصراعات بين المكونات المجتمعية بالرغم من  اتفاقنا مع ما طرحه كريستوفر بوتشيك (11 ) الذي ارجع الأسباب إلى كون محافظة  صعدة تعد من أفقر المناطق ولا تحصل إلا على النذر اليسير من  الخدمات ولم تخضع أبدا إلى سيطرة الحكومة المركزية وان القوى المحلية هي التي تحكمها والحوثيون يتبعون المذهب الزيدي ( شيعي ) يشكلون حوالي 35% تقريبا  من السكان ، ويتبع غالبية سكان اليمن المذهب الشافعي ولابد  ان نشير  الى مساءلة هامة إن أتباع المذهب الزيدي أقلية حاكمة ينتمي إليها الرئيس صالح والشيخ عبد الله بن حسين الأحمر . وهنا يأتي  السؤال أليس الحوثيون جزءاً من الأقلية الحاكمة .. والإجابة نعم !! ولكن المسألة ذات علاقة بالحوثي كانتماء فئوي .. حيث ينتمي الى فئة السادة وهي فئة احتلت أعلى  سلم التراتب الاجتماعي وحكمت اليمن ما يزيد عن عشرة قرون ويستمدون مكانتهم من انتمائهم إلى سلالة الرسول ( ص) . ومن مدينة صعدة انبثق المذهب الزيدي  و تمدد بداية على يد الإمام الهادي ليستمر ما يزيد على عشرة قرون حتى قيام الثورة العام 1962م والتي بقيامها أي الثورة فقدت الأسرة الهاشمية أهميتها، فالإمام وفقا للمعتقد الزيدي يلعب دورا مركزيا  حيث يتوجب أن يكون من نسل النبي محمد من خلال ابنته فاطمة .. ولكن المسألة لم تتوقف عند ذلك فالخطاب السياسي  منذ قيام الثورة حتى يومنا هذا يعيد منذ 45 سنة ذلك الخطاب التعبوي الذي يصاحب تغيير الأنظمة  عندما يحمل الإمامة  مسؤولية التخلف والاضطهاد   .وازداد شعور فئة السادة -وهم يمنيون- انخفاض أهميتهم أكثر عندما عملت الحركة الإسلامية  على تجسير الفجوة بين المذهب الزيدي والشافعي الأمر الذي أغلق فرص الوصول إلى السلطة أمام جيل الشباب  : فقدان الإمام لأهميته و خطاب رسمي يخلق منافذ الوصول إلى السلطة خوفا من عودة الإمامة ولم يتوقف الأمر عند ذلك فقد أتاحت الفرصة للتيار السلفي التواجد والنشاط في مدينة صعدة منطلق المذهب الزيدي ومرقد الإمام الهادي الأمر الذي عقد المسألة وكثف الاحتقان. إننا لا نعيد أسباب حروب صعدة إلى العوامل السابقة  وتحديدا  المتعلقة بإدارة الصراعات فقط ولكنها كذلك وجدت أرضية مهيأة تبحث عمن ينظمها  : تدني مستوى البنية التحتية ، بطالة ، عزلة .... الخ .   تعثر الحوار بين  الحزب الحاكم وأحزاب المعارضة: إن هذا الحوار يبين مقدار  سوء إدارة حل الصراعات بين الفاعلين السياسيين ومراكز القوى  ، والجماعات ، القبلية والمناطقية ، والدينية ، فإذا كانت النتائج  أدت إلى ستة حروب في صعدة ويتوقع المراقبون حربا  سابعة - ومواجهات دامية في المناطق الجنوبية تزداد تفاقما يوما بعد آخر ، فإن السلطة السياسة الحاكمة لم تتمكن من إيجاد حلول توافقية مع أحزاب المعارضة  التي مطالبها لا تتجاوز الديمقراطي  : نظام برلماني ، اللجنة العليا للانتخابات ، إطلاق السجناء السياسيين والصحفيين  ، حرية الصحافة ، حرية الرأي والتعبير ... الخ . ونتيجة لتعثر التوصل إلى توافقات بين المنظومة السياسية تم تأجيل الانتخابات البرلمانية عامين ( 2009 -2011م ) . بهدف التوصل إلى توافقات وما زال الوضع كما هو عليه حتى يومنا هذا  . ثانيا : التهيئة السابقة والمتزامنة للانتقال  الديمقراطي ( العدالة الانتقالية ): العدالة الانتقالية : العدالة الانتقالية هي جملة من الإجراءات والآليات المرتبطة بالمحاولات التي يبذلها المجتمع لتفهم تركته من تجاوزات الماضي ، بغية كفالة المساءلة وإقامة العدالة وتحقيق المصالحة . وتتضمن إستراتيجية العدالة الانتقالية خمسة مسارات : (البحث عن الحقيقة ، جبر الأضرار ، المحاسبة القضائية ، الإصلاحات المؤسساتية ، إحياء الذكرى ) وغالبا ما تثير المحاسبة القضائية توجس ومقاومة بعض الأطراف ولكن ليس بالضرورة أتباعها كما هو الحال مع تجربة جنوب أفريقيا . ولكل مسار جملة من الأهداف : - المحاسبة القضائية : تحول دون تولي المسئولين الكبار الذين ارتكبوا انتهاكات مناصب نافذة من جديد - كسر حلقة أعمال الانتقام . -إقرار الحقيقة : تهدف إلى الاستجابة لحق الضحية في معرفة ما وقع ، وحق المجتمع في معرفة الحقيقة لتفادى ما قد يقع من انتهاكات لحقوق الإنسان (توثيق). -جبر الضرر: الاعتراف بالمآسي التي تعرض لها الضحايا جماعات وأفراداً، لتهيئة مناخ المصالحة عبر استرجاع الثقة بالدولة .