الصحافة البريطانية تكشف عن مضمون عروض امريكية مغرية لصنعاء        كهرباء عدن ....ماساة الصيف المتكرره تحت جنح الفشل والفساد الحكومي        غروندبرغ : نعمل على إطلاق الاسرى وتحسين القطاع الاقتصادي والمالي         مركز بحري دولي يحذر من سلاح يمني جديد      
    كتابات /
استقلالية القرار إلى أين؟..عود على بدء

2009-09-16 19:31:32


 
كتب/ أ.د. مبارك قاسم البطاطي   إن التاريخ الإنساني يعطي لنا أمثلة ونماذج في أن كل أمة وكل شعب من شعوب هذه الأرض يختلف عن الآخر، وحتى داخل الامة نفسها نجد هناك فواصل وفروقاً فردية نتج عنها أمزجة وصفات مختلفة ومتباينة تماما. وبالتالي فإن هذا الخلاف هو سنة الله في خلقه ولا يستطيع بشر أياً كان وكانت دعوته أن يدمج قوماً بقوم آخرين.. أو أن يحشرهم سويا، فهناك صفات وراثية تناقلتها الأجيال، وكذا عادات تراكمت عبر الأزمان.    إن تاريخنا العربي الإسلامي يعطي الأنموذج على ذلك، فسيد البشرية محمد صلى الله عليه وسلم عندما وضع الأساس الأول لأنموذج الدولة الزمنية في الإسلام بالمدينة المنورة، بعد وصوله إليها مهاجرا من مكة المكرمة وتبعه فيما بعد جمع من المسلمين. لقد تأسست دولة الإسلام الأولى على أساس هذا التمازج والتباين بين كل من المهاجرين والأنصار وأعطى لكل فئة حقها من السلطة والثروة بالقسطاس المستقيم، بقطع النظر عن التمايز العددي لهذه الفئة أو تلك وهذا لا يمنع من الاعتصام بحبل الله -بل يقويه- كما ينبذ التفرقة ويدعو إلى التكاتف والتعاضد لنصرة الحق ودين الله إلا أن هذا لا يعطي الحق أن يفسر كل طرف ما جاء في قوله تعالى: "واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا..." لما يخدم مصلحته ومريديه، فهناك خلط وخلط كبير جدا في التفسير واعتساف للأمور ولي عنقها للاستشهاد بها -أي الآية الكريمة- في غير موقعها الحقيقي لخدمة وتفسير ما يريدون القيام به على أنه من لوازم الدين وموجباته. إن الإمبراطورية العالمية الإسلامية التي شيدت في الأزمنة الغابرة، بدءا من دولة المدينة، وصولا إلى الدولة العربية الإسلامية في الأندلس كانت جميع ولاياتها عبارة عن دول مستقلة يصدر قرارها بداخلها وتنتج ثرواتها لمصلحة مواطنيها بداخل الإقليم -مع الوفاء بالتزاماتها تجاه بيت مال المسلمين -وتتلاقى مع سلطة المركز فيما يخص شئون دين الله، أما ما عدا ذلك فهو من شئون هذا الإقليم أو ذاك ومن يدعي بغير ذلك فعليه أن يعود القهقرى ويمعن ويتمعن في قراءة كتب تاريخ الدولة العربية الإسلامية كيف نشأت وترعرعت، وقوي عودها عندما كانت صانعة قرارها بذاتها ولذاتها معتصمة ومتمسكة بنشر رسالة السماء في اصطفاف موحد خارج نطاق حياضها أما داخل حياض الإقليم فهي صاحبة القرار الأول والأخير وليس هناك أي دليل على وجود الاندماجية -السداحية المداحية- إذا صح هذا التعبير - هذا ما أنبأنا عنه التاريخ العظيم لدولة الإسلام -والسيرة العطرة لرجالها في قمة مجدها وازدهار دعوتها. وإذا انتقلنا إلى أنموذج آخر في مصر الفرعونية على سبيل المثال لا الحصر وذلك عندما وحد ميناء الشطرين (قبلي وبحري) ظل كل إقليم يتمتع باستقلاليته في تناغم وتواد مع الآخر. وبناء على ما تقدم ومن منطلق الحرص والدقة على المعلومة وموضوعيتها وعلميتها فإنني أقول: "قد ينبري البعض كي يرد على ما ورد في أعلاه بالقول بأن هناك فرقاً وفرقاً كبيراً حيث أن ما حدث في 22 مايو 1990 هو إعادة اللحمة وجمع الشمل بعد أن كان مفرقا منذ آلاف السنين، بمعنى لم الشعث وجمع المتفرق.. كيف؟؟ وأن ما حدث من تجارب أخرى شبيهة هي لشعوب متباينة ومختلفة تمام الاختلاف وهذا ما يدعيه وما يزعم به الزاعمون دعاة الضم والإلحاق وعودة الجزء لأحضان الكل وهذا بعيد كل البعد عن الموضوعية وحقائق التاريخ ومعطيات الواقع وهو كلام غير صحيح وغير دقيق علميا وردنا عليه وارد في ثنايا أسطر هذا المقال -كما هو موضح أعلاه- كما أنني أود أن أعود إلى الوراء قليلا وفي مناسبة أخرى سابقة وحول هذا الموضوع بالذات وهو الخلاف والاختلاف بين الشعوب العربية في الأمزجة والتباين في الفروق الفردية وتركيباتها النفسية وهذا ما ينطبق على جميع شعوب الأرض بما فيها منطقتنا بتباين أمزجة وخلال أقاليمنا المتعددة أقول: إنه قد سبق لي ومنذ عقدين من الزمان وبالتحديد في العام 1989م أن ناقشت هذا الموضوع في محاضرة لي في طلبة الكلية الحربية في العام 1989 حول موضوع الإدارة المحلية حينها وكذا الوحدة وذلك من خلال ما هو مسطر في فصول كتاب الميثاق وقد كنت حينها -وهذا ما تقتضيه مني الأمانة العلمية والتوافق مع الذات أن أبوح به الآن- فقد كنت الأكثر تشددا وتزمتا إلى جانب الوحدة الاندماجية مما ورد في فصول الميثاق الوطني حينها إلا أن التجربة المريرة والقاسية التي عانيناها وعانى منها شعبنا في اندماجية العام 1990 وما حل بالوطن والأهل في العام 1994 ولا زال حتى الآن ألزمني مراجعة الذات واستقراء التاريخ والوقوف مع معطيات العلم ودخائل التاريخ وتراكم وبعد آلاف السنين بين هذه وتلك من أقاليمنا والثغور بعيدا عن العاطفة وحماسة الاندفاع، برغم أنني ما زلت وسأظل ما حييت أحمل إرثي القومي الوحدوي، الذي تربيت في كنفه وعشته منذ نعومة أظفاري ولن أحيد عنه مهما كلفني ولو دفعت حياتي ثمناً لذلك. إن التاريخ لم ولن ينسى من أين أطلقت الرصاصة الأولى وعلى من أطلقت في العام 94. وفي هذا المقام فإننا نعتذر عن العودة للتذكير بماض مؤلم وموجع برغم مرور ما يقارب العقدين من الزمان على هذه الأحداث المؤلمة والموجعة ولكنها ظلت مخزونة في الذاكرة لم تفارقها ولن تفارقها لشدة هولها وقساوتها على النفس. وهنا وتماشيا مع هذا السياق تواردت على ذهني خواطر أعادتني إلى الوراءعدة عقود فجال في ذهني ما حدث في العام 1961 وهو شبيه في الشكل بعيدا بعد السماء عن الأرض في المضمون، والمكان والزمان والمعطيات الإقليمية والدولية والرجال صانعو هذا الحدث، فأخذت أقارن بين ما أحدثه القرار في العام 1994 وما نتج عنه من دمار وخراب وضحايا كثر وما أحدثه القرار الآخر والمضاد له في الجانب الآخر في العام 1961 حيث اتسم القرار الاخير بالعقلانية والروية والدقة في التحليل فكان الصواب حليفا له، فصان دماء الشعب وحافظ على منجزاته وثرواته فكان على العكس تماما لما حدث في العام 94 حيث سالت أودية من دماء وأهدرت ونهبت بشكل غير مسبوق ثروات الوطن وسيظل ما حدث في هذه الفترة من العام 94 وما تبعه ورافقه من أحداث وما نتج عنه، أقول سيظل هذا العمل نقطة سوداء لا بل بحراً من السواد والعتمة في تاريخ شخوصه وصانعيه وستظل لعنة ذلك اليوم الأسود تتابعهم إلى يوم البعث والنشور. إن ما حدث غير مبرر وغير مقبول تحت أي دعوة أو ادعاء بأن هذا هو صون للوحدة واستمرار لها، فهذه الدعوى غير مقبولة ولا محمودة، كما أنه من غير المتصور بأن يكون ما حدث قد حدث من أهل دعوة إلى وحدة أو توحيد (أو حكمة يمانية كما يقال)، فأين الحكمة يا جند اليمانية ويا من كان أسلافكم في غابر الأزمان يشكلون العمود الفقري في جيش الفتح الأندلسي حينها كانوا بحق أصحاب حكمة وروية وإيمان، فكانوا يدافعون لنشر دين الله في أرضه فكان قتالهم من أجل ذلك شرفاً لهم وللأمة أما اقتتالكم أنتم في العام 94 فكان جريمة أنتم معاقبون عليها أمام التاريخ ويوم الحساب فالقتال الذي قام به أسلافكم هناك شرف ولكن الاقتتال داخل حياض الوطن -الذي قمتم به أنتم- جريمة. وفي الختام نؤكد أن عدم المعرفة بالتاريخ ودخائله وتفصيلاته من شأنه أن يعمل على سد منافذ المعرفة وبالتالي يزيد الفرقة ويشعل نار الصراع والنزاع، أما العلم بالتاريخ فإنه رحم بين أهله من شأنه أن يفتح أمام التسامح وقبول حق الآخر واحترام وجهات النظر المخالفة ونحن هنا قد نحسن الظن بالجميع الذين يكونون قد أخطأوا بل ارتكبوا الخطيئة لجهلهم بالتأويل أو التفسير للتاريخ والذين يكونون قد أصابوا كبد الحقيقة والسير إلى سواء السبيل، اللهم اهد قومنا واغفر وارحم شهداءنا في قبورهم وانزل فرجك وعونك ومددك للقابعين في دورهم.. اللهم آمين.




جميع الحقوق محفوظه لدى صحيفة الوسط 2016 

التصيميم والدعم الفني(773779585) AjaxDesign