( تعويض بدني وذهني). -الإصلاحات المؤسساتية : يحول دون تحقيق النمو والازدهار، السلم . إن آلية العدالة الانتقالية يمكن توظيفها في مرحلة سابقة للانتقال الديمقراطي أو بالتزامن وذلك بهدف إعادة صياغة  ذاكرة جماعية بحيث تتحول من ذاكرة حاقدة إلى ذاكرة التوبة الوطنية وثقافة الاعتراف والاعتذار . فالتوجه نحو المستقبل يبقى ملغوماً ومسكوناً بإشباح الماضي وعليه لابد من بناء الذاكرة - عدالة دون حقد وانتقام وهي أساس فكرة المصالحة الوطنية - عند التحول  من الحرب إلى السلم أو الانتقال الديمقراطي - التي يستوجب لنجاحها تهيئة  المجتمع للسنوات المقبلة من خلال فتح نقاش حول العدالة الانتقالية . وذلك ما يخلق ثقافة الوقاية والمناعة فلابد من معرفة الحقيقة بخسائرها لتتجنبها الأجيال القادمة ولا يقتصر الأمر عند هذا المستوى بل ينبغي تثقيف الناس  حول تقنيات النزاع بهدف الوقاية ( وظفت تقنيات النزاع في الصراع بين المسلمين والأقباط في ( مصر ) ، والصراع بين القوميات (الصين مؤخراَ) وتوظفه بجدارة إسرائيل حتى يومنا هذا ). اثر غيابها في السياق اليمني : تم إعلان الوحدة والانتقال الديمقراطي دون توظيف آلية العدالة الانتقالية ، وبذلك نقلنا إلى الحقل الموحد صراعات بين الجماعات على  المستوى الشطري وبين الشطرين : الصراع بين الجبهة القومية ، و جبهة التحرير ، أحداث يناير 1986م ( الطغمة والزمرة). انتهاكات الأحادية الحزبية جنوبا والصراع الجمهوري جمهوري والجمهوري إمامي وتحديدا الأسرة الهاشمية ( السادة )وصولاَ إلى أحداث الحجرية وانتهاكات مرحلة الأحادية شمالا ، والحرب بين الشطرين وما اقتضته من احتضان كل طرف لخصوم الآخر . فضلا عن غموض وملابسات أحداث هامة ذات علاقة باغتيال رؤساء ، ومشايخ ( الحجرية / قعطبة) ... الخ  كل ما تقدم يفسر الانفلات الأمني والتصفيات وانعدام الثقة ، والنزوع نحو حرب1994م ، ليس بهدف الحفاظ على الوحدة فقط .ويزداد الأمر تعقيداً مع إضافة نتائج حرب 1994م ، وحروب صعدة التي تتطلب بشدة توظيف آلية العدالة الانتقالية بهدف إجراء مصالحة وطنية تقوم على الاعتراف بحجم أضرارها  لتجنب تكرارها  ونختم بحادثة تكشف مدى أهمية تسوية النزاعات بين مختلف المكونات بما فيها القبلية المتمثلة بالمعارك التي احتدمت حول أرضية جامعة عمران التي تمتد في جذورها إلى المرحلة الإمامية .  الخاتمة : تناولنا فيما سبق الإشارة إليه إدارة النزاعات في مرحلة الانتقال الديمقراطي ، وكذا أهمية العدالة الانتقالية كآلية من آليات تحقيق الانتقال الديمقراطي ، واختبرنا تحقق ذلك في السياق اليمني بمعزل عن البيئة المجتمعية  وتحديدا ما يتعلق بالثقافة الديمقراطية المنخفضة حد الاختفاء ، وافتقار الخطاب السياسي إلى قيم  التسامح  والاعتراف بالآخر ، ضعف الأحزاب السياسية ومؤسسات المجتمع المدني الناتج عن سياسية إعادة إنتاج الرموز القبلية والمناطقية ، اختلال التوازن بين السلطات الثلاث ، انتشار الفساد ، ضعف احتكار الدولة للعنف الشرعي، ضعف سيادة القانون تقلص هامش الحرية وحرية الرأي والتعبير .. وازدياد الفجوة بين الأحزاب السياسية والجماهير نتيجة تباين الأولويات ( سياسية/ معيشية) فضلا عن عدم حدوث -حتى اللحظة- تداول سلمي للسلطة .إن استمرار الآلية المتبعة في إدارة تسوية النزاعات ، ودون إجراء عدالة انتقالية تمتد منذ ما قبل الاستقلال والثورة حتى الحرب السادسة في صعدة ، وتكلفة العنف  في المناطق الجنوبية ، وان ما قمنا به في هذا المجال اقرب إلى الانفتاح السياسي ، الذي توقف عند إعلان الانتقال ، وان الولوج في المسار الديمقراطي جبراَ ، طوعاَ ، استحقاقاَ ، تكتيكاَ ، يخرج عن السيطرة تدريجياَ ، وإيقاف صيرورته أمر مؤقت قد يفضي بعدها إلى الاتساق في صيرورة الانتقال الديمقراطي أو انهيار الدولة وتشظيها    Fanon107@yahoo.com * هذا المقال جزء من دراسة قدمها الكاتب للورشة الإقليمية الحل السلمي للنزاعات والانتقال/ الدوحة 29 -30 مايو2010 .وضمن هذا المقال تجربة لبنان التي أعدها د/ طوني عطا الله والمغرب التي أعدها د / محمد المحيفيظ .




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